بين معركة الرقة ومعارك البادية سمفونية أميركية واحدة.. بقلمك عبد الله علي

بين معركة الرقة ومعارك البادية سمفونية أميركية واحدة.. بقلمك عبد الله علي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٨ مارس ٢٠١٧

تواصل «قوات سورية الديمقراطية» (قسد) استكمال استعداداتها اللوجستية والميدانية لإطلاق «معركة الرقة الكبرى» خلال أيام كما هو معلن، وسط اهتمام عالمي سياسي وإعلامي يعكس أهمية المعركة وخطورة تداعياتها. ولا تقتصر هذه الاستعدادات على ما تقوم به «قسد» في محيط الرقة وأريافها، إذ إن التطورات المتسارعة التي تشهدها البادية السورية بالقرب من الحدود مع الأردن وصولاً إلى القلمون الشرقي، تعتبر بدورها جزءاً من تدابير احترازية تهدف إلى تطويق آثار معركة الرقة ومنعها من تهديد دول الجوار.
ولولا العصا التي يحملها المايسترو الأميركي بيده ساعياً من خلالها إلى «تعشيق العازفين» وضبط «المترونوم» (سرعة العزف)وضمان عدم الخروج عن النوتة التي وضعها، لما أمكن معرفة أن ما يحدث في مسرحين مختلفين هو عبارة عن سمفونية واحدة لا غير.
وهكذا يختزل المشهد بوضوح كيف أن «قوات سورية الديمقراطية» في الشمال الشرقي، و«قوات أحمد العبدو» و«جيش العشائر» وغيرها في الجنوب الشرقي من سورية، ليست إلا أدوات يحركها الأميركي كيفما يشاء لتحقيق التناغم الذي يخدمه. وبينما يستمر القائمون على كل مسرح في الرقص على الإيقاع الأميركي الموحد، يظن كل منهم أنه يؤدي رقصةً منفردة.
وتكمن العلاقة بين «معركة الرقة الكبرى» المرتقبة التي تسعى الولايات المتحدة إلى الاستحواذ عليها مع حلفائها في «قوات سورية الديمقراطية»، ومعركتي «سرجنا الجياد» و«طرد البغاة» التي أطلقتها فصائل مختلفة مدعومة من واشنطن وعمان، في كل من بادية الحماد المحاذية للحدود الأردنية، ومنطقة القلمون الشرقي بريف دمشق، في أن جميع هذه المعارك تتكامل فيما بينها ويخدم بعضها الآخر بشكل وثيق. كما أنها تؤسس جميعاً لواقع جديد قد يفضي في نهاية المطاف إلى خلق منصة جديدة يمكن استخدامها من واشنطن في التوجه نحو محافظة دير الزور.
وليس خافياً أن الهدف الأولي لمعركتي الحماد والقلمون هو توفير الضمانات للأردن الذي طالما أبدى تخوفه من انعكاسات معركة الرقة على أمنه واستقراره، لذلك كان لا بد من طمأنته قبل إطلاق المعركة عبر تسليم المنطقة الحدودية بينه وبين سورية إلى فصائل موثوقة تخضع للقيادة الأميركية. وسبق لقائد قوات حرس الحدود الأردنية العميد سامي الكفاوين أن أعرب عن مخاوف بلاده من فرار مسلحي «داعش» وتوجههم نحو الأردن نتيجة اشتداد الضغوط العسكرية عليهم في سورية والعراق.
وقال الكفاوين في مؤتمر صحفي عقده في شهر كانون الثاني إن «القوات الأردنية تملك تقارير استخباراتية تؤكد احتمال اندلاع موجة نزوح جديدة ودفع للمقاتلين في اتجاه الجنوب السوري» وأكد «أن القوات مستعدة للتعامل مع كل التهديدات التي قد يشكلها انطلاق معركة تحرير مدينة الرقة السورية من داعش».
وبالفعل، يمكن القول إن الأردن قد حصل على الضمانات المطلوبة، إذ إن تنظيم «داعش» وفي خطوة مفاجئة، سارع إلى الانسحاب من معظم المنطقة الحدودية (بادية الحماد) من دون قتال مع الفصائل الأخرى التي سارعت بدورها إلى ملء الفراغ الذي تركه انسحاب «داعش». وأمس استكمل التنظيم سلسلة انسحاباته وخرج بلا أي قتال من منطقة بئر القصب الإستراتيجية التي تعتبر أكبر معاقله في الجنوب وذلك بعد أن أصبحت شبه محاصرة من جميع الجهات. وما زال التنظيم يحتفظ بجيب خاضع لسيطرته يمتد بين تل دكوة وجبل مكحول. على حين أصبحت الفصائل المدعومة أميركياً تسيطر على شريط يمتد من ريف السويداء الشرقي حتى معبر التنف على الحدود العراقية.
وجاء إعلان الفصائل القائمة على معركة «سرجنا الجياد»، أمس، عن إطلاق معركة جديدة باسم «قادمون يا قلمون» بهدف فك الحصار عن مناطق القلمون الشرقي ليؤكد وجود أبعاد وغايات أخرى لهذه المعارك تتعدى الجانب الاحترازي المتعلق بتطويق آثار معركة الرقة.
وتخضع بعض مدن القلمون الشرقي مثل الضمير وجيرود والرحيبة لسيطرة المسلحين لكنها تعيش منذ سنوات في ظل اتفاق تسوية مع الجيش السوري. ولا تحتاج فصائل «قادمون يا قلمون» لتحقيق هدفها المتمثل في فك الحصار عن هذه المدن حسب قولها، إلا إلى السيطرة على منطقة المحسا وجبل المنقورة فقط. وعندما يتحقق ذلك، وهو الأرجح في ظل انسحابات التنظيم، ستصبح مدن القلمون الشرقي الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة متصلة مع الحدود الأردنية عبر منطقة حماد التي انسحب «داعش» من معظم نقاطه فيها.
هذا الاتصال مع الحدود الأردنية، سيعني فيما يعنيه فك الحصار عن المدن السابقة وهو ما يمكن أن يؤثر في التسوية السارية فيها، لأن الفصائل عندئذ ستشعر بفائض قوة قد يدفعها إلى المطالبة بتحسين شروط التسوية أو ربما لما هو أكثر من ذلك من قبيل إلغائها نهائياً والعودة إلى العمل المسلح ضد الجيش السوري. غير أن هذا الاحتمال الأخير يبدو ضعيفاً لسببين الأول عدم رغبة الأردن وواشنطن في التصادم مع روسيا. والثاني وجود مهمة أخرى للفصائل المسلحة في المنطقة ضمن الأجندة الأميركية.
ولا يمكن استبعاد أن يجري استغلال مثل هذه المناطق لتكون جزءاً من مشروع «المناطق الآمنة» أو «مناطق الاستقرار المؤقتة» التي تتحدث عنها واشنطن، خاصةً أنها ستخفف ضغط اللاجئين عن الأردن وترفع عن كاهله أعباء أمنية واقتصادية لا يستهان بها. ولا شك في أن هذا السيناريو يتقاطع مع تصريحات لبعض المسؤولين الأميركيين السابقين تحدثوا خلالها عن منطقة «سنية» تمتد من درعا إلى دير الزور.
ومن الواضح أن منطقة البادية المفتوحة على الحدود الأردنية حيث الدعم العسكري واللوجستي، يمكن أن تشكل منصة أميركية مناسبة لفتح معركة تهدف إلى احتلال محافظة دير الزور بذريعة محاربة إرهاب «داعش».
وما يعزز من ذلك أن طلاس سلامة قائد «أسود الشرقية» المشاركة في معركة «سرجنا الجياد» أكد في تصريح صحفي في وقت سابق أن «المعارك ستستمر حتى رفع الحصار عن القلمون الشرقي وطرد تنظيم داعش من كامل البادية السورية، ثم التوجه لتحرير محافظة دير الزور، التي ترزح تحت احتلال التنظيم منذ ما يقارب ثلاثة أعوام».
وقد قامت الولايات المتحدة بالتحالف مع ما كان يسمى «جيش سورية الجديد» (أصبح اسمه حالياً مغاوير الثورة)، منتصف العام الماضي، بمحاولة السيطرة على مدينة البوكمال الحدودية مع العراق في ريف دير الزور، غير أن المحاولة انتهت إلى كارثة حقيقية حيث استطاع «داعش» إبادة نصف المهاجمين. غير أن الوضع اليوم أصبح مختلفاً اختلافاً جذرياً، ولا سيما في ظل اتساع مساحة سيطرة الفصائل وانفتاحها على القلمون الشرقي من جهة وعلى الحدود الأردنية من جهة ثانية، ما يجعل فرصة نجاح أي هجوم جديد نحو دير الزور احتمالاً مرجحاً.
وعليه، إذا كانت المساعي الأميركية للاستفراد بمعركة الرقة ومنع الأطراف الأخرى من المشاركة فيها، هي الإسفين الأول الذي يهدد وحدة الأراضي السورية، فإن ما يجري في البادية السورية يعتبر بلا ريب تحضيراً لضرب الإسفين الثاني. وربما خطورة هذا المخطط هي التي تفسر سبب التصعيد المفاجئ الذي شهده كل من حي جوبر وريف حماة الشمالي، ذلك لأن تمرير المخطط بحاجة لإشغال الجيش السوري عنه لئلا يعمل على إجهاضه، وبالتالي لم يكن من قبيل المصادفة أن يتزامن الإنزال الجوي في الطبقة مع إطلاق معركة ريف حماة. فهل سيمر المخطط أم إن الجيش السوري وحلفاءه لم يقولوا كلمتهم في الموضوع بعد؟