أردوغان يُطلق «جُنده» لمواجهة الجيش التركي.. إنقسامات واستقالات داخل «العدالة والتنمية»!

أردوغان يُطلق «جُنده» لمواجهة الجيش التركي.. إنقسامات واستقالات داخل «العدالة والتنمية»!

تحليل وآراء

الأربعاء، ٥ أبريل ٢٠١٧

عباس الزين

يقترب الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا من يومه الحاسم، في ظلِّ تطورات كبيرة تشهدها الساحة التركية الداخلية، ان من حيث الاختلاف في وجهات النظر من تلك التعديلات داخل حزب "العدالة والتنمية" الذي ينتمي اليه الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان، او من حيث بروز دور مهم للمعارضة التركية كشفته التعديلات الدستورية، فاتحةً المجال امام خلط الأوراق السياسة داخل تركيا من جديد، بعد ان حاز اردوغان على أغلبية ساحقة خلال الانتخابات الاخيرة. يأتي ذلك، في وقتٍ يسعى اردوغان للسيطرة على المؤسسة العسكرية التركية، لتأتمِر منه بشكلٍ مباشر في أي موقفٍ ممكن ان يتعرض له، عبر تحويله الجيش التركي الى مجموعات خاصة موالية لـ"السلطان" اردوغان بوجه "الجمهورية التركية".

إنقسامات واستقالات داخل حزب "العدالة والتنمية" على خلفية التعديلات الدستورية:
وفي هذا السياق، أشار معهد دراسات "الأمن القومي" الإسرائيلي (INSS)، الى أنّ الاستفتاء لن يحدد مستقبل تركيا فقط، بل سيكون نقطة تحول في مستقبل اردوغان السياسي. وكلّما اقترب موعد التصويت، كلما اتسعت دائرة المعارضة للتعديلات الدستورية حتى وصلت إلى عقر بيت اردوغان السياسي -أي حزب العدالة والتنمية- حيث اعلن نحو 300 عضو في الحزب استقالتهم تعبيرًا عن رفضهم للتعديلات، فيما يبدي كل من الرئيس التركي السابق عبدالله غول، ورئيس الوزراء السابق احمد داوود أوغلو معارضة خجولة، تجلت في عدم تلبيتهما لقاء دعا له رئيس الوزراء الحالي بن علي يلدرم لحشد التأييد للتعديلات.
واتخذت المعارضة للتعديلات الدستورية، أشكالًا وأدوات مختلفة وغير تقليدية، إذ بالاضافة للمواقف والتصريحات المعلنة، يشن "هاكرز" اتراك هجومًا على مواقع حكومية وقاموا باختراقها ونشر كلمة (لا)، في حين تحصل تلك الإختراقات بشكلٍ شبه يومي، فيما اتسمت المعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي بالجرأة رغم القيود التي تفرضها السلطات التركية على وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. وتتباين دوافع الأحزاب والشخصيات المعارضة الاستفتاء، فثمة من يخشى من أن تساهم التعديلات في تحويل تركيا إلى دولة شمولية بعد استحواذ الرئيس على جميع السلطات، فيما يرى آخرون أن الاستفتاء سيقود تركيا إلى زمن الخلافة العثمانية التي لم يبقَ منها في الذاكرة التركية سوى السجون والمعتقلات والاستبداد.

مخاوف من منح الاكراد دورًا أساسيًا في اختيار الرئيس التركي:
في غضون ذلك، تلفت الدراسة الى أن ابرز المخاوف من التعديلات الدستورية تنطلق بدافع قومي، ذلك المتعلق بالدور الذي سيمنحه النظام الرئاسي للأكراد في اختيار الرئيس والذين قد يشكلون حسب مخاوف بعض أنصار التيار القومي بيضة القبان في اختيار الرئيس التركي، وهو الأمر الذي قد يجعل هذا المنصب مرهونًا في المستقبل بتقديم بعض التنازلات السياسية وغيرها لهم، خصوصًا أنّ القوة التصويتية للقومية الكردية في تركيا تبلغ 12% تقريبًا من اجمالي الأصوات، وهي نسبة كانت قريبة مثلًا من إحداث تغيير كبير في موازين الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي فاز بها رجب طيب أردوغان في مواجهة مرشح المعارضة أكمل الدين إحسان أوغلو.

"جُند اردوغان".. خلايا مسلحة تسيطر على المؤسسة العسكرية التركية:
على صعيدٍ متصل، حذر المعهد التابع لجامعة "تل أبيب"، من تصفية المؤسسة العسكرية التركية، واستبدالها بمن أسماهم المعهد بـ"جند أردوغان". وأشار المعهد في الدراسة التي سيتم نشرها بالكامل خلال شهر نيسان الحالي، الى ان أردوغان نجح في إضعاف هيمنة المؤسسة العسكرية على الحياة السياسية في البلاد، من خلال ملاحقة ابرز قيادات الجيش بتهمة التخطيط للانقلاب، وإجراء تعديلات دستورية قيدت من سلطة ونفوذ المؤسسة العسكرية. وشدد خلال الدراسة على أن غولن الذي يتهمه اردوغان بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في الخامس عشر من تموز/يوليو 2016، كان له دور كبير في تثبيت أردوغان على عرش تركيا، وذلك بفضل انصار غولن الذين تم زرعهم في الجيش التركي منذ عقود ليلعبوا دور صمام الأمان، قبل أن يتحول حليف الأمس إلى العدو اللدود الذي يهدد حلم اردوغان بتغيير نظام الحكم البرلماني ليصبح نظامًا رئاسيًا بصلاحية واسعة وحصرية تجعل من الرئيس سلطانًا.
وفي اعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة، اعتلقت السلطات التركية عشرات الآلاف من الجنود، أغلبهم من انصار غولن، كما تم اعتقال عدد كبير من قيادات المؤسسة العسكرية، بما تسبب بخلل كبير في منظومة الجيش وأضعف بنيته التنظيمية والقتالية بصورة كبيرة، ما يمهد الطريق لخلايا جند اردوغان ليحلوا محل الجيش عند أول اختبار حقيقي يظهر فيه ضعف ووهن المؤسسة العريقة. الدراسة أكدت أنّ خلايا اردوغان تنتشر في مناطق جورم، توقات، وميرزفون، حيث تتلقى ميليشيات اردوغان تدريبات عسكرية احترافية. وبرز دور الخلايا العسكرية في الصراع الاخير الذي افتعله الرئيس التركي مع دول أوروبية على خلفية منع تجمعات سياسية للجالية التركية في ألمانيا وهولندا. ولا تستبعد الدراسة بهذا السياق، أن يكون لـ"خلايا اردوغان يد في الاحداث الارهابية التي ضربت فرنسا وبريطانيا، خاصةً أنها تزامنت مع اعلان باريس ولندن تضامنهما مع ألمانيا وهولندا.

عداوة أوروبية وانكفاء أميركي.. أي مصير ينتظر اردوغان:
من جهةٍ اخرى، تصاعدت حدة الخلافات بين أوروبا وتركيا بشكلٍ لافت خلال الاسابيع الماضية، على خلفية الإستفتاء على التعديلات الدستورية، بحيث أنّ الحملة الانتخابية للرئيس التركي رافقتها استفزازت تركية، لا سيما موضوع التجسس على الجاليات التركية في بعض الدول الأوروبية من قبل السلطات التركية، وما تبع ذلك من تصريحات حادة لأردوغان وصف فيها ردة فعل بعض الدول الأوروبية على تصرفاته بـ"النازية"، طارحًا نفسه كقائدٍ اسلامي في وجه ما اعتبره "هجمة صليبية".
الى جانب ذلك، من الواضح أنّ هناك انكفاءً أميركيًا عن دعم الدور التركي في سوريا، من خلال الدعم اللامحدود الذي تقدمه واشنطن لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، ذات الأغلبية الكردية، العدو اللدود لتركيا. وقد انعكس ذلك مؤخرًا بعدم رد الادارة الأميركية، على الخطط التي ارسلتها أنقرة لطرد "داعش" من الرقة، كما جاء على لسان الحكومة التركية، في موازاة الدعم العسكري المستمر للقوات "الكردية" ضد "داعش" في منطقة الرقة، وكأنّ واشنطن لا تريد اي دورٍ تركي مباشر في هذا الشأن، وان حصل، يجب ان يكون في موقع المساندة، لا القيادة ورسم الخطط.

بناءً عليه، وامام تلك التطورات، على الساحتين السورية والاوروبية، تنكشف علاقة انقرة بمحيطها الاقليمي والدولي بشكلٍ واضح، لتؤسس لمرحلة جديدة سيكون فيها اردوغان اكثر ضعفًا، حتى لو مرّت التعديلات الدستورية، بما ان بلدًا كتركيا تعصف به الازمات من كل جانب، لا سيما في سوريا والعراق، لا يُحكم من الداخل، مهما كان نظام حكمه، بل يُحكم من الخارج، بعلاقاته مع محيطه. ومن الواضح ان العلاقة الاميركية التركية المتوترة نوعًا ما، الى جانب العلاقة التركية الاوروبية التي تشهد حربًا دبلوماسية وسياسية، ستنعكس عاجلًا او آجلًا على تركيا، ومهما حاول اردوغان شدّ العصب "الاسلامي" واظهار نفسه بصورة القائد الأوحد للأمة الاسلامية، فإنّ "فتوى" من البيت الابيض، موقَّعة من "مساجد" اوروبا، كفيلة بتحويله الى "كافرٍ مرتد" بنظر من يظن انه مسيطر عليهم، ويتبعون توجيهاته.