أبعاد الاعتداء على مطار الشعيرات.. بقلم: عقيل سعيد محفوض

أبعاد الاعتداء على مطار الشعيرات.. بقلم: عقيل سعيد محفوض

تحليل وآراء

الجمعة، ٧ أبريل ٢٠١٧

العدوان الأميركي على مطار الشعيرات جنوب شرق حمص يشبه تخريجات فقهاء السلاطين، فهو "يفي بالغرض" إذا كان المقصود منه مجرد الاستجابة لحادثة "خان شيخون"، وطالما أن واشنطن قررت سلفاً -ومن دون أي تحقيق- من هو الفاعل، فقد كان من المتوقع أن يكون للاتهام ما بعده، إما الضغط باتجاه صفقة على غرار نزع السلاح الكيماوي بعد حادثة الغوطة بريف دمشق (آب/أغسطس 2013)، أو القيام بإجراءات عسكرية مباشرة ولكن محدودة بحكم تعقيد المشهد وخطورة التورط في مواجهات مفتوحة.
لكن الاعتداء الأميركي على سوريا ليس جديداً، فقد كانت اعتداءات جبل الثردة قرب مطار دير الزور في أيلول/سبتمبر الماضي أكثر تأثيراً بالمعنى العسكري، كما أن دعم الجماعات المسلحة وإمدادها بالمال والسلاح وإدارة عملياتها، وخلق بيئة إقليمية ودولية مناسبة لها، وإقامة قواعد عسكرية في أكثر من منطقة، هي جزء من تورط أميركي وأطلسي طويل ومستمر في سوريا، لكن الجديد في الاعتدء على مطار الشعيرات هو "مَسْرَحَتةُ" وليس حجمه أو طبيعته العسكرية، هنا يكمن مصدر التهديد الرئيس في المشهد السوري.
الاعتداء الأميركي له بعدان رئيسان، الأول أنه عملٌ كاشفٌ عن طبيعة صنع القرار في إدارة ترامب، وكيف أن "الدولة العميقة" قوية وفاعلة، وأن ترامب لا يزال يعبر عن تقديرات وانطباعات أكثر منه قناعات وأولويات سياسية قارَّة وعميقة، ومن ثم فإن بيروقراطية صنع القرار الأمني والسياسي لها وزن نسبي كبير نسبياً مقارنة بما كان الحال أيام أوباما. والثاني بعد تفسيري، أي أن الاعتداء يضع تصريحات المسؤولين الأميركيين قبل أيام عدّة حول الرئيس الأسد في سياقها الحقيقي، وتبين أنها مجرد "لوازم" تعبيرية و"استعارات" لفظية، وثمة من فهمها تضليلاً أو تمهيداً لتغير "درامي" في الموقف، ولم تدل على تغيرٍ جدي في أولويات ترامب تجاه الأزمة السورية.
الاعتداء بهذا المعنى هو رسالة متعددة الاتجاهات، والمعنى العميق له هو أن ترامب يريد أن يجعل "أميركا قوية" وأداته في ذلك هي الـ"توما هوك"، وأنه لا شُبهة في دعم بوتين له في خلال العملية الانتخابية، وأن لديه الإرادة والحزم الكافيين لطمأنة حلفائه، ولتأكيد صورته ووعوده للناخبين، والأهم هو استجابته لهواجس وتقديرات إسرائيل بشأن دور إيران وحزب الله في سوريا.
من الواضح أن حادثة خان شيخون تم الإعداد لها، من أجل القطع مع الغموض والتردد السابق، والتهيئة لسياسات لاحقة، لكن السؤال: هل كان ترامب يضلّل الجمهور عندما قال قبل يومين من الحادثة على لسان مسؤولين في البيت الأبيض ووزير الخارجية والسفيرة الأميركية في الأمم المتحدة؛ أنه غير معني بأمر الرئيس بشار الأسد وهذا الأمر يعود تقريره للشعب السوري؟ التقدير القريب من اليقين هو نعم، وقد أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن قرار واشنطن بالاعتداء على سوريا تم قبل حادثة خان شيخون التي اتخذت ذريعة. وهذا يعني أن الحادثة المذكورة هي لتبرير الاعتداء وتظهير التحول في الموقف.
تفصح ردود الفعل التركية، بدءا من تصريحات أردوغان إلى المتحدث باسمه ابراهيم كالن إلى وزير خارجيته مولود أوغلو، عن استهدافات ما بعد الاعتداء، وهي محاولة "تخريج" فكرة ترامب عن المناطق الآمنة، وهذا مطلب تركي دائم، وتسريع الخطا لإقامة "مناطق حظر جوي" في سورية. فيما قالت المعارضة ومعها حلفاؤها ومشغلوها الإقليميون والدوليون ان "ضرب مطار واحد لا يكفي"!
وسوف يعزز الاعتداء الأمل لدى أنقرة بعودة العلاقات بينها وبين واشنطن وبروكسل إلى أكثر لحظاتها حميمية، وقد يعزز من فرص تركيا في المباعدة بين واشنطن وكرد سورية، والمشاركة في عملية إخراج "داعش" من الرقة، واحتواء الكيانية الكردية الناهضة في شمال سورية، وترتيب استراتيجية مشتركة حول مسارات الأزمة السورية. ولو أن العامل الروسي والإيراني لن يكون حيادياً هنا، وعلى أردوغان أن يتوقع إكراهات ثقيلة في هذا الباب.
لكن الاعتداء على الشعيرات لم يقطع شعرة معاوية بين ترامب وبوتين، ولم يصل بين ترامب وحلفاء بلاده في المنطقة، إذ لا تزال الشكوك كبيرة، واللا يقين تجاهه كبيراً أيضاً، كما أن أنقرة والرياض والدوحة ربما أخذت جرعة أمل وتفاؤل، إلا أن إكراهات الموقف لا تزال معقدة وثقيلة، ولدى سوريا حلفاء لن يزيدهم الاعتداء إلا تماسكاً وقوة، بحكم بداهة الصراع ومنطقه، ووعيهم باستهدافاته العميقة، ذلك أن الرسائل وصلت إلى موسكو وطهران وبكين.. والضاحية الجنوبية.