بين «ديربي الغوطة» و«كلاسيكو الشمال السوري»: أستانا لن يأتي بجديد

بين «ديربي الغوطة» و«كلاسيكو الشمال السوري»: أستانا لن يأتي بجديد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢ مايو ٢٠١٧

فرنسا – فراس عزيز ديب

أن يُعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن «التشرُّف» بلقاءِ الزعيم الكوري كيم جونغ أون، بعدَ ساعاتٍ قليلةٍ من إعلان الأخير أن بلادهُ جاهزةٌ لإجراء تجربةٍ نوويةٍ جديدة في أي وقت، وذهاب التهديدات الأميركية بتوجيهِ ضربةٍ عسكرية للكوريين أدراج الرياح، فإن هذين التصريحين يجعلانكَ تشعر وكأن «ترويض ترامب» بحدِّ ذاتهِ هي التجربة النووية التي قصدها الرفيق كيم جونغ أون، فالوصول لشدِّ اللجام على ترامب وإعادة قدميهِ على الأرض هو أشبهَ بعمليةِ «تخصيبِ اليورانيوم»، فإما أنك ستحصل على يورانيوم قابل للاستخدام السلمي، وإما أنك بزيادة معدلات التخصيب ستحصل على سلاحٍ فتاك قابلٍ للانفجار في لحظة.
ربما مازال من المبكر التنبؤ أي «ترامب» سينتج لدينا بعد عملية «التخصيب الكورية»، تحديداً أنه إلى الآن أتمَّ مئويةَ أيامهِ الأولى كأسوأ رئيسٍ أميركي، مع ذلك تجاوزَ إخفاقه وتقلباتهِ في جميعِ النواحي وقررَ قبل أيام أنه حكماً «سينتصر» في كل الحروب القادمة التي سيخوضها.
لا نعلم إن كانت الحرب على كوريا إحداها، لكن ما نحن متأكدون منه أن من مثلهُ بات يعتبر أي مشاجرةٍ في بلدٍ ما هي صراعٌ لا بد من الاستفادةِ منه لخلقِ مناطق نفوذٍ جديدة، أنه مفهوم ومبادئ «رأس المال»، وبمعنى آخر: احتاجت الولايات المتحدة سنوات لتصنيع قنبلةِ هيروشيما واستقطبت لأجلها مزيجاً من العلماء، اليوم هي قادرة بتكاليفَ أقل، وبثوبٍ مليء بالإنسانية أن تصنعَ قنابلَ نووية لا قنبلة، خلطاتٍ إجرامية لا خلطة؛ لكنها في الأساس تحتاج إلى ما هو أهم، وهو أمرٌ متبع تحديداً في تخصيب اليورانيوم، أي عملية الطرد المركزي.
من السذاجةِ بمكانٍ الظنَّ أن عمليةَ الطرد هذه بدأتها إدارة ترامب من خلال الضغط على مشيخاتِ النفط مثلاً للتحالف «علناً» مع الكيان الصهيوني، أو حتى ما استجد أخيراً من إعلان الجناح السياسي لحركة «حماس» بالأمس عن وثيقتها الجديدة التي تبدو تخصيباً للمادة الأولية المسماة «أوسلو» لا أكثر، والتي يُنتظر أن يرد عليها الجناح العسكري لـ«حماس» بما يناسبها.
إن عملية الطرد هذه بدأها ترامب أساساً منذ إعلانهِ صراحةً تشريع مفهوم البلطجة في الحماية والابتزاز وما شابه، وقتها قلنا إن الولايات المتحدة لم تكن يوماً إلا كذلك والمستجد الوحيد أن ترامب أخذ دور «جهاز الطرد المركزي» في العلانية دون رتوشٍ أو تجميل، وهي صورة أكثر انحطاطاً من شعار بوش الابن الذي أطلقه بعد أحداث 11 أيلول، «من ليس معنا فهو ضدنا»، ليصل ترامب إلى مكانٍ يقولُ فيه: من لا يدفع لنا فهو عدونا، وبالتأكيد نجح بهذا الأسلوب في جعل «مشيخات» ودولاً تخضع، بل جعل المشروع مربحاً على المدى الطويل في الاستفادةِ من «الحكام المفترضين» لدولهم فرصةً لا تعوض، ربما بدأ هذا الأمر في فنزويلا التي يبدو أن عين الإدارة الأميركية عليها «مهما طال الزمن»، لكن ماذا عن سورية؟
لم يخرج «ديربي الغوطة» المستمر منذ خمسة أيام عما تفكر فيه إدارة ترامب، أي الطرد المركزي الذي سينتُج عن المباراة، حتى نصل في النهاية إلى الفريق الذي سيمثل «المعارضة المعتدلة» في استحقاقات الحل السياسي القادم، ولا يبدو أن النتيجة قد حُسمت حتى الآن، تحديداً أن تقدم ميليشيا «جيش الإسلام» السعودي في مباراة الذهاب، لا يشكل نهايةً عمليةٍ للمنافسة، فالطرف الثاني المتمثل بـ«جبهة النصرة» التركية، لا يزال يحتفظ بالأمل بالتأهل، حتى لو كانت الواجهة هي «فيلق الرحمن» القطري، وربما الشيء الوحيد المحسوم أنه يجب علينا عدم التعاطي مع ما يجري في الغوطة بالتأويلاتِ التقليدية من قبيلِ أنه صراعُ الإرادات للمشيخات والدول الداعمة، فالقضية ليست مجرد صراع سعودي قطري أدى إلى ما يجري، وأبعد من قضيةِ تصفيةِ حساباتٍ بين الميليشيات الإرهابية، فالوقائع المتمثلة بنوعية السلاح المستخدم وأهمها سلاح «التكفير والتكفير المضاد» بلغ ذروته، أما «اللعب الخشن» فاستفحل لدرجةِ قيام كل طرف بحرق جثث قتلى الطرف الآخر، ما استدعى حكم المباراة المتمثل بمجلس «شورى أهل العلم» لإيقافها لأكثر من مرة لكن «صافراته» ذهبت أدراج الرياح لأنه من الواضح أن الصراع صراعَ وجود لن يطول به الأمر حتى يخرج خارج حدود الملعب الحالي، وقد يكون ريف إدلب هو المرشح الأول لاستضافة المباريات القادمة، مهما حاولت كل من ميليشيا «حركة أحرار الشام الإسلامية» وبقايا «الجيش الحر» إصدار بياناتٍ تحاول تجميل الأمر ونفي أي إمكانية لانتقال الصراع لمناطق سيطرتهما، بل أظهرا نوعاً من التعاطف مع «جيش الإسلام» ليثبتوا أن ما يجري هو عملية طرد لكل ما يمكن له تشويه صورة «المعارضة المسلحة»، وتحويلهم لحماماتِ سلام؛ فهل هذا الأمر يعني أن اجتماع أستانا الذي سينطلق اليوم سيستفيد من هذه «الجوجلة» ليكون بحلةٍ جديدة؟
كما جرت العادة فإن لقاءاتٍ كأستانا أو جنيف، يسبقها الكثير من الزخم الإعلامي الذي ينتهي عادةً مع أول إطلالة للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا ليكرر فيها كلاماً يؤكد فيه ثابتة أساسية أنه منفصل عن الواقع، والوقائع.
في النتائج لا يبدو أن الاجتماع سيخرج عن هذا السياق، لكن في التفاصيل هناك أمران يميزان هذه «الأستانا»: أولاً، ما قالته المعارضة عن مقترحٍ روسي يقضي بنشرِ قواتٍ دوليةٍ «محايدة» في مناطق التماس لضمانِ ضبطِ وقف إطلاق النار.
بالتأكيد لا نعرف مدى جدية هذا الطرح، لكنه حكماً ليس منطقياً بل قد لا نبالغ إن قلنا إنه أسوأ من طرح «الممرات الآمنة» الذي أطلقهُ وزير الخارجية الفرنسي الأسبق آلان جوبيه أو «المناطق العازلة» كما يطالب النظام التركي.
نوع كهذا من القوات بالنهاية ستكون أشبه بشرعنةِ المحاصصة من جهة، وستفتح النفس لدى البعض لفرضِ «الفدرالية» كأمرٍ واقعٍ وليست نتاج تصويت أو خيار للشعب السوري، ثم إذا كانت المناطق الفاصلة بين التنظيمات الإرهابية والجيش العربي السوري بحاجةٍ لقواتٍ دولية، تُرى وانطلاقاً مما يجري في الغوطة وغيرها، هل نستطيع القول إن الفصل بين الميليشيات المتحاربة قد يحتاج إلى قواتٍ من المريخ؟
أما الأمر الثاني فهو تصاعد وتيرة الأحداث في الشمال السوري تركت الصور عن انتشار قطعٍ عسكريةٍ أميركية على الحدود بين سورية وتركيا، والتهليل والترحيب لمئات الأشخاص لوصولها حالةً من الذهولِ لدى السوريين، بل الحدث قد لا يشبهه إلا دخول القوات الأميركية لبلدةِ «أم قصر» في الجنوب العراقي إبان الغزو الأميركي، لكن هذا الحدث قابله قبل أمس رفعَ العلم السوري في مواقعَ عسكرية تتمركز فيها القوات الروسية في مناطق تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية في «عفرين».
الحدث الأول أزعج النظام التركي الذي بدا وكأنه هو المستهدَف منه، أما الحدث الثاني فهو لم يُقابَل بأي ردة فعلٍ تركية حتى كتابة هذه السطور، ومن ثم فإن السؤال المطروح، هل الخطوتان الأميركية والروسية هي رسالة علنية للرئيس التركي طيب رجب أردوغان بأن حدود تدخلاته باتت مرسومة، أم إننا نستطيع القول إن الروس أرادوا من خلال هذا الأمر توجيه رسالةٍ ما للأميركيين بأن الأكراد ليسوا مجرد ورقة، لأنهم أساساً ليسوا على «كلمةٍ واحدة» بما يتعلق بالموقف من التقسيم، وبمعنى آخر: هل أعلن الحكم صافرة البداية لانطلاق «كلاسيكو الشمال» رسمياً بين «الكبيرين» إن جاز التعبير. ربما هو كذلك فالأميركي الذي دائماً ما يخطئ البعض بتوصيفهِ أنه «أخفق بمؤامراته» ويتناسون أنه قادر دائماً على تجهيز البدائل، أهمها: ماذا لو أن الأميركي شرعن بقاءه في مناطق الجنوب أيضاً لرسم خطوطٍ حمراء جديدة يكون هدفها الأول والأخير شرعنة التقسيم؟
ربما هو كذلك وما قلناه عن عملية الطرد المركزي لن تكون حدودها الغوطة أو الشمال فقط، عندها عليه أن يتذكر أن إعادة تصنيع عشر كيلو غرامات فقط من اليورانيوم تحتاج ما يقرب من 800 جهاز طرد مركزي، والأرقام ليست سهلة، والقضية تحتاج إلى عمل متواصلٍ فهل هو قادر على ذلك؟ بالتأكيد قادر، تحديداً أن من قرر لنفسهِ أن يكونَ مجرد رقمٍ لا ينفع معه التعاطف، لكن كل هذا ليس مرهوناً لا بالأستانا ولا بجنيف، هو مرهونٌ بأمرٍ واحدٍ فقط: نتيجة كلاسيكو الشمال بين الروس والأميركيين؛ إما أن تُحسَم المواجهة من الذهاب وإما سنضطر لأن نلعب الإياب في الجنوب.
اللبيب من الإشارة يفهم ولكم في عملية التخصيب الكورية العبرة.
الوطن