السلطان أردوغان» يعادي الجميع.. بقلم: إبراهيم أبو جازية

السلطان أردوغان» يعادي الجميع.. بقلم: إبراهيم أبو جازية

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٤ مارس ٢٠١٧

قررت تركيا تعليق العلاقات رفيعة المستوى، والاجتماعات المخطط لها مع هولندا، حتى تصحح ما قامت به»، هكذا صرَّح نائب رئيس الوزراء، والمتحدث باسم الحكومة التركية، نعمان قورتولموش، في المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس الاثنين عقب اجتماع مجلس الوزراء في العاصمة التركية، أنقرة.

وتسارعت وتيرة الأحداث فيما يخص الأزمة الدبلوماسية بين تركيا، وهولندا، والتي وصلت إلى السباب بوصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لهولندا بجمهورية الموز، كما أنه طرد السفير الهولندي من أنقرة، وأعلن إغلاق سفارتها في بلاده، ويأتي ذلك بعد عدم سماح هولندا لوزير تركي من دخول أراضيها، واحتجاز وزيرة تركية أخرى.

الإجراءات التي اتخذتها تركيا لم تكن بالصادمة، خاصةً في ظل عدد من مثيلاتها، وعدد من القرارات التي اتخذها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي لم يأبه بالانتقادات الدولية التي وُجهت له بسببها، أو حتى لمثيلاتها الداخلية، وإنما ظل في طريقه مستمرًا، واتخذ عددًا من القرارات، وذلك منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو (تموز) من العام الماضي، ومنذ ذلك الحين تكون رأي العديد من منتقديه أنه أصيب بداء جنون العظمة.

كيف بدأت الأزمة الهولندية التركية؟

بدأت الأزمة بحدتها يوم السبت الماضي، الموافق 11 مارس (آذار) 2017، عندما أعلنت السلطات الهولندية رفضها السماح بهبوط طائرة وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، على أراضيها، والذي كان مقررًا زيارته لهولندا يوم الأحد، وذلك لدواعي الأمن والنظام العام، بحد تعبيرها، وكان من المفترض أن يزور الوزير التركي هولندا لعقد مؤتمرات ولقاءات انتخابية مع الجالية التركية هناك، وذلك لإقناعهم بالتصويت والموافقة على التعديلات الدستورية التي ستُجرى في منتصف شهر أبريل (نيسان) القادم، والتي تخص توسيع صلاحيات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

وجاء ذلك بعد تهديد أوغلو للسلطات الهولندية بفرض عقوبات سياسية واقتصادية قاسية على بلادهم في حال منعوا طائرته من الهبوط على الأراضي الهولندية.

ومن قبلها، كان وزير الخارجية الهولندي، بيرت كوندرز، قد أعلن الخميس، أن بلاده لن تُسهِّل زيارة أوغلو إلى هولندا، موضحًا أن السلطات الهولندية لن تشارك في زيارة مسؤول يريد القيام بدعاية سياسية لبلاده في الأراضي الهولندية.

وفي اليوم نفسه، احتجزت السلطات الهولندية وزيرة الأسرة التركية، فاطمة بتول سايان كايا، إلى أن رحلت إلى ألمانيا، ومنها عاجت إلى بلادها، ليستقبلها عدد من الجموع التركية في مطار أتاتورك الدولي.

وأدانت كايا التعامل الذي وصفته بـ«البشع» من السلطات الهولندية، قائلةً: «تعرضنا إلى معاملة فظة وقاسية، التعامل مع وزيرة بهذه الطريقة أمر في غاية البشاعة، مؤكدةً أن الطريقة التي تعاملت بها السطات الهولندية التي رافقتها إلى الحدود الألمانية تُهين كل قيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان».

دعاية انتخابية خارجية

وكان من المفترض أن توجد مسيرات ولقاءات انتخابية مع عدد من الجاليات التركية في بعض الدول الأوروبية بخصوص الاستفتاء الذي سيُجرى يوم 16 أبريل (نيسان) المقبل، مثل ألمانيا، والنمسا، وهولندا، وفرنسا. إذ رفض مسؤولون ألمانيون، وهولنديون، ونمساويون وجود مثل هذه اللقاءات على أراضيها، ولذلك فقد مُنعت المسيرات في هذه الدول الثلاثة، أو تم مقابلتها بالقمع والمياه، والكلاب، خاصةً في تلك المسيرات التي اندلعت في مدينة روتردام بعد الأزمة الهولندية.

ولكن على الوجه الآخر، فإن عددًا من المسيرات في فرنسا جرت بطريقة سلمية ودون أي صراعات، إذ أكد مسؤولون فرنسيون أن هذه المسيرات التي جرت في فرنسا لم تشكل أي تهديد على الأمن الفرنسي.

وفي باريس، انتقد مرشحا اليمين للرئاسة الفرنسية، الأحد، سماح حكومة بلادهما للمسؤولين الأتراك بلقاء أبناء جاليتهم، قبيل الاستفتاء المرتقب على التعديلات الدستورية في تركيا، وقالت مارين لوبان، زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، إنه لا ينبغي السماح بقيام حملات في فرنسا، متعلقة بالاستفتاء بتركيا.

من جهته، انتقد مرشح اليمين الوسط لانتخابات الرئاسة الفرنسية، فرانسوا فيون، رئيس بلاده فرانسوا أولاند، لعدم عرقلته اجتماع جاويش أوغلو مع مواطنيه في فرنسا، وقال فيون في تصريح له لقد كسر أولاند التضامن مع بقية دول الاتحاد الأوروبي، من خلال عدم منعه الاجتماع.

ويوجد في هذه الدول الأوروبية الأربعة عدد كبير من الأتراك، أو من أصحاب الأصول التركية، والذين يحق لهم التصويت في الاستفتاء التركي، فألمانيا وحدها على سبيل المثال، تضم ما يزيد على ثلاثة ملايين شخص من أصول تركية، منهم حوالي 1.4 مليون شخص يحق لهم التصويت، مما يجعلها تبدو كما لو كانت دائرة انتخابية تركية.

الجدير بالذكر، أن رئيس الوزراء الهولندي، مارك روتي، أعلن في وقتٍ سابق أن بلاده لا تسمح لساسة الدول الأخرى باستخدام أراضيها لحملاتهم الانتخابية.

رد الفعل التركي.. وانتقادات ألمانية

أدان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما فعلته هولندا، مشبهًا إياها بـ«جمهورية الموز». وطالب المنظمات الدولية المختلفة بفرض عقوبات عليها، متهمًا بعض الدول الغربية بمعاداة الإسلام، أو الإسلاموفوبيا.

كما أنه أعلن طرد السفير الهولندي من تركيا، وغلق السفارة في الوقت الحالي، ويُذكر أن السفير الهولندي في تركيا كان خارج البلاد يقضي إجازة، غير أن السلطات التركية أعلنت رفضها عودته إليها من جديد بعد انتهاء إجازته، إذ سلمت القائم بالأعمال الهولندي مذكرة احتجاج، مطالبةً أمستردام بتقديم اعتذارًا رسميًّا لأنقرة.

ولم يكتفِ بهذا فقط، بل قال أرودغان إنه اعتقد أن النازية قد انتهت، ولكنه كان مخطئًا، ليصف الهولنديين ببقايا النازيين، واصفًا إياهم بالفاشية، وهو التصريح الذي دفع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للهجوم على أردوغان، لتصفه بداعم الإرهابيين، مستنكرة: «لماذا يختبئ الإرهابيون في بلدكم؟ أنت لا تفعل شيئًا».

الجدير بالذكر أن الجانب التركي كان قد وجَّه اتهامات سابقة إلى ألمانيا بإيواء عدد من المسلحين الأكراد، المشتبه فيهم، والمطلوبين أمنيًّا فيما يخص محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016الماضي.

وردت وزارة الخارجية الهولندية بإصدار تحذير جديد لمواطنيها بالسفر إلى تركيا، وحثت مواطنيها المقيمين في تركيا بأخذ الحذر، والابتعاد عن التجمعات والأماكن المزدحمة، وذلك بسبب التوترات الدبلوماسية الجديدة الحادثة بين الطرفين، كما قال نائب رئيس الوزراء الهولندي إن «وصف الهولنديين بالنازيين من قِبل نظام يسير إلى الوراء فيما يخص حقوق الإنسان هو أمر مثير للاشمئزاز».

وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، صدر بيان مشترك لمفوضي السياسة الخارجية بالاتحاد، أوصوا فيه بضرورة تجنب التصعيد، والعمل على إيجاد سبل لتهدئة الوضع.

الأزمة الهولندية ربما لن تكون الأخيرة

في نظر البعض فإنه منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو (تموز)، بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يضرب بكل شيء عرض الحائط، وقبل ذلك قام الرئيس بأفعال مثيرة للجدل كثيرة، بداية من احتواء بلاده لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين الفارين من دول مثل مصر، ليلقب بألقاب مختلفة مفادها أنه حامي الإسلام في العالم.

ومرورًا بتنازله عن حلمه في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إذ تنص المادة الخامسة من شروط التفاوض حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي على أنه «في حالة وجود انتهاك خطير ومستمر من قبل تركيا لمبادئ الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية، وسيادة القانون الذي يقوم عليه دول الاتحاد الأوروبي، فإن اللجنة وحدها تقرر، سواء بمبادرة منها أو بناءً على طلب ثلثي الدول الأعضاء، تعليق المفاوضات مع تركيا، واقتراح شروط لاستئنافها لاحقًا».

ورغم أن القرار الذي صوت عليه البرلمان الأوروبي غير ملزم قانونيًّا، إلا أن له أثر كبير في قرار لجنة المفاوضات، كما أنه يُكثِّف الضغوط على الدولة والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للعدول عن سياساته.

ولا يعتبر البيان الأوروبي، التحذيرَ الأول لتركيا بشأن ما يوصف بـ«الانتهاكات والسياسات القمعية» التي تتخذها؛ إذ اتهمت المفوضية الأوروبية، تركيا، بالتراجع بـ«درجة خطيرة»، فيما يتعلق بالحقوق وحكم القانون، منذ محاولة الانقلاب، وذلك بعد القبض على رئيسي حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وثاني أكبر أحزاب المعارضة، وثالث أكبر الأحزاب في الدولة.

ووصولًا إلى انتهاكه لحقوق الإنسان، وإقالة مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين وضباط الجيش؛ إذ سرح ما يزيد على 100 ألف عامل وموظف حكومي في القطاع العام، بما في ذلك عدد من ضباط الشرطة، والمعلمين، والجنود، وذلك بتهمة تورطهم في محاولة الانقلاب الفاشلة.

وأيضًا اعتقال الآلاف والآلاف بالاشتباه في تورطهم في محاولة الانقلاب الفاشلة، وأيضًا باتهام جماعة فتح الله كولن بالوقوف وراء الانقلاب؛ إذ اتخذت عددًا من السياسات المختلفة منذ محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو (تمّوز).

وبالإضافة إلى ذلك، أغلقت السلطات التركية ما يزيد على 107 وسائل إعلامية، ما بين مواقع إخبارية، أو قنوات إخبارية، أو صحف مطبوعة، أو غيرها، فضلًا عن اعتقال العشرات من الموظفين في القطاع العام، أو من المعارضين للرئيس التركي، أو من مؤيدي فتح الله كولن، أو من الأكراد، أو من غيرهم، وذلك بتهمة التخطيط للانقلاب وقلب نظام الحكم.

وأيضًا، معاداة تركيا لكل من مصر، والإمارات، بسبب هجومهما على جماعة الإخوان المسلمين، وأيضًا بسبب اشتباه الأخيرة في الانقلاب التركي الفاشل.

وأخيرًا، فقد وصلت هذه الخطوات بالرئيس التركي، إلى تهديده أوروبا بقضية اللاجئين، وفتح الحدود التركية على تدفق اللاجئين إلى أوروبا، بعد أن وقعت تركيا على اتفاق مع الاتحاد الأوروبي في مارس (آذار) من العام الماضي، ينص على غلق الحدود التركية مع أوروبا أمام اللاجئين، وفي المقابل، يستطيع المواطنون الأتراك دخول دول الاتحاد الأوروبي دون تأشيرة الدخول الأوروبية (شنجن).

وقال أردوغان في خطابٍ سابقٍ ألقاه في إسطنبول: «اسمعوني جيدًا، إذا تماديتم فإن هذه الحدود ستفتح، تذكروا ذلك»، مضيفًا: «حين احتشد 50 ألف مهاجر على مركز كابي كولا الحدودي بين تركيا وبلغاريا، طلبتم المساعدة وبدأتم تتساءلون: ماذا سنفعل إذا فتحت تركيا حدودها؟».