الغِياب المدوّي..بقلم: رفعت البدوي

الغِياب المدوّي..بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الأحد، ٢ أبريل ٢٠١٧

لم تكد تنتهي القمة العربية التي انعقدت على ضفاف البحر الميت في الأردن من تلاوة بيانها الختامي المتضمن إدانة بناء المستعمرات الإسرائيلية، حتى وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كالمعتاد صفعة قوية للقمة وبيانها، فبعد ترؤسه جلسة طارئة للحكومة الأمنية المصغرة، أعلن عن مصادرة أكثر من 2000 دونم من الأراضي الفلسطينية وإقامة مستعمرة في الضفة الغربية للمرة الأولى منذ 20 عاماً.
هذا الجمع العربي والحضور اللافت لملوك وأمراء ورؤساء عرب إضافة لمقررات القمة لم يترك أي أثر من شأنه ردع العدو الإسرائيلي من الاستمرار في ممارسة سياسة التحدي والتمييز العنصري بحق الشعب الفلسطيني صاحب الأرض الفلسطينية.
أضحى القرار العربي صوتاً في واد لا يسمع صداه خصوصاً بعد ذلك الانبطاح أمام إسرائيل وتمسك عرب الاعتدال بسياسة المبادرات العقيمة التي وعدوا أنفسهم بأنها ستجلب السلام وأنهار العسل، لكنها في واقع الأمر لم تجلب للعرب إلا الخزي والضعف والوهن، ما تسبب في انهيار شبه كامل في المنظومة العربية التي فقدت أي تأثير فعلي في تقرير مصير أوطاننا العربية، وهذا ما سمح لدول خارجية عدة بالتدخل في الشؤون العربية وإن تعمل طبقاً لمصالحها وأجندتها فارضة نفسها كقوة فاعلة في رسم مستقبل العرب نيابة عنهم من دون أي اعتبار لمصالح العرب أنفسهم.
اللافت أنه ومع انتهاء أعمال القمة العربية في الأردن، صدرت مواقف عدة لا بد من التوقف عندها، نظراً لما تحمله من دلالات بالغة الأهمية محفزة لفهم مسار الأمور في المنطقة.
بالنسبة لسورية، فإن إعلان تركيا رسمياً عن انتهاء ما سمي عملية «درع الفرات» حسب ما صرح به وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، جاء في سياق الإشارة الواضحة بأن تركيا بدأت بتحديد خسائرها في سورية، خصوصاً بعد إخفاق تحقيق الأهداف التي أعلنتها أنقرة تزامناً مع بدء عملية «درع الفرات».
في العام 2016 أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن القوات التركية دخلت الأراضي السورية بهدف إقامة منطقة آمنة والوصول إلى دمشق لإسقاط الرئيس بشار الأسد.
وفي 2017 انتهت العملية التركية من دون تحقيق أي من الأهداف التي أعلن أردوغان نفسه عن تبنيها.
وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون، ومن قصر أردوغان في تركيا، أعلن أن الرئاسة في سورية شأن يخص الشعب السوري ويجب الإقرار بذلك.
سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي صرحت أن الشعب السوري هو صاحب القرار باختيار من يرأس سورية.
ثم ومن واشنطن، وعلى لسان الناطق باسم سيد البيت الأبيض دونالد ترامب، يتم الإعلان وبوضوح أن الأولويات في الولايات المتحدة الأميركية لم تعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد وأن هذا الأمر يخص فقط ما يقرره الشعب السوري ويجب علينا الإقرار أن الرئيس بشار الأسد هو زعيم سورية ويجب أن نتعاون في مواجهة خطر الإرهاب ومحاربة تنظيم داعش الذي بات يهدد الجميع.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرح أن مجالات التعاون مع واشنطن بخصوص الملف السوري، آخذة في التطور بين الجانبين على الرغم من التصريحات السلبية المعلنة، نذكر هنا أن اجتماعاً سرياً مهماً تم وضم رؤساء أركان كل من أميركا وروسيا للتنسيق فيما بينهم على الخطوات الآيلة إلى تعزيز قدرات محاربة الإرهاب.
إذاً ما يجري من تفاهم بين أميركا وروسيا في الأروقة المغلقة أمر إيجابي ومغاير تماماً للسلبية المعلنة في وسائل الإعلام ويعتبر ترجمة فعلية للمتغيرات الميدانية والسياسية في سورية.
غياب سورية عن حضور قمة البحر الميت كان غياباً مدوياً، حيث إنه خيل للحاضرين في القمة أن هيبة سورية كانت فعلاً حاضرة وأن وجود العلم السوري على المقعد المخصص لها كاف لردع المشاركين عن ذكر أي شيء يتعلق بمستقبل الرئيس بشار الأسد، على عكس ما جرى في القمم السابقة، ما ترجم انتصاراً مدوياً للشعب السوري والخضوع لإرادته.
إن من يراقب مسار الأمور في المنطقة العربية، يستطيع أن يكتشف أن صمود سورية الأسطوري حقق لها استعادة المبادرة السياسية والعسكرية، وغيّر المعادلات وأعاد جميع اللاعبين إلى حجمهم، وباتت اللعبة الآن مع الأصيل بعدما كانت مع الوكيل، وبدأت كل الأطراف تميل إلى تحديد ولملمة خسائرها خصوصاً بعد الإقرار الأميركي الصريح والواضح بانتصار إرادة الشعب السوري في اختيار من يرأسه.
الصدمة والوجوم باديان على وجوه كل من سولت له نفسه المشاركة في التآمر والتخريب لإضعاف سورية العروبة، على حين معظم العرب أدركوا أن مجرد حضور سورية للقمة العربية سيكون بمنزلة الضربة القاضية لمشاريعهم وحكوماتهم، في حين أن صدى غياب سورية عن القمة كان مدوياً، وانتصار إرادة الشعب السوري كان مسموعاً في شتى أرجاء العالم على عكس أصوات الانهزاميين من عرب الاعتدال.