عن العدوان الأميركي والمواجهة الشاملة: كن مقاوماً حتى أراك

عن العدوان الأميركي والمواجهة الشاملة: كن مقاوماً حتى أراك

تحليل وآراء

السبت، ٨ أبريل ٢٠١٧

فرنسا – فراس عزيز ديب

«تكلم حتى أرَاك»، عبارةٌ تنسب إلى الفيلسوف «أرسطو»، عبارةٌ لا تعني فقط قيمةَ الكلمة عندما تأتي لتعبِّر عن مضمونِ المتكلِّم، لكنها تأتي لتعبِّر عن رُقي المتلَقي الذي يعرف قيمةَ الكلمة، في هذا العالم المجنون الذي بات عنوانه العريض، «أغبياءَ يحكمُهم حمقى».
لو أردنا أن نسترشد من عبارة «أرسطو» لقلنا: ادفع أيها الأَمير حتى أراك، قف ياوريثَ «وادي عربة» على المنصةِ الخاصة بكَ حتى أراك، اقتل أيها الإرهابي واقطع الرؤوس وتاجر بجثث الأبرياء حتى نراك، إنها دراما شريعة الغاب التي تجعلنا يوماً نصفق لعبارةٍ أطلقت في القرن الماضي مفادها: «السياسة بلا أخلاق» لأنها تبدو تجاهَ ما يحصل، حديثاً مقدساً.
تعلمنا أن دور الكاتب السياسي هو تبسيط الأحداث السياسية، أو إجراء تقاطعاتٍ بين المواقف والتصريحات السياسية للوصولِ نحو ما ينتظرنا، لكن ومنذ مسرحية خان شيخون وماتلاها من هجمةٍ إعلاميةٍ تستهدف سورية، وصولاً للحماقةِ التي ارتكبها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقصف مطار الشعيرات بالصواريخ، يكاد الكاتب السياسي يشعر بنفسهِ عاطلاً عن العمل؛ وبمعنى آخر: الحكاية تشرح نفسها، والمتابع عرف الحبكة منذ الصورة الأولى التي بثتها القنوات المعادية للأطفال السوريين في خان شيخون، الأمر كان مشابهاً لإعادة إنتاج مسلسلٍ درامي قديم لاقى نجاحاً بأسلوب حديث، لكن هذا الوضوح لا يمنعنا من الاعتراف بأن هناك لغزاً ما حدث، فالقضية لا تبدو قضية إفراطٍ بالتفاؤل بمواقف ترامب من عدمهِ، وإنما القضية بالأساس كانت تعتمد على تصريحاتٍ ومواقف، أي إن التفاؤل كان له أساس تم الانقلاب عليه، ولم يكن مجرد استقراء، وهو ما يجب أن تتم دراستهُ بشكل متأنٍ، فما الذي جعل «ترامب» ينقلب بهذه السرعة، مع العلم أنهم كانوا متأكدين أن قراراً من مجلس الأمن لن يمر؟
قبل أسبوعين تساءلنا أي الإرادتين ستنتصر في الولايات المتحدة حول آلية التعاطي مع الحرب على سورية، إرادة البيت الأبيض، أم «الدولة العميقة» التي يشكِّل البنتاغون وجهها الخارجي، بل ذهبنا أبعد من ذلك للقول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال زيارتهِ الأخيرة لواشنطن نجح بالوصول لصيغةٍ مشتركة بين الجانبين: إعادة تحجيم الجماعات الإرهابية لأنها خرجت حتى عن سيطرة مشغليها، واستمرار ضرب نقاط القوة لدى الجيش العربي السوري لأن نتيجته المنطقية ستكون تقسيم سورية وإضعاف القيادة السورية.
منذ الغارة التي شنها الطيران الأميركي على مواقع عسكريةٍ سورية قرب دير الزور في نهاية حقبة أوباما، ومحور العدوان على سورية يركز على المناطق العسكرية والأمنية الموجودة في حمص وريفها وصولاً للبادية المتصلة بدير الزور، وهذا الأمر بدأ مع التفجيرات الإرهابية لمقرين أمنيين في حمص وصولاً للغارة الإسرائيلية التي تلاها رد سوري قاس، وصولاً لقصف مطار الشعيرات.
يريدون بأي حالٍ من الأحوال إعادة «داعش» للسيطرة على تدمر، ومنع تقدم الجيش العربي السوري باتجاه دير الزور، تحديداً مع إعلان الجيش العراقي قرب إحكام سيطرته الكاملة على الحدود مع سورية، وهو ما يشكل ضرباً لمشروع الكانتونات الطائفية والعرقية الذي يجهزون له بعد ما يسمونه «تحرير» الرقة.
هذا في الشكل أما في المضمون فإن «إسرائيل» لا تزال تبحث عما هو أهم، هذا يعود بنا لتصريحاتِ وزير الحرب أفيغادور ليبرمان بأن تكرار الرد السوري على المقاتلات الصهيونية ستكون عواقبه وخيمة.
منطقياً ما كانوا ليخرجوا بتصريح كهذا لو لم يكن الردَّ أوجَعهم، القصة ليست مجرد إسقاط لطائرة، الأهم بالنسبةِ لهم هي الوسيلة التي تم بها الإسقاط لأنهم يدركون أن أياً من الأسلحة الروسية التي وصلت سورية حديثاً لم يتم استخدامها.
هنا سقطت أسطورة التفوق الجوي الإسرائيلي، لكنهم وخلال البحث عن مصادر القوة السورية بدا لهم وكأن تفوقاً من نوعٍ آخر بدأ يفرِض نفسهُ تحديداً بين مقاربةِ عدد الصواريخ التي اعترفت الولايات المتحدة بإطلاقها وما وصل منها.
القضية ليست تلاعباً أميركياً بالعدد لأن هناك طرفاً خليجياً سيدفع الفاتورة، القضية أعمق من ذلك بكثير أدركها الأميركي جيداً وأدركها الروسي عندما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين أنه يجب رفع قدرات الدفاعات الجوية السورية، وبمعنى آخر: حتى الصواريخ التي وصلت لن يقدر لها الوصول مرة ثانية.
هو زمن المفاجآت الذي ظن «الإسرائيلي» أنه ارتاح منها عندما دمّر «ثواره» بعض منظومات الدفاع الجوي، واليوم تأتيهِ نصف مفاجأة عبر عمليةٍ أوكل بها الأميركي لأنه يدرك صعوبةَ تكرار المغامرة، فهل سيفعلها الأميركي مجدداً؟
لا يمكن في هذه الحياة النظر لكل ما هو سلبي على أنه سلبي بالمطلق، كذلك الأمر بما يتعلق بالإيجابيات، وبمعنى آخر؛ فإن أحد أسرار النجاح في أي معركة أن تحاول اقتلاع الإيجابيات من جذوع السلبيات، تلك الإيجابيات تكون أثمنَ بكثيرٍ من شجرة إيجابيات فعندها سيصبح الأمر روتينياً.
في عالمٍ مجنون يخرج فيه ما يسمى «إمام الحرم» بخطبةٍ عصماء يعطينا فيها معلومة مهمة بأن المملكة العربية السعودية هي مهد الإسلام، وكأنه يريد إخبارنا بأن بعض الصحابة كانوا يحملون جنسية «آل سعود» حسبَ نفاقه، يصبح تورط الولايات المتحدة ومعها كل أتباعها بدماء الأبرياء من جهةٍ وادعائها لحملِ القيم الإنسانية من جهةٍ ثانية أمراً طبيعياً.
في الغارة على مطار الشعيرات وما سبقه من رفضٍ بريطاني وفرنسي لتشكيلِ لجنةِ تحقيقٍ مستقلة حول ما جرى في خان شيخون، ليس الرهان على القانون الدولي فقط هو من سقط، بل الرهان على أن الإدارة الأميركية ستعدِّل في آليات تعاطيها مع القانون الدولي من جهةٍ ومع الدول التي لا تدور في فلكها من جهةٍ ثانية سقطَ أيضاً.
إدارة كهذه ستحاول المزج بين أسلوب «الجمهوريين» في التدخل المباشر و«الديمقراطيين» في الحرب الناعمة، للوصول نحو إستراتيجيةٍ للتعاطي مع الحرب على سورية تضمن الأهداف التي وضعتها، حتى ما يُحكى عن إعلام الروس بالغارة الأميركية كلامٌ ليس له أي مستند، أما تبرير القضية بأن ترامب بحاجةٍ ليقول لمعارضيه في الداخل «أنا هنا»، فهو بذات السياق هرطقة إعلامية، إذاً لماذا لا يقول «أنا هنا» بإيقاف الحرب على اليمن أو معاقبة المتورطين بقتل المدنيين بغارات التحالف في الرقة والموصل، لماذا لا يستطيع القول «أنا هنا» إلا عبر الحروب؟! حتى لو تطلّب الأمر صداماً مع «البنتاغون»؛ على الأقل كان سيضع الشعب الأميركي أمام مسؤولياته.
النقطة الثانية، أن هذه الغارة حررت القيادة السورية من أي التزاماتٍ بما قد يكون تم الاتفاق عليه بشكلٍ «غير مباشر» مع إدارة ترامب، والأمر ينسحب على الروس أيضاً، ولكي تكون المقاربة واضحة لنتذكر ما قاله الرئيس بشار الأسد في الأسبوع الماضي لأحد الصحفيين عندما سألهُ عن سبب محاورة الجماعات الإرهابية مع أنهم بالنهاية إرهابيون، كان جواب الرئيس الأسد واضحاً بأننا نحاورهم لأن هناك من لا يريد أن يقتنع بأنهم ليسوا أهلاً للحوار.
للأمانة فإن القيادة السورية نجحت بشكلٍ كبير بإثبات وجهة النظر تلك للرأي العام العالمي، بعيداً عن الحكومات؛ لكننا سنستمد من الفكرة لنقول: هل أن ما بعد الغارة ستجعل الصورة لمن عندهم «ذرة» أمل بأن الأميركيين ليسوا إلا صورة مكبرة عن «إرهابييهم»؟!
النقطة الأخيرة أن أوباما بقي لسنواتٍ وهو يهدد بما يمكننا تسميته «عقاب دمشق» عسكرياً، أما ترامب فقد أفرغ جرابه حتى قبل انتهاء الـ100 يوم الأولى من ولايته، هذا الأمر سيريح السوريين وحلفاءهم بما فيه استمرار اشتعال الجبهات على رؤوس الإرهابيين وداعميهم، فماذا ينتظرنا؟
أميركياً، بات واضحاً أن خيار «البنتاغون» انتصر، ليس أدل على ذلك من زحف قطعان المستعربين نحو تأييد الضربة الأميركية لسورية؛ لكن على المستوى الشعبي والرسمي حتى في بعض الدول التي بدت محايدة، فإن ما جرى كشف الكثير من الحقائق أهمها أن كذبة الإرهاب هي وسيلة لمعاقبة الخارجين من بيت الطاعة، ومن لا يصدق فليسأل السويديين لماذا في هذا التوقيت ضربهم الإرهاب.
الانتصار على الإرهاب هو الأساس، والغرب لا يمكن له أن يكون أخلاقياً إلا بالدرجة التي يصبح فيها حكام «آل سعود» ديمقراطيين، حتى لو كان الثمن ارتفاع أسهم المواجهة الشاملة؛ فليس من ثمنٍ أغلى من الذي يُدفع بالتقسيط، عندها سنستغني عن قيمة الكلمة في مقولة «أرسطو» لنقول:
كن مقاوماً حتى أراك.
هل هناك أجمل من صورة المندوب البوليفي وهو يرفع صورة وزير الدفاع الأميركي الأسبق كولن باول مذكراً العالم بأكاذيب الأميركيين.
واهمٌ من يظن بأن المقاومة لها دين أو عرق، المقاومة فقط أن تمتلك ذاتك، ولأننا ومن معنا نمتلك ذاتنا ننتظر أن تكون المواجهة شاملة.
الوطن