شبيك لبيك ترامب بين إيديك.. بقلم: المهندس : ميشيل كلاغاصي

شبيك لبيك ترامب بين إيديك.. بقلم: المهندس : ميشيل كلاغاصي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١١ أبريل ٢٠١٧

لأنهم مخفيون ولا يظهرون , ويقودون اّلة الشرّ الكبير , ولأنهم متحكمون ومتمرسون و"مبدعون", أقنعوا من حولهم ومن صَدقّهم بأنهم ديمقراطيون وجمهوريون , وأنهم يختلفون وساستهم ينجحون ويصيبون , ومنهم من يفشلون ويخطئون فيتحملون النتيجة و ككبش فداءٍ يرحلون ! .. فمن يُفرّق بين نيكسون وفورد , وبين جورج وجونيور بوش, وأوباما و ترامب ؟ دائما ً هي قيادة مرحلة و مهمةً خاصة يُكلف فيها هذا أو ذاك ممن يدعونه رئيسا ً , ولنكن صبورين فالبعض يرى فروقاتهم ما بين السيء والأسوأ , والبعض يقرأ تباينا ً إيديولوجياً في تعاملهم مع بعض القضايا , وبعض المصالح الشخصية و مصالح الداعمين من أصحاب رؤوس الأموال والشركات الضخمة ومنتجي السلاح , فيما يبقى جوهر السياسة واحد و يسير وفق مخططٍ واحد , ولا يعدو الرئيس وأركان إدارته سوى أدوات طائعة مطيعة للأشباح والمخفيون اللذين لا يظهرون , وكي لا يُكشفون يُسمون ب "الدولة العميقة"..
هل سبق وأن فكرت في تتبع المصطلح , وهل هي دولة داخل الدولة أم هي الدولة نفسها ؟ , وجرّبت أن تبحث عمن تكون شخوصهم و رموزهم وقادتهم؟ .. وللتشجيع نسأل , هل قصف هيروشيما و ناكازاكي لأنه ترومان ؟ وغزا العراق لأنه بوش , وانسحب منها واتجه نحو سوريا لأنه أوباما ؟ , وجاء من يتابع السيرة والحكاية لأنه ترامب؟...أسئلةٌ برسم العقل العربي , ليرى ما وراء الستار , بعدما أصبح الأمر في متناول الجميع , وبعدما كشف المخفيون عن أنفسهم , وما زال بعضنا  يرفض أن يراهم !.
فالدولة العميقة بشكل عام , تعبرعن شكل العلاقات بين مؤسسات الدولة المختلفة , والتي ينتج عنها خريطة التفاعلات التي تؤثر على صناعة واتخاذ القرار السياسي والسيادي في أي دولة , وهي شبكة معقدة من العلاقات التي تتغلغل في كل مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية والإجتماعية ....إلخ, وتشمل إعلاميين وبرلمانيين وسياسيين وعسكريين وأمنيين ورجال أعمال وأصحاب الثروات , وتربط مصالح القائمين عليها بإخضاع المصلحة العامة للدولة بهدف المحافظة على امتيازاتهم.
أما الدولة الأمريكية "العميقة" فقد بدأت بتوقيع الرئيس ترومان سنة 1947 قانون الأمن الوطني والذي تأسست بموجبه وكالة الاستخبارات المركزية، ووكالة الأمن القومي، ومعظم الأجهزة الأخرى  كوكالة الاستخبارات الدفاعية ، ومكتب المارينز للمخابرات العسكرية ومكتب الاستخبارات البحرية , وغيرها., والتي سعت تحت عنوان الحفاظ على المصالح الاقتصادية والأمن القومي الأمريكي إلى بسط نفوذها وسيطرتها داخل الولايات المتحدة وخارجها , بالتوازي مع سيطرة الحركة الصهيونية و مؤسساتها على كافة مفاصل الحياة في أمريكا و إعلانها (الدولة - القاعدة) للإنطلاق حول مشروع السيطرة على العالم , بعد أن وضعت كافة رموز غطرستها و دلالاتها علانية , ولم تتوان عن تثبيتها على عملتها الورقية , واستباحت أمريكا بالكامل .
فقد قامت الحركة الصهيونية بإنشاء المؤسسة الإسرائيلية حول العالم, والتي يقزّمها البعض بإطلاقهم عليها تسمية " اللوبي ", وضمت "المؤسسة" عدداً كبيراً من المنظمات والجمعيات والإتحادات و مراكز الأبحاث وغيرها , فبعضها يهودي صهيوني" كالمؤتمر الصهيوني العالمي", وبعضها يهودي لا يعلن عن صهيونيته كمؤسسة " أبناء الميثاق", وهناك التجمعات المسيحية المتصهينة كالمحافظين الجدد, والتجمعات الإسلاموية المتصهينة وعلى رأسها حكام اّل سعود وغالبية حكام الخليج العربي , وإذ تبدي كافة مكونات المؤسسة الإسرائيلية ولائها المطلق "لإسرائيل" بغية تحقيق الأهداف الصهيونية على مساحة العالم , فقد إرتبط معظمها بما يسمى" مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى" الذي يضم أكثر من خمسون منظمة يهودية أو صهيونية أمريكية.
فعلى سبيل المثال , وفي عام 1985 تم تأسيس " معهد واشنطن للسياسة في الشرق الأوسط" , الذي أوكلت إليه مهمة صياغة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط , فدأب المعهد على تقديم أوراق عملٍ كل أربع سنوات , تُقدم للرئيس الأمريكي الجديد مع بدء ولايته , بهدف تقوية العلاقة الإستراتيجية و العسكرية الأمريكية – الإسرائيلية , وتؤكد استمرار العمل على استنزاف الفلسطنيين والتحريض ضد العراق و سورية , دون أن ننسى استصدارها " قانون محاسبة سورية " , ومن اللافت ذكره أن 6 من الموقعين على الدراسة الأولى استلموا مناصب عليا في إدارة بوش , و 11 مسؤول رفيع في إدارة بيل كلينتون من بينهم مادلين أولبرايت , فيما ضمت الثالثة جوزف ليبرمان المرشح الرئاسي لعام 2000 , و شهدت الإدارات اللاحقة وجود بول ولفويتز كنائب لوزير الدفاع وجيمس روش وزير الطيران الحربي في حكومة بوش الإبن , وعديد المستشارين ممن يدعون بصقور اليمين المتطرف ك ريتشارد بيرل و زعيف شيف وهي شخصيات لطالما كانت فاعلة في رسم السياسة الأمريكية , وما ينطبق عليها ينسحب على غالبية حكومات الدول الأوروبية.
أما في عهد الرئيس جورج بوش , فقد تم تشكيل وزارة للأمن الوطني , وفي ظل أحداث أيلول الشهيرة , استصدر  المعهد المذكور وثيقةُ تحت عنوان "استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية", استعملتها إدارة بوش لزيادة الضغط على السوريين والعرب عموماً حول العالم .. فقد اجتهدت الوثيقة على إظهار رفقة السلاح والعقيدة بين المؤسسة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية, وجاءت بلغةٍ تعتمد النزعة العنصرية الفوقية المغلّفة بهالةٍ دينيةٍ تحفظ "حق إسرائيل" في موارد العالم وتضعها فوق القانون الدولي, وتظهرها كقوة خيرٍ في مواجهة "محور الشرّ" , ما سمح لها بإنتاج النسخ الإسلاموية المتطرفة ,والتي انبثقت عنها كافة التنظيمات الإرهابية بدءاً من تنظيم القاعدة وصولا ً إلى تنظيم الدولة "داعش", وجبهة النصرة و كافة الأذرع والأشكال الإرهابية , التي إعتمدتها واشنطن في قيادة الحرب على سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان و مصر, والتي ستتابع مهامها نحو كافة الدول الداعمة للإرهاب كتركيا و الأردن , وكافة دول الخليج العربي , على الرغم من تقديمها كل الدعم و المال والسلاح و الإرهابيين.
واليوم وبعد أكثر من ست سنوات للعدوان الصهيو- أمريكي – الإرهابي على سورية , وبعد أن فشلت إدارة الرئيس أوباما في تحقيق أهدافها , أنتجت "الدولة العميقة" نسختها الجديدة , في شخص الرئيس دونالد ترامب , الذي حاول تخطي الأبواب الموصدة والهزائم السياسية والعسكرية حتى على مستوى السمعة والهيبة الأمريكية , عبر سلوك شخصي قلب كافة الموازين, ونسف التعهدات, وانقلب على الشركاء قبل الأعداء , فأتى كشخصٍ نرجسي , عديم الخبرة , بكامل العنجهية والغطرسة , مصطحبا ً معه خبرة التاجر و رجل الصفقات , وحمّل سلفه مسؤولية صناعة "داعش" , وغزو العراق , وإعتبر التخلص من الرئيس صدام حسين بلا فائدة , و رحيل الرئيس بشار الأسد جنون , ورأى فيه قائدا ً يحارب "داعش", وأبدى ميلا ً نحو الدولة الروسية , وتحدث عن أمريكا أولا ً ووعد ناخبيه وشعبه بملفات الصحة وغيرها , أقال بسرعة قياسية بعض فريقه , وليس اّخرهم عقله المفكر في إدارة الأمن القومي "ستيف بانون", واصطدم مع صهره كوشنر , ووزير الدفاع , ومستشاريه للأمن الداخل و الإقتصاد , وتحول إلى نسخة مشابهة ومطابقة لأوباما .. وسرعان ما غادر مقعد أوباما الخلفي واتجه نحو القيادة المباشرة , فأيد تركيا في عدوانها مع تغيير التسمية من مناطق اّمنة إلى مناطق مستقرة , واحتار بين دعم أردوغان وأرجحية دعمه للأكراد , ووعد السعودية بالبقاء والحماية , والأردن بالفتاء عبر مهام خاصة , تفترض تهيئة ملك الأردن الأرضية لجلوس العرب ورئيس وزراء الكيان الغاصب على طاولةٍ واحدة يُعلن فيها التطبيع الكامل, والبيع الكامل للقضية الفلسطينية , بما يضمن نقل بنادقهم الصدأة وعدائهم من صدر الصهيونية نحو صدر إيران , فعظّم من شأن مليكه وقال له "أنت محارب عظيم" .
حلم ترامب بقيادة العالم, وقدم نفسه كرجل المهام الصعبة , تصدر المشاكل وأعاد طرح الحلول كأوامر ترامبية , وعلى العالم الإنصياع , فقد حسب نفسه كمارد القمقم , وكل ما عليك أن تدفع له و تقول شبيك لبيك لترى ترامب بين يديك , سعى لتحقيق ذاته وإثبات رجولته , فهدد كوريا وإيران , وأسرع لإعتماد مسرحية كيماوي خان شيخون المفبركة , و استبق التحقيق, ووجه ضربةً إرهابية للدولة السويدية " المسالمة" , إذ كشف تقرير أطبائها زيف المسرحية , واللذين انتظروا في الإعلام حدوثها في موعدها المسرحي , وأطلق صواريخ المال الخليجي على قاعدة الشعيرات الجوية السورية , وأطلق فم وزير خارجيته ليتشدق حول مصير الرئيس الأسد , ويرسم علاقته بالروس والإيرانيون وبالمقاومة , هي ذاتها مطالب سابقيه , والتي أتت على لسان كولن باول ذاك الكذاب الشهير , والتي رفضها الرئيس الأسد , وكانت وراء إنسحاب واشنطن من العراق , لتضمن صناعة داعش و تصديرها إلى سوريا , بعدما قررت مهاجمتها بالأدوات الإرهابية .
نأسف لمن يعتقد أن ترامب اصطدم مع الدولة العميقة , أو لمن يصدق أنه غيّر مواقفه من سوريا و الرئيس الاسد لمدة خمس دقائق أطلق فيها صواريخ جنونه , دون حساب العواقب , وتراه يمهد للتراجع عبر إرسال وزير خارجيته إلى موسكو, وسيبقى التاريخ شاهدا ً على الهزائم الأمريكية السياسية و العسكرية , في لبنان عام 1983 وتفجير مبنى المارينز , وإسقاط الطائرات الأمريكية في جبل لبنان , ناهيك عن قصف المقاومة اللبنانية بارجة العدوان الصهيوني في حرب تموز الشهيرة , وإسقاط الطائرة التركية , ولن يكون اّخرها إسقاط الطائرة الإسرائيلية مؤخرا ً في سوريا وهروب باقي السرب.
هناك شيء تغير سيد ترامب , فالقمقم الذي أدخلت نفسك فيه , سيكون حبسك وللأبد , ولك في توخي الحذر عبرة لك و لدولتك العميقة.