“ديبلوماسية دم”!.. بقلم: خليل حرب

“ديبلوماسية دم”!.. بقلم: خليل حرب

تحليل وآراء

الخميس، ٦ أبريل ٢٠١٧

هنا في خان شيخون، وفي العديد من الهجمات التي أودت بحياة المدنيين بشكل جماعي في الحرب السورية المجنونة ، يقول الهجوم الكيميائي أمرين أساسيين :

أولا ، ان المدنيين يمكن استخدامهم كأداة من أدوات الحرب ، وثانيا ، ان الرهان على الأشلاء لخدمة أهداف سياسية ، صار أداة عبثية يكاد العالم يسلم بها.

لا حاجة للتدقيق في أسماء الضحايا ولا هوياتهم ، ولا كيفية سقوطهم ولا في دوافع الجريمة وأهدافها ومشروعيتها ، اذا كان لها أي مشروعية أخلاقية أو عسكرية . الجريمة تتنافى مع منطق المشهد السائد الان ، بتزعزع حزمة مشاريع الفصائل المسلحة على ألوانها ، ورعاتها الإقليميين، وشعور دمشق بأن الخطاب الغربي تجاهها ما عاد متماسكا ، أقله مقارنة بما كان قبل عامين أو أكثر.

ولهذا ، فان السؤال الجوهري يظل مطروحا : لماذا يقصف الجيش السوري ادلب بقذائف كيميائية في لحظة شعور بالزهو والثقة ؟ هذا السؤال ليس تشكيكا في الجريمة ، وانما تأكيد على بشاعتها والقناعة بضرورة فضح ملابساتها، لعلها تردع تكرار مثيلات لها في سوريا، او غيرها.

ويحق لكثيرين التساؤل عن السبب الذي يدفع دمشق الى “انتحار سياسي” في مناخ عالمي تراه اكثر ملاءمة لها ، ولماذا على أبواب التسويات المتحركة ما بين موسكو وواشنطن واستانة وجنيف وغيرها، يأمر قائد ما بإخراج غاز قاتل ما، من مستودع ما في مكان ما، ليرمى عشوائيا على منطقة مدنية ما.

الخشية الحقيقية ، أن يكون استخدام المدنيين ، والأطفال الذين “روعت” صورهم دونالد ترامب، صار اكثر قبولا في ضمائر العالم المضللة ، وأن الدم السوري، بعد هذه الأعوام الستة المقيتة ، صار رخيصا للدرجة التي يجوز معها للمندوبة الأميركية المتاجرة برفع صور ضحايا سوريين على منبر مجلس الامن الدولي، من دون يقهقه الباقون ممن فشلوا في انتزاع ادانة وحيدة لكل جرائم “روما العصر” الحافلة.

وان السخرية صارت للدرجة التي تجعل تنظيما ك”أحرار الشام” يباشر، ما ان وزعت صور ضحايا ادلب عالميا، على اطلاق حملة تبرعات مالية لرفد ترسانته من “المحسنين”، وان يخرج كثيرون بمن فيهم وليد جنبلاط ليتساءل بالأمس “متى سيقتنع المجتمع الدولي بأن النظام السوري مستمر في الإبادة وان الحل الانتقالي مستحيل!”.

هذا هو جوهر جريمة خان شيخون . قطار التسوية السياسية الممكنة لا يستطيع الإقلاع الأن، وكثيرون لا يرغبون في اقلاعه.

التراجع العسكري التركي في الشمال ، لم يكن تسليما بهزيمة المشروع التركي بالكامل، اذ ما زالت أنقرة تمسك بالعديد من الأوراق، وبينها “ورقة ادلب” والفصائل المسلحة المتعددة الولاء سواء للمشروع “الاخواني” التركي ، أو “التكفيري” المدعوم من أجهزة تركية.

وبهذا المعنى ، فان الفيتو الروسي المحتمل في هذه اللحظة ، هو الذي أدى الى رفع جلسة الامن بالأمس ، وتأكيد موسكو ان القصف لم يكن كيميائيا ،وانما أصاب مخازن أسلحة للفصائل المسلحة.

سبق للأمم المتحدة نفسها ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في العام 2016 ، أن أشارتا في تقرير مشترك الى وجود مادة الكلور في سوريا، سواء في مناطق أرياف شرق حلب التي استحوذت “جبهة النصرة” في آب العام 2012 على مئات الاطنان منها، أو في دير الزور التي سيطرت عليها جماعات مسلحة في بداية العام 2012. أما دمشق نفسها، فقد نالت شهادة التزام من المنظمة الدولية، بتسليم ترسانتها ومخزونها بالكامل.

هذه حقائق ، تجعل من الصعب على محور خصوم دمشق ، بمن فيهم سياسيون وحزبيون ووسائل اعلام أميركية وغربية، إعادة افتعال مسرحية ” أسلحة الدمار الشامل العراقية”.

أما محاولة فهم طبيعة موقف الإدارة الاميركية ، المتناقض أحيانا ، فلن يكون متاحا ما لم نتابع المدى الذي قد يذهب اليه دونالد ترامب في بلورة تصريحه الحاد أمام الملك الأردني .

بأن الهجوم الكيميائي في ادلب، ينتهك الخطوط ، الحمراء غيرها، وهو يغمز منتقدا سلفه باراك أوباما و”الخط الأحمر الكيميائي” الشهير الذي ما أن قدم له الروس وقتها (في العام 2013) سلما، حتى سارع الى النزول عبره عن الشجرة ، التي صعد اليها.

لكن المشهد الأميركي الداخلي أمام دونالد ترامب ليس مطمئنا ، والاستكانة الى سلمية الخيارات الأميركية ليس عملا حكيما.

وقديما قالوا ان “الشك مفتاح كل شيء”.. ولهذا ليس من المستبعد أن يقوم ترامب باندفاعة هوجاء ما ، تتملص قليلا مما يخنقه سياسيا في الداخل ، وتتيح له ادعاء تشجيع طريق التسوية السورية ، ولا يكسر بالتالي ، قواعد اللعبة بالكامل مع موسكو.

التجدد