الصحافة عدو أردوغان الأول.. قمع وضغوطات لتمرير التعديلات الدستورية!

الصحافة عدو أردوغان الأول.. قمع وضغوطات لتمرير التعديلات الدستورية!

تحليل وآراء

السبت، ٢٥ مارس ٢٠١٧

عباس الزين - بيروت برس -
 
أطلق الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان، حملةً أمنية واسعة طالت معظم الصحافيين المعارضين لحكمه، في موازاة الحملة الانتخابية للتصويت بـ"نعم" على التعديلات الدستورية في استفتاء 16 نيسان 2017. الإعتقالات التعسفية التي مارستها السلطات التركية برئاسة اردوغان، هدفت الى إسكات الاصوات الرافضة للتعديلات الدستورية، مستغلةً الانقلاب الفاشل في تموز العام 2016، لإلصاق تهم بدعم منظمات ارهابية الى جانب دعم "الإنقلابيين"، ما جعل تركيا تحتل المراكز الأولى في قمع الحريات الإعلامية واعتقال الصحافيين. وبحسب منظمات دولية، معنية بهذا الشأن، اعتقل نحو مئة صحافي من دون محاكمة، كما تم اغلاق 170 وسيلة اعلامية وسحبت البطاقات الصحافية من 775 صحافيًا، منذ الإنقلاب الفاشل.

وفي هذا السياق، سجلت تركيا ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الصحافيين المعتقلين في العام 2016، مع تزايدٍ شهدته الاشهر الاولى من العام 2017، بزيادة وصلت أربعة أضعاف منذ الانقلاب الفاشل في تموز/يوليو، وذلك وفقًا لتقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" السنوي. ولفتت المنظمة في تقريرها، الى انه "اليوم هناك 348 صحافيًا (بمن فيهن مراسلون يعملون بالقطعة ومدونون) مسجونون في العالم، مما يمثل زيادة نسبتها 6 بالمئة على 2015"، مشيرة إلى أن "عدد الصحافيين المحترفين ارتفع بنسبة 22 بالمئة" و"ارتفع بمقدار أربعة أضعاف في تركيا بعد الانقلاب الفاشل في تموز/يوليو". وتابعت المنظمة أن عدد الصحافيات المسجونات أيضًا، ارتفع بمقدار أربعة أضعاف (21 مقابل خمس نساء في 2015)، "ما يدل على الكارثة التي تشهدها تركيا، حيث تسجن ثلث هؤلاء الصحافيات". الأمين العام للمنظمة كريستوف ديلوار، قال في بيان انه "على أبواب أوروبا، ألقت حملة مطاردة حقيقية عشرات الصحافيين في السجون وجعلت تركيا أكبر سجن لهذه المهنة". وأكد ديلور، انه "خلال سنة واحدة قضى نظام إردوغان على كل تعددية إعلامية أمام اتحاد أوروبي يلتزم الصمت".

على صعيدٍ متصلٍ، أرجأت محكمة في اسطنبول من جديد محاكمة ممثل منظمة "مراسلون بلا حدود" في تركيا ايرول اوندر اوغلو بتهمة "الدعاية الارهابية"، لأنه تعاون مع صحيفة مؤيدة للاكراد. ويمكن ان يحكم على اوندر اوغلو والكاتب الصحافي احمد نيسين ورئيسة منظمة حقوق الانسان شبنم كورور فنجانجي، بالسجن اكثر من 14 عامًا، لمشاركتهم في حملة تضامن مع صحيفة "اوزغور غونديم" التي اغلقت بتهمة الارتباط بـ"حركة التمرد الكردية". وحول ذلك، قال اوندر اوغلو، امام القصر العدلي في جاغليان بعد جلسة قصيرة، ان المحاكمة بتهمة "الدعاية الاعلامية لمنظمة ارهابية" و"تمجيد الارهاب" و"التحريض على الجريمة" ارجئت الى الثامن من حزيران/يونيو بسبب غياب نيسين الموجود حاليًا في سويسرا. واضاف ممثل المنظمة، انه "منذ عشر سنوات احضر الى هذا المكان لتغطية محاكمة صحافيين آخرين. اليوم حضرتم محاكمتي لخمس دقائق". ووصل وفد من "مراسلون بلا حدود" يضم الامين العام للمنظمة كريستوف دولوار الى تركيا لحضور المحاكمة. واعتبر دولوار، ان تركيا "مختبر لأعداء حرية الصحافيين تستخدم فيه كل الوسائل من التسريح الى الاعتقال والضغوط"، معبرًا عن قلقه من "سرعة تدهور" الوضع.

في موازاة ذلك، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، خطابات أرسلها كُتاب وصحافيون أتراك، من داخل سجون تركيا، واصفين المعاناة النفسية والجسدية داخل السجن، وذلك في ظل موجة الاعتقالات الواسعة. وفي الخطاب الأول، قال الكاتب والصحافي التركي أحمد سيك، والذي اعتُقل منذ أربعة شهور بتهمة الترويج للإرهاب، إن الحياة في السجن صعبة للغاية، لكنها تصبح أصعب عندما يكمن سببها في تجريم العمل الصحافي النموذجي. سيك، الذي اعُتقل منذ أربعة شهور بتهمة الترويج للإرهاب، اعتبر أنّ "الرابطة الوحيدة بيني وبين زملائي السجناء في العالم الخارجي، هي السماء الصغيرة التي تلوح لنا من وراء الحائط ذي الثمانية أمتار". من جانبها، وقالت الروائية والصحافية، "آش إردوغان"، في خطابها، إنها تواجه السجن مدى الحياة بتهمة الترويج للإرهاب، وأفرجت السلطات عنها بعد أربعة أشهر من السجن الاحتياطي وهي الآن في انتظار المحاكمة التي ستقرر مصيرها. وأشارت في مستهل خطابها إلى أنها "تعرضت للمذلة والمهانة بطرق لن يتخيلها أعتى المجرمين"، فيوم إلقاء القبض عليها، قامت الشرطة بتفتيش شقتها لمدة سبع ساعات، لدرجة أنهم كانوا يفتشون بين صفحات الكتب. وبعد دخولها السجن، أودعوها السجن الانفرادي ولم يسمح لها بقضاء أكثر من ساعة في فناء السجن. ووصفت الأمر بأنه تجربة جنونية، حيث قضت أول 48 ساعة في السجن دون شربة ماء، وهو الأمر الذي جعلها تشعر بالصدمة والغثيان.

الى ذلك، يحاول الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان، المُدان دوليًا بتهمة قمع الحريات الصحافية، الإيحاء بضغطٍ تمارسه بعض الدول الأوروبية على الصُّحف الموالية له. فقد أدانت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون التركية، والمديرية العامة للصحافة والنشر والإعلام التابعة لرئاسة الوزراء التركية، قرار البرلمان الأوروبي وقف توزيع نسخ صحيفة "ديلي صباح" التركية داخل مقره في بروكسل. بيد ان المكتب الصحفي للبرلمان الأوروبي في بروكسل، تفى ما روّجت له الهيئة العامة للتلفزيون التركي، مؤكدًا أن صحيفة "ديلي صباح" الموالية للحكومة التركية لم يتم حظر دخولها إلى البرلمان، على عكس ما ذكره المسؤولون في أنقرة. وقال المكتب الصحفى للبرلمان الأوروبي، لوكالة الأنباء الألمانية، إن "صحيفة ديلي صباح غير محظورة في البرلمان الأوروبي"، مضيفا أنه "لا يزال يتم تسليمها إلى البرلمان، وهي متاحة في مركز التوزيع، حيث يمكن لنواب البرلمان الأوروبي الحصول عليها".

في غضون ذلك، تصاعدت حدة التوتر بين تركيا والمانيا، على خلفية اعتقال السلطات التركية الصحفي الألماني-التركي دينيس يوجيل في تركيا. وقال خبير الشؤون التركية في منظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان، أندريف جاردنر، إن أمر الاعتقال "غير مقبول". وقال جاردنر، إن هذه حالة أخرى من حالات اتهام صحافيين عبر قانون مكافحة الإرهاب بسبب كتابة مقالات نقدية، مضيفًا أن التطبيق "المفرط والتعسفي" لهذا القانون ضد الصحافيين صار "مشكلة مزمنة في تركيا". كما وصف مدير منظمة "مراسلون بلا حدود" في ألمانيا، كريستيان مِر، الادعاءات المنسوبة إلى يوجيل بأنها "سخيفة" ودعا إلى إطلاق سراحه فورًا وكذلك جميع الصحافيين المعتقلين حاليًا في تركيا. من جانبها وصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الحكم الذي أصدره القاضي بأنه "قاس ومخيب للآمال". وقالت ميركل في برلين: "هذا الإجراء قاس بشكل مفرط خاصة بالنظر إلى أن دينيس يوجيل سلم نفسه إلى المحاكم التركية وجعل نفسه متاحًا للتحقيق".

بناءً عليه، فإنّ القمع التي يمارسه اردوغان داخليًا على حرية الصحافة، ينعكس وبشكلٍ تصاعدي ضغوطًا دولية عليه، لا سيما من قبل الاتحاد الاوروبي، وكلما اقترب موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية في نيسان القادم، يذهب اردوغان في اتجاه القمع أكثر، ما يؤكد على مخاوف الرئيس التركي من التأثير الذي يمكن ان تشكله الصحافة الداخلية والخارجية، على رأي الناخب التركي، في كشف النوايا الحقيقية لأردوغان من التعديلات الدستورية.