روسيا حليف أم ضامن أم ساعي بريد..؟.. بقلم: إيهاب زكي

روسيا حليف أم ضامن أم ساعي بريد..؟.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

السبت، ١١ فبراير ٢٠١٧

 تحتاج للكثير من رباطة الجأش، كي لا تسخر من نفسك حين توسوس لك بتفنيد الترهات، وإن كان يعزيك-ولو مؤقتًا- أنّ الترهات أصبحت إيمانًا راسخًا في صدور الكثير من الخلق، ومثالًا على ذلك ما يقوله الكاتب التركي محمد زاهد غول، بأنّ "تدخل حزب الله وإيران في سوريا جاء خدمةً لمصالح أمريكا و"إسرائيل"، بعكس الموقف التركي الذي يدافع عن السنة المضطهدين(...) ويدعم الجيش السوري الحر لتحرير أراضيه من المحتلين الإيرانيين واللبنانيين من حزب الله وكل الطائفيين". وأي مرحلة من الإنفصام يحتاجها عضو ناتو ليتهم أعداء الناتو بالعمل لصالح الناتو، باعتبار أنّ العمل لصالح الناتو يشين الفاعلين من وجهة نظر الناتو، وتخيلوا حجم الأزمة التي ستجتاح المحافل العلمية والطبية لإعادة تعريف الشيزوفرينيا، فيما لو خرج ترامب أو نتن ياهو كلاهما أو أحدهما، بتصريحٍ يتهم فيه إيران وحزب الله بالعمل لمصلحة الناتو، باعتباره أمرًا مشينًا في حق إيران والحزب من وجهة نظر أمريكا و"إسرائيل"، وهذه الترهات لا تختلف كثيرًا عما يدور في الرأس التركي عن المناطق الآمنة واحتلال الباب ثم التوجه إلى الرقة.

أصبحت الباب بقعة تشكل مجسمًا مصغرًا عن الصراع في سوريا وعليها، وأود قبل الإضاءة على التفاصيل، العروج على المبادئ العامة التي تحكم منطلقات الصراع ومآلاته، وذلك انطلاقًا من مفاهيم القانون الدولي ومبادئ القانون السوري. حسب القانون السوري، فإنّ الباب مدينة سورية خارجة عن سيطرة الدولة بفعل الإرهاب، وفي هذه الحالة هو خروجٌ مؤقت تسعى الدولة السورية –كحقٍ لها وأحد واجباتها- لاستعادتها بكل الوسائل المتاحة، وبما أنها مدينة سورية، فإنّ خروجها من يد الإرهاب إلى يد إرهابٍ آخر لن يشكل فرقًا في الحقوق والواجبات، كما أنّ خروجها من يد الإرهاب إلى يد احتلال أيضًا لن يشكل فرقًا. وعليه، فإنّ حق الدولة السورية وواجبها في استعادة مدينة الباب هو أمرٌ لا جدال فيه قانونيًا وسياسيًا، بغض النظر عن الجهة التي تنتزع السيطرة عليها، ولن ينتهي الصراع قبل رفع الأعلام السورية وسط مدينة الباب وبسط سيطرة الدولة، وتحضرني وأنا أستمع للتصريحات التركية بما يخص الباب والرقة، تصريحات أرئيل شارون، "رئيس وزراء إسرائيل" الهالك، حين اعتبر أنّ "نتساريم" -مستوطنة في قطاع غزة- مثل "تل أبيب" في إشارة لاستحالة الانسحاب منها أو التفريط فيها، لكنه انسحب منها صاغرًا عام 2005.

أما في التفاصيل، فهناك ما يشبه حالة من الغموض تكتنف واقع التنسيق بين الأطراف ومواضع التفاهم والاختلاف، وهذا الغموض في جزئه الأعظم مرده الاصطفاف السياسي وليس واقع الحال، وهو في الغالب الأعم نتاج الموقف الروسي، فستجد من يتعامل مع روسيا باعتبارها ضامن لـ"النظام" على قدم المساواة مع الضمانة التركية لما يسمى بـ"المعارضة"، وهناك من يعاملها كوسيط بين "النظام" وما يسمى بـ"المعارضة"، أو كساعي بريد بين تركيا و"النظام"، وهناك من يراها دولة احتلال تنفذ سياساتها دون أي مرجعية سورية. ورغم أنّ الواقع يشي بعكس ذلك، إلّا أنّ البعض لا زال يصر على نمطية وسطحية التعاطي معًا، فروسيا على مدار الأزمة السورية كانت تتبنى مواقف الدولة السورية بشكلٍ لا تكاد تميز بين المعلم ولافروف، أو بين تشوركين والجعفري، ولكن هل هذا التطابق ينفي وجود الخلافات، قطعًا لا، لأن الخلاف قائم منذ البداية بحكم طبيعة الأشياء، فسوريا تنطلق من مبدأ كونها الدولة صاحبة السيادة على الأرض، وصاحبة الحق والواجب في الدفاع عن أرضها، فيما تنطلق روسيا من كونها دولة عظمى تريد استعادة مكانتها العالمية وترسيخ وجودها وتفعيل مصالحها. فروسيا بعكس سوريا، ليست صاحبة مصلحة وطنية وقومية، وهذا ما قد يسبب الغموض أحيانًا، لذلك فالفرق شاسع بين الحلف الرباعي سوريا روسيا إيران حزب الله، وبين الحلف الثلاثي سوريا إيران حزب الله، والحلف الثنائي سوريا روسيا، فروسيا عضو في تحالفين، بعكس سوريا التي هي عماد الأحلاف الثلاثة.

يعتبر البعض أنّ معركة الباب ستكون اختبارًا مهمًا للأحلاف والشراكات، وهذا الاعتبار أيضًا قائم على فكرة الاصطفاف، فالتحول الروسي والقبول به من دولة حليفة إلى دولة ضامنة، كان يتطلب الكثير من الإجراءات والتصريحات التي قد تفهم بشكلٍ مغاير، وتصريحات الرئيس الأسد للوفد البرلماني الروسي مؤخرًا لا تنم عن حياد مع طرفٍ ضامن، وإذا كان هناك من اختبار في الباب فهو للنوايا التركية، حيث كشف الاستهداف الروسي الأخير لجنودٍ أتراك، عن ثغراتٍ في التنسيق الميداني بالحد الأدنى، حتى لا نوسع دائرة الاستنتاجات، ولكن لا ضير من التنويه بأنه ليس من المستبعد على العقل التركي، أن يقوم بالاعتماد على تصريحات ترامب حول المناطق الآمنة، وتصريحاته النارية ضد إيران، في محاولةٍ لتصريفها ميدانيًا على حساب التفاهمات الروسية التركية الإيرانية، رغم أنّ المفترض أن يدرك أنه دخل تحت مظلة روسية إيرانية مظللة بغض طرف سوري، وانكشاف هذه المظلة يعني وحلًا لا منقذ منه، والخطوة الأولى نحو ذلك الوحل هي الرهان التركي على التصريحات الأمريكية للقفز على التفاهمات مع روسيا وإيران، ولكن رد الفعل التركي على الغارة الروسية، يشي بأنّ أردوغان لم يدخل مرحلة الرهان بعد، وستكون الأيام القادمة كاشفة خصوصًا بعد زيارة مدير المخابرات الأمريكية إلى تركيا.

- بيروت برس