إنتحار الإرهاب على أبواب دمشق..

إنتحار الإرهاب على أبواب دمشق..

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢١ مارس ٢٠١٧

عمر معربوني - بيروت برس -

لليوم الثالث على التوالي تستمر المعارك في الإتجاه الشمالي لحي جوبر، حيث تنفذ الجماعات الإرهابية هجمات متلاحقة بشكل مخالف للحد الأدنى من معايير العلم العسكري لتبدو هذه الهجمات نوعًا من الإنتحار، حيث من المؤكد عدم وصولها الى تحقيق اهدافها المباشرة وغير المباشرة لوجود خلل كبير في معطيات ميزان القوى يذهب لمصلحة الجيش السوري.

في المباشر، تبدو اهداف الجماعات الإرهابية غير متناسبة مع قدراتها في منطقة الإشتباك، بسبب عدم قدرتها على التثبيت في اي مكان تستطيع تحقيق خرق فيه، وهو ما حصل البارحة حيث انسحبت الجماعات المهاجمة من كل النقاط التي وصلت اليها لتكرر اليوم فجرًا هجومًا اعتمد نفس الأسلوب الأول.
وإن كان المقاتلون قد استطاعوا في الهجوم الأول تحقيق المفاجأة والصدمة من خلال تفجير احدى العربات المفخخة، فإنهم فجر اليوم فقدوا عنصر المفاجأة في بقعة اشتباك حامية كانت خلالها وحدات الجيش السوري في اعلى درجات الإستعداد، رغم السماح للموجة الأولى من هجوم فجر اليوم بالدخول الى بقعة محددة مسبقًا لوضعها ضمن النار.

في الهجوم الأول نفذت وحدات الجيش السوري اعادة تموضع مرسومة مسبقًا لمواجهة هكذا نوع من الهجمات، بهدف تحسين شروط المدافعة اولًا ووضع الجماعات الإرهابية المهاجمة في بقعة الرَوْع (القتل) لتسهيل عمل سلاحي الطيران والمدفعية وعدم اصابة وحدات الجيش برمايات الطيران والمدفعية.
الأسلوب نفسه الذي تستخدمه الجماعات الإرهابية في جوبر استخدمته في هجمات حلب، سواء في الكليات العسكرية او غرب حلب حيث تشابه الأهداف، ففي حلب كان الهدف فك الحصار عن الأحياء الشرقية وربط هذه الأحياء بغرب حلب.

في حلب سيطرت الجماعات الإرهابية على منطقة الكليات العسكرية واجزاء كبيرة من منطقة الراموسة، ولم تحقق الربط مع الأحياء الشرقية ليتم وضعها في بقعة قتل أدّت فيما بعد الى استنزافها وانهاكها وتنظيم هجوم مضاد على مواقع سيطرتها وطردها نهائيًا، واستثمار النتائج في اكمال الهجوم المضاد نحو الغرب وتثبيت نقاط السيطرة والبدء بمعركة الأحياء الشرقية.
في جوبر كانت قوة الجماعات الإرهابية تكمن في تحصيناتها تحت الأرض، اما الآن وقد خرجت هذه الجماعات من جحورها فإنّ ذلك سيكون مكلفًا وكارثيًا عليها بسبب الخسائر الكبيرة التي تُمنى بها، حيث يتم التعامل معها ضمن بُقع قتال مضروبة بالنيران المختلفة سيؤدي الى خسائر كبيرة في صفوفها وينهكها ويفقدها قدراتها البشرية والنارية من خلال استنزافها في معارك تختار توقيتها ولكنها لا تمتلك نتائجها.
تعتقد قيادات الجماعات الإرهابية ان مباشرتها بهذه الهجمات سيثني الجيش السوري عن إكمال معركة القابون التي بدأها الجيش منذ فترة، ويعتقدون ان ربط جوبر بالقابون سيؤدي الى زيادة فعالية الجماعات في القابون ويلغي عملية الجيش او يؤخرها في الحد الأدنى.

من خلال متابعتي للإعلام المعادي، يركز المحللون على مسألة اساسية وهي قدرة الجماعات المحاصرة في جوبر والغوطة الشرقية على القيام بهجمات فاعلة ومس هيبة الدولة والجيش، وأنّ المعركة مستمرة حتى بعد انتصار حلب، وفي هذه المسألة اود التذكير بأننا جميعًا لم نقل ان انتصار حلب سينهي الحرب ويحقق النصر النهائي بل كنا نقول ان انتصار حلب سيحدث متغيرات كبيرة جيوسياسية على مستوى الموقف والقرار لدى الدول المشاركة في الحرب، سواء الداعمة للجيش السوري او الداعمة للجماعات الإرهابية.
المتغير الأكبر بعد انتصار حلب كان قدرة الجيش السوري اكثر على تحديد اولوياته الميدانية، لهذا يعتقد الذين اعطوا الأوامر بمعركة جوبر انهم يؤثرون الآن في قدرة الجيش واولوياته وهم بالتأكيد مخطئون، حيث يعتبرون ان الدعم الذي وصل الى بقعة الإشتباك ومحيطها هو على حساب جبهات اخرى، بينما الذين يعرفون الحقائق يعلمون ان وحدات الدعم التي توجهت الى بقعة الإشتباك هي من ضمن قوات الإحتياط المرتبطة بهذه الجبهة وغيرها من الجبهات في الغوطة الشرقية، وان حجم قوة الدعم يتناسب مع حاجة الميدان ولن يؤثر على محاور اشتباك محتملة اخرى.

في الجانب الإعلامي، وهو الأهم في هذه المعركة، يبدو التضخيم والكذب في اوضج تجلياته وبرأيي انه سيكون سببًا للإحباط بما يخص الجماعات الإرهابية وداعميها، حيث ستبدو المعركة المضخمة والمكثفة قد ادّت غرضًا آنيًا ايجابيًا وغرضًا سلبيًا بعد انتهاء المعركة لمصلحة الجيش السوري الذي ستثبت مصداقيته مع الوسائل الداعمة له.
وكما حصل البارحة ليلًا، حيث اعترفت الفضائيات المعادية باستعادة الجيش السوري لكامل النقاط التي دخلت اليها الجماعات الإرهابية وبدأت باستقدام المحللين لتبرير الهزيمة، ستعتمد هذه الفضائيات الأسلوب نفسه بعد انقشاع غبار المعركة وتصر على ان الأهداف السياسية للعملية قد تحقق.

مسألة اخيرة لا بد من تبيانها وهي أنّ شكل العمليات العسكرية واولوياتها هو حصرًا بيد القيادة السياسية والعسكرية السورية، فخوض معركة مفاجئة معروفة النتائج لن يغير ابدًا في خطط الجيش السوري والتي سنرى مفاعيلها في القادم من الأيام.