تركيا نحو المجهول.. بقلم: محمود الريماوي

تركيا نحو المجهول.. بقلم: محمود الريماوي

تحليل وآراء

الاثنين، ١٧ أبريل ٢٠١٧

أياً كانت نتيجة الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية الذي جرى أمس في تركيا، فلا شك أن أشياء سوف تتغير في ذلك البلد تبعاً لهذا التطور. فالتعديلات المقترحة التي حظيت بموافقة البرلمان الذي يتمتع فيه حزب العدالة والتنمية الحاكم بالأغلبية، تنقل البلاد من نظام سياسي إلى آخر، من نظام برلماني إلى آخر رئاسي، يتمتع فيه الرئيس بصلاحيات تفوق ما هو معمول به في الولايات المتحدة وفرنسا.
يحق لرئيس الجمهورية بموجب التعديلات تعيين الوزراء وإقالتهم، وهي المهمة التي كان يتولاها رئيس الوزراء بالتوافق مع البرلمان. تلغي التعديلات منصب رئيس الوزراء المنتخب، وتحصر التعيين والإقالة بالرئيس، بما يثير التساؤل حول الدور الباقي لممثلي الشعب في اختيار أعضاء السلطة التنفيذية وحجب الثقة عنهم.
سيجري العمل بهذه التعديلات ابتداء من العام 2019. وعندها سوف يحق للرئيس الترشح لولايتين مدة كل منهما خمس سنوات، وفحوى ذلك أنه سيكون بوسع الرئيس الحالي البقاء حتى العام 2029. بل هناك من يرى أنه في حال إجراء انتخابات نيابية قبل موعدها فسيحق له الترشح لولاية ثالثة تنتهي في العام 2034، ومع استذكار أن الرئيس رجب طيب أردوغان هو في الحكم منذ العام 2003، فمعنى ذلك أن التعديلات قد تتيح له الاستمرار على رأس السلطات ل 31 عاماً !.
كان من أسباب صعود حزب العدالة وأردوغان شخصياً، محافظة الحزب ورئيسه على آليات الحياة الديمقراطية في البلاد، وهو ما يفسر الموقف الشعبي الرافض للانقلاب، وما يفسر قبل ذلك القبول الشعبي بتقليص سلطة المؤسسة العسكرية، فإذا ما تم التراجع عن الفصل بين السلطات وحصرها بيد الرئاسة، فمعنى ذلك العودة إلى الوراء وإن بصيغة جديدة. وحيث يمنح الرئيس حق تعيين القضاة وإقالتهم، وكذلك حق تعيين نائب أو نواب له، علاوة على الإشراف على المؤسسة العسكرية.
وتشير التعديلات إلى توسيع صلاحيات مجلس الرقابة الذي يتبع الرئاسة والمنوط به متابعة النقابات ومنظمات المجتمع المدني غير الربحية والغرف التجارية والأندية الرياضية، بما قد يقود إلى تشديد الرقابة على هذه المؤسسات المدنية وما شاكلها.
كان بالإمكان إجراء تعديلات بالتوافق مع أحزاب المعارضة وممثلي المجتمع السياسي والمدني، لا تمس صلاحيات البرلمان وتضمن استقلال سلطة القضاء، وكذلك حرية التعبير والاجتماعات العامة، وتمنح صلاحيات واضحة وذات شأن لرئيس الجمهورية، بما يؤدي إلى الجمع بين ميزات النظامين الرئاسي والبرلماني كما هو معمول به في فرنسا، وذلك في ضوء السلطات الرمزية التي يتمتع بها رئيس الجمهورية حالياً، غير أن التعديلات تذهب في اتجاه آخر، يقلص من صلاحيات السلطة التشريعية، ويضع الجسم القضائي ضمن مسؤولية الرئاسة وصلاحياتها.
من الممكن أن تحظى التعديلات بالقبول بالنظر إلى أن نسبة غير هيّنة من الجمهور لا تدقق كثيراً في تفاصيل التعديلات، وفي انعكاسها على مصير النظام السياسي الذي أرساه كمال أتاتورك قبل 88 عاماً، غير أن المجتمع السياسي والمدني والحزبي والنقابي المفعم بالإيمان بالخيار الديمقراطي، وبقيم الحياة السياسية الليبرالية، لن يرتضي العودة ببلاد الأناضول إلى الوراء، وبحيث يحل حكم سلطوي مدني محل حكم سلطوي عسكري، وهو ما سبق أن عانته البلاد خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي. وفي حال تم رفض التعديلات فإن حالة من التوتر وعدم اليقين سوف تسود مستويات عليا من الحكم وكذلك في أوساط حزب العدالة والتنمية، فيما ستتخذ أحزاب المعارضة من هذه النتيجة إن وقعت، ذخيرة سياسية وأيديولوجية لتصعيد معارضتها، علماً أن حزباً واحداً يؤيد التعديلات هو الحزب القومي الذي يحتل الترتيب الرابع بين أحزاب البرلمان.
هكذا وأياً كانت نتيجة الاستفتاء بقبول التعديلات أو رفضها، فإن ثمة محاذير جدية من دخول البلاد حالة من اللااستقرار السياسي، والتوترات الاجتماعية والانقسام السياسي العميق. ومع الأخذ بعين النظر التوترات الداخلية مع الأكراد، وخارجياً مع دول الاتحاد الأوروبي، والتوترات التي يشهدها الإقليم والتي تنعكس على تركيا، فإن هناك خشية من الاندفاع نحو وضع داخلي غامض أو مجهول، عنوانه تضييق الهامش الديمقراطي بنسبة كبيرة، وتقليص فرص المشاركة في صوغ السياسات العامة، ووقف الفصل بين السلطات، وقد كانت البلاد في غنى عن الدخول في هذه الانعطافة الحادة، لو أن الأمور جرت ابتداء ضمن سياق من التوافقات الوطنية الكبرى، وبالتمسك بآليات الحياة الديمقراطية المعهودة التي تحتاج إلى الالتزام بمقتضاها، ولا تحتاج إلى إعادة اختراع!.