أستانا 2: تثبيت المرجعية.. بقلم: محمد عبيد

أستانا 2: تثبيت المرجعية.. بقلم: محمد عبيد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٤ فبراير ٢٠١٧

متغيرات سياسية وميدانية كثيرة حدثت وتحدث بين جولة تفاوضية وأخرى حول الأزمة في سورية منذ جنيف 1 وصولاً إلى أستانا 2، لكن الثابت الوحيد في الجولات كلها هو الدولة السورية التي تنتقل من قاعة إلى قاعة على أمل أن تجد وفداً مؤهلاً للشراكة الفعلية في صياغة حل سياسي سوري- سوري بحت لهذه الأزمة.
وإن كان هذا الأمر يشكل امتيازاً للدولة السورية لجهة تأكيد أحادية مرجعيتها كممثل للشعب السوري وبالتالي انتصارها على محاولات إلغائها أو تفتيتها أو تقسيمها، إلا أنه في الوقت ذاته حَمَّلَها مسؤولية أكبر ما دفعها إلى القبول بالجلوس على الطرف المقابل من الطاولة في مواجهة قوى اتخذت من بعض عواصم المنطقة منصات علها بذلك تعوض وهم التمثيل الشعبي أو أخرى امتهنت حمل السلاح وادعت أنها «ثورية» تسعى للتغيير وليس «جهادية» تمتهن الإرهاب، غير أن هذه القوى كان ومازال يجمعها الارتهان لقوى دولية وإقليمية هدفها الأوحد تدمير سورية وإخراجها من موقعها المقاوم للمشاريع الأميركية والإسرائيلية على مدى أكثر من أربعين عاماً.
أثناء الدعوة إلى اجتماع أستانا الأول، اعتبر الكثير من المراقبين أن هذا الاجتماع سيشكل نقلة نوعية في مقاربة موضوع الحل السياسي للأزمة في سورية انطلاقاً من ضمه لقوى مسلحة راغبة في السير بهذا النوع من الحلول، كذلك تعامله مع وقائع ميدانية وليس معطيات سياسية فوقية مبنية على رغبات الدول المضيفة للمجالس والإِئتلافات الوهمية، والأهم أنه من المفترض أن يؤدي إلى فرز المجموعات المسلحة المنتشرة على الأرض السورية بحيث تتمكن المرجعيات الثلاث الراعية للاجتماع من رسم خرائط سياسية-عسكرية واضحة تسمح بمحاصرة القوتين الإرهابيتين الأساسيتين: داعش والنصرة ومن يقف معهما تمهيدا للقضاء عليها والانتقال إلى مسار ينهي معاناة وآلام الشعب السوري.
كان وفد الدولة السورية يرغب بحذر تحقيق إنجاز ملموس يفتح آفاقاً لبداية حل يكرس تفضيل اجتماع أستانا على ما سبقه من المفاوضات، لكنه لم يُقْدِم على طرح رؤية ما لأن الأمر كان يتطلب الوثوق بأن وفد المسلحين قويٌ إلى درجة بحيث سيتمكن من الوفاء بالتزاماته عند عودته إلى أرض المعركة. وقد تبين لاحقاً أن حذر وفد الدولة كان في محله، ذلك أن الصراعات بين المجموعات المسلحة التي تلت الاجتماع المذكور أعادت خلط الاصطفافات «الولائية» بين هذه المجموعات كما رسمت خطوط تماس جديدة مغايرة لما كانت عليه قبل أستانا.
اليوم تنطلق جولة ثانية من اجتماع أستانا بهدف تكريس نتائج وآليات الجولة الأولى كمرجعية واقعية وعملية لطاولة جنيف التفاوضية المنتظرة في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، كذلك كمسارٍ سياسي تتسع دائرة أنصاره مع انضمام الأردن إلى أعماله بصفة مراقب، وأيضاً كتحدٍ استباقي لمحاولات الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب السعي لاستنزاف العدو اللدود:إيران والنداللدود:روسيا من البوابة السورية، وذلك من خلال فرض جدول أولويات جديد لمحاربة الإرهاب في سورية والمنطقة على أجندة جنيف بهدف إعادة رسم توازنات إقليمية جديدة لتعويم النظام السعودي ومراعاة المصالح الإسرائيلية في أي حلٍ مرتقب.
يحظى مسار أستانا برعاية أحادية روسية وشراكة إستراتيجية مع إيران وتفاهم تكتيكي مع تركيا ما يعني أن حصرية هذا المثلث كمرجعية سياسية وميدانية سَهَّلت إمكانية الوصول إلى تفاهمات مرحلية وموضعية، في حين أن تعدد المرجعيات في مسار جنيف أعاق حتى الآن وسيعوق أي احتمال لصياغة رؤية مشتركة مقبولة تضع سورية على سكة الحل القريب.
الوطن