انقلاب كامل الأوصاف.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

انقلاب كامل الأوصاف.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٥ أبريل ٢٠١٧

هو انقلاب كامل الأوصاف ما جرى في فرنسا يوم 23 نيسان الجاري، وإن كان يختلف أو لا يصل إلى الحدود التي وصل إليها البريطانيون خلال العام الماضي، فللمرة الأولى منذ أن أقام شارل ديغول الجمهورية الفرنسية الخامسة في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، لن يكون سيّد الإليزيه منتمياً إلى أحد الحزبين التاريخيين اللذين تناوبا على حكمها: حزب اليمين الديغولي، وحزب اليسار الاشتراكي، وللأمر اعتباراته المهمة ويضج بالمؤشرات والدلائل، فهو من جهة يشير إلى أن الذات الجماعية الفرنسية قد ملّت لبوسها التقليدي القديم وهي ترنو إلى تجديده، ومن جهة أخرى فإن تلك الذات تريد الخروج من قمقم الأحزاب وقيود الإيديولوجيا، إذ لطالما وصل المرشح الوسطي وصاحب حزب «إلى الأمام» إيمانويل ماكرون إلى ما وصل إليه، بعد أن أعلن من على ظهر «بساط الريح» الذي أقلّه، بأنه آت من خارج كل الأحزاب ومن خارج كل الإيديولوجيات من أقصاها إلى أقصاها، وفي النصف الآخر من اللوحة يتبدى رفض فرنسي صارخ لكل ما تأتي به رياح الخارج وخصوصاً منها «الأمركة» أو «العولمة» كما يطلق عليها تهذيباً أو مسايرة لمشاعر الآخرين، واللافت أن الشارع الفرنسي من أقصاه إلى أقصاه يلتقي عند هذه النقطة الأخيرة، رفض العولمة، وإن كان ينقسم على نفسه فيما يخص العلاقة مع أشقائه الأوروبيين، ففي الوقت الذي ترى أغلبية ماكرون وجوب ديمومتها واستمرارها، فإن أقلية رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني ماري لوبان، ترى بضرورة قطعها تماماً.
تقول نتائج الاستطلاعات بأن ماكرون سيحقق فوزاً كاسحاً على لوبان في الجولة الثانية والحاسمة، إلا أن الانتخابات الأميركية الأخيرة (تشرين الثاني 2016) كانت قد أنتجت حقيقة دامغة هي أن نتائج الاستطلاعات ليست مقدسة، أو كأن آلياتها المعتمدة قد هرمت ولم تعد تعطي الغايات المرجوة منها، لذا فإن الأمر سيبقى رهين صناديق الاقتراع، وإن كان ماكرون يحظى بفرص عديدة زائدة على منافسته منها: دعم الحزبين التاريخيين له، وكذلك دعم الأغلبية الكبرى للشارع الفرنسي الذي لطالما اعتاد الخوف من وصول اليسار، أو اليمين، المتطرف إلى سدة السلطة في البلاد إيماناً منه بأن من شأن ذلك الوصول إلى أن يهدد الجمهورية والكيان الفرنسيين.
وإذا ما سارت الأمور باتجاه التوقعات، فإن من شأن فوز ماكرون أن يؤدي إلى تبلور محور باريس برلين بالضرورة، والذي لطالما شكل في العديد من المراحل، مركز ثقل داعماً وحامياً للقارة العجوز وخصوصاً بعدما أعطت برلين «نعم» صريحة للوحدة الأوروبية في آذار الماضي، ومن شأن ذلك السد الذي تحاول «الفأرة» البريطانية ثقبه أن يمنح عقد الاتحاد الأوروبي فرصة أخرى للتجديد والبقاء، وإن كانت تلك الفرصة قصيرة كما يبدو أو أن عمرها سيبقى رهيناً للتطورات.