وثيقة حماس..سامَحَ اللهُ حزب الله.. بقلم: إيهاب زكي

وثيقة حماس..سامَحَ اللهُ حزب الله.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٣ مايو ٢٠١٧

في ظل الانقسام الفلسطيني، أصبح انتقاد أحد طرفّي الانقسام، يضعك تلقائياً في خانة الطرف الآخر، دون أيّ اعتبارٍ لأصل القضية أو حقائق التاريخ وثوابت الواقع، ودون حتى اعتبار لمجرد فلسطينيتك اللامؤطرة وعروبتك اللامتحزبة، وبما أن وثيقة حماس قد صدرت وأصبحت حقيقة لا تسريبات، وبما أنها قابلة للنقد كقابليتها للنقض كأيّ عملٍ بشري، ودرءًا لشبهة تسخير النقد في معمعة الانقسام الفلسطيني، وبالتالي إفراغه من مضمونه ومحتواه بحجة تحامل الطرف الآخر وتصيده الأخطاء، فقد قررت الانتماء إلى حركة حماس على طول الفترة الزمنية لكتابة هذه الأسطر، لكنه انتماءٌ مشروطٌ بعدم البيعة على السمع والطاعة في المنشط والمكره،  لذلك فمبدئياً لن أطلب من حماس الاعتذار إلى فتح كما فعل أحد الناطقين باسم حركة فتح، رغم أن من يقارن وثيقة حماس ببرنامج النقاط العشر عام 1974، يدرك أن المطالبة بالاعتذار أمراً وجيهاً، ولكني سأقر إقرارَ كامل الأهلية بكل ما جاء في الوثيقة، مع بعض الاستثناءات التي قد تنسف الإقرار بالوثيقة، مع كامل الأهلية أيضاً.

بالرجوع إلى برنامج النقاط العشر عام 1974، نجد أنه أكثر تفوقاً من وثيقة حماس الجديدة شكلاً ومضموناً، فمثلاً وعلى سبيل الدعابة، فقد اعتبر البرنامج أن الكفاح المسلح على رأس الوسائل النضالية المشروعة لتحرير فلسطين، فيما اعتبرت حماس المقاومة في قلب الوسائل، والرأس متفوقٌ على القلب، كما ورفض البرنامج القرار 242، كما رفض أي مشروع كيان فلسطيني يكون ثمنه الاعتراف بالعدو والصلح والحدود الآمنة،  لكنه من جهةٍ أخرى دس فكرة تجزئة القضية من خلال تجزئة الأرض، تحت بند إقامة سلطة وطنية مقاتلة على أي جزءٍ يتم تحريره، فيما حماس كانت أقل غموضاً وأقل حنكةً حين حددت أراضي 67، وللمفارقة فإن برنامج النقاط العشر يقوم بتكليف السلطة الوطنية –الناشئة عن تحرير الجزء-بالعمل من أجل توحيد أقطار المواجهة في سبيل تحرير كامل التراب الفلسطيني، أي إزالة "إسرائيل"، فيما وثيقة حماس تقبل بدولة 67  مع الإشارة إلى إمكانية التهدئة في إطار إدارة الصراع، وهذه المقارنة ليس من باب أفضلية طرحٍ على آخر، فكلا الأمرين كانا مقدماتٍ لما هو أدهى وأمَّر، ولكن للرد على من يحاجج بقوة البنود في وثيقة حماس ومبدأيتها، متغافلاً عن التفريط المقصود فيها.

قد يكون انطباعاً شخصياً وليس يدخل باب التحليل السياسي، لكن رئيس المكتب السياسي حركة حماس خالد مشعل، كان وهو يقدم للوثيقة باديَّ الإرباك والتلجلج، فهو كمن يريد أن يلقي على مسامع قومه قولاً ثقيلا، وناور كثيراً قبل البدء بتلاوة المقصود حصراً من الوثيقة، وهو القبول بدولة في حدود الرابع من حزيران عام 67، دون الاعتراف بـ"دولة إسرائيل"، خصوصاً وهو يبرر لها بأنها ليست من صنيعته منفرداً، بل هي موقف حركته أدناها وأعلاها، كما أنها بتوافق جناحيها العسكري والسياسي، وهي ليست وليدة اللحظة بل أربع سنوات من النقاش والمشاورات، وهذه الأربع سنوات بالذات للخلف تعني عام خروج حماس من سوريا، وكتبت حينها بأن هذا الاصطفاف الحمساوي إخوانياً، يأتي في إطار مغريات تركية قطرية لمشروع إخواني شامل برعاية أمريكية، لاستبدال سلطة وطنية"علمانية" بسلطة وطنية"إسلامية" إخوانية، وفي كلتا الحالتين ليست سلطة مقاتلة، ففي الوقت الذي ترفض فيه حماس اتفاقية أوسلو وما ترتب عليها، تردف في بندٍ لاحق أن السلطة يجب أن تكون في خدمة الشعب، وهذه السلطة إحدى مترتبات أوسلو، وقد خصت حماس رفضها لمترتبات أوسلو بالتنسيق الأمني، في الوقت الذي اعتبر فيه مشعل أن التفاوض مع العدو ليس حراماً، وقد نستنبط من هذا أن حماس قابلة للتفاوض مستقبلاً لكن دون الاضطرار لتنسيق أمني.

واستطراداً وعلى عجالةٍ أود أن يكون من المهم الاستخفاف بمقايسة تفاوض النبي مع مشركي قريش، التي يستخدمها الإسلاميون لتبرير كل تفريطٍ أو تنازل، كما قال مشعل في تقديمه للوثيقة أيضاً، فالقياس خاطئٌ  في أصله، ومن حيث يدرون أو لا يدرون، فإن هذا القياس يعني لو أن النبي كان بيننا اليوم، لما تردد في التفاوض مع "إسرائيل"، ولأبرم معهم "عهود" أوسلو أو وادي عربة أو كامب ديفيد، فهل يقبل الإسلاميون وضع النبي في مكانة من وقّعوا تلك المعاهدات، أم أنهم سيعتبرون أنه بحكم نبوته وما يتنزل عليه من وحي سيأتي بشروطٍ أفضل، وكخلاصةٍ ووصولاً للعنوان والحقيقة، قد تكون ظروف التسعينات قابلة لاستنباط تبريرات التنازلات، -- -رغم أن التنازل لا مبرر له سوى الرغبة فيه-، حين أقدمت عليها منظمة التحرير، حيث انهيار المعسكر الشرقي وتدمير العراق وهيمنة أمريكية مطلقة وموازين قوى مختلة وذهاب عربي بالإجماع إلى مدريد، ولكن اليوم ونحن نشهد صعود محور المقاومة وإعادة بعض التوازن لميزان القوى العالمي، لا يمكن لحماس أن تبرر وثيقتها بحجة النضج السياسي وتراكم التجربة، وأنها لا تعيش في جزيرة فتسعى لإعادة توضيح قضيتها للعالم بشكلٍ مقبول، إنما الحقيقة أن هذه الوثيقة هي ضريبة اصطفاف حمساوي صريح في محور تركي قطري وسعودي أيضاً و"المعتدل" عموماً، ولكن تجربة حزب الله العسكرية ومواقفه المبدأية السري منها والمعلن، وكذلك الصمود السوري سيجعلان من وثيقة حماس ومواقفها المستجدة، مجرد سلحفاة لكعة ومتعثرة، لأن سقف هذا الصمود وهذه المواقف مرتفعٌ جداً، بشكلٍ يجعل من السير في طريق التفريط أمراً متعسراً لا سلساً، بعكس لو سقطت سوريا وانتزع سلاح الحزب، لكان التنازل أكثر يسراً، وهذا الاستنتاج يقودنا إلى تساؤلٍ أخطر، وهو هل ستضطر حماس تحت ضغط محورها وضغط الرغبة بوراثة السلطة في الضفة، لاتخاذ مواقف سلبية علنية من الحزب، لذلك سامح الله حزب الله على هذا السقف المرتفع.

بيروت برس