التصعيد الأمريكي تجاه إيران.. هل ينذر بالحرب؟.. بقلم: إيهاب زكي

التصعيد الأمريكي تجاه إيران.. هل ينذر بالحرب؟.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الأحد، ٥ فبراير ٢٠١٧

 كل ما قيل وكل ما سيقال عن سياسة ترامب الحالية والمقبلة يكتسب ذات النسبة بين الخطأ والصواب، فمهما كان الجزار مخضرمًا، لا يستطيع توقع الحركة القادمة لثورٍ هائج إن دخل باحة البيت، ولكن هناك شيء وحيد ثابت في سلوكيات ذلك الثور، أنه عدوانيٌ وهائج، وكذلك ترامب. وعادةً ما تكون هذه آخر أخطاء الثور، وهذا ينطبق على التصعيد الأمريكي تجاه إيران، حيث سيكون إعلان الحرب العسكرية على إيران بمثابة آخر الأخطاء، وبما أنّ كل الإحتمالات واردة، فيجب عدم الركون إلى أنّ الهياج الأمريكي الترامبي هو مجرد صراخ لرفع سعر بضاعته، تلك البضاعة التي يسوِّقها لحراس النفط. وكنت قد تساءلت سابقًا عن الكيفية التي سيوفّق فيها ترامب بين عدائه الانتخابي لداعش-وليس للأسد- وبين صهيونيته المتأصلة، حيث داعش هي الدرع التي كان يُظَن أنها حصينة بما يكفي لدرء خطرٍ شديدٍ -أرادوه شيعيًا- عن "إسرائيل"، ولا أحد يستطيع الإجابة على هذا التساؤل مثل ترامب نفسه، فبدا من التصريحات الأمريكية أنّ عداءها لداعش دون الأسد، مشروطٌ بخروج إيران وحزب الله من سوريا.

ومع تصريحات وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس من طوكيو بأنّ "إيران هي الداعم الأكبر للإرهاب في العالم"، نستطيع إثبات المثبت بأنّ الإرهاب حسب التفسير الأمريكي هو كل خطرٍ يهدد "إسرائيل"، كما نستطيع الاستنتاج باطمئنانٍ أيضًا، بأنّ ورقة داعش والجماعات الإرهابية عمومًا في سوريا، ستبقى سارية المفعول بيد الولايات المتحدة كجزءٍ من الحرب على سوريا ومحورها، لأنّ اشتراط خروج إيران وحزب الله من سوريا مع استمرار العدوان، هو كمن يطلب من المنتصر إهداء نصره للمهزوم مشفوعًا بالاعتذار والندم. وبينما تضج تصريحات ترامب وإدارته بالهياج والعدوانية، تتسم الردود الإيرانية بالتحدي والسخرية، حتى الكيّس روحاني كان ساخرًا ولاذعًا حين اعتبر أن ترامب مبتدئ ولا علاقة له بالسياسة، وسيكلف أمريكا كثيرًا حتى يتعلم، وبين هذه وتلك أردف وزير الدفاع الأمريكي بأنه "لا يرى ضرورة لتعزيز عديد الجنود الأمريكيين في الشرق الأوسط"، وقبل ذلك كان صرح وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بأنّ "إيران لن تشعل حربًا أبدًا"، وهذا يدفعنا للقول بأنّ الوضع القائم سيستمر دون تغييرات عملية، باستثناء إضفاء بعض السخونة الكلامية.

ولكن في حال شنّت الولايات المتحدة عدوانًا عسكريًا على إيران، سيكون هناك عدة أطراف منخرطة في المجهود الحربي الأمريكي حسب الموقع والقدرة، أولها "إسرائيل"، ثم ما يسمى بـ"دول مجلس التعاون الخليجي" مع احتمال استثناء عُمان بشكلٍ لفظي، وأيضًا ما يسمى بـ"المعارضة السورية"، بكل "شقوقها" السياسية والإرهابية المتطرفة منها والمعتدلة ، ثم ما يسمى بـ"الشرعية اليمنية". وقد أجمع المحللون والكتاب في مضارب النفط مجتمعين، بأنه "في حال وقوع الحرب فلن نكون على الحياد بل في الصف الأمريكي"، وهم يرددون هذه العبارة بكل فخر ودون مواربة، وقد يكون هذا الصلف الفخري ناتجًا طبيعيًا للعادة، فدائمًا كانوا في الصف الأمريكي ولم يغادروه يومًا، ويحتاج الإنسان لمنسوبٍ هائل من "كوكتيل" الغباء والخيانة وانعدام الضمير وفقدان الحس الأخلاقي والإنساني ليصطف في هذا الخندق، بما أنه هناك فرقٌ شاسع بين المفروض والواقع.

ففي حال اندلاع الحرب يجب ألّا تصدمنا تحالفاتها، ويجب تهيئة أنفسنا للاستماع لمن "يقرأون الفاتحة بالعبرية الفصحى"، وبعيدًا عن الفكر الملوث بالوهابية، والذي استطاع تجيير الكثير من العقول تحت لافتة الخطر الإيراني أشد من الخطر "الإسرائيلي"، فهناك من يحاول تجيير البقية على قاعدة عدو عدوي ليس صديقي، أي أنّ عداءنا لـ"إسرائيل" لا يجعل من إيران صديقة، ولكن هؤلاء وهم يتشدقون بالعداء لـ"إسرائيل" لا يلتفتون لصداقتهم وتبعيتهم لأنظمة النفط رغم وجودها في الخندق "الإسرائيلي".

في الخاتمة، فحتى هذه اللحظة يبدو التصعيد الأمريكي مجرد "بزنس"، يمارسه ترامب في سبيل استنزاف الخزينة المنهكة لحراس النفط، وكما يقول توماس كلارك مدير موقع الدفاع الأمريكي "قد تكون بعض سلوكيات ترامب مستهجنة لكنه ليس مجنونًا ليشن حربًا على إيران"، وهنا لا بد من التذكير بسياسة الباب الدوار، حيث يجود تقارب سعودي خليجي عمومًا مع "إسرائيل"، يقابله رضى أمريكي عن العرش السعودي وتصعيد ضد إيران، يقابله ارتهان الخزينة السعودية والخليجية لتحقيق المصالح الأمريكية داخليًا وخارجيًا. وبالعودة للتاريخ، فإنّ العداء السعودي لإيران ليس سعوديًا ذاتيًا، لكنه عداء أمريكي "إسرائيلي" لإيران وضعت السعودية نفسها في خدمته منذ البداية، فلم يكن لهذا العداء أن يتفاقم لو حايدت السعودية فيه أو صالحت أمريكا إيران، وفي حال اندلاع الحرب ستجد السعودية نفسها أكبر الخاسرين، ليس لأنها سنية أو عربية أو سعودية على الإطلاق، بل كونها أداة أمريكية "إسرائيلية" للعدوان. فعلى افتراض تزامن إعلان الحرب الأمريكية على إيران مع إعلان سعودي بحياديتها وعدم السماح لانطلاق العدوان من أراضيها وعدم السماح لمشاركة القواعد الأمريكية على أراضيها بالحرب، فما المسوّغ الإيراني لتكون أراضيها هدفًا للصواريخ، وهذا ينطبق على كل العروش النفطية، وبقدر ما هذا الموقف مستبعد، بقدر ما هو مستبعد أن تكون الحرب على إيران قرار ترامب النهائي.

 - بيروت برس -