العالم بين استمرارالصراع والسلام .. استحالة هزيمة سورية..بقلم: المهندس ميشيل كلاغاصي

العالم بين استمرارالصراع والسلام .. استحالة هزيمة سورية..بقلم: المهندس ميشيل كلاغاصي

تحليل وآراء

السبت، ٤ فبراير ٢٠١٧

وسط الإجماع الكبير لتوصيف الحرب على سورية بأنها حرب ٌ كونية وصراع ٌ دولي بإمتياز... ومع اشتدادها و إرتفاع منسوب التآمر الدولي , تزداد الحاجة لمعرفة ما ستؤول إلى نتائجها, وكيف سيكون عليه الحال في المستقبل القريب والبعيد مع كثرة التحاليل والتوقعات , وفي خضم الكم الهائل من التداعيات والتبعات على المستوى الداخلي في سورية والمنطقة والعالم.
فالحرب لا تزال مستمرة , ولم تبح بكل أسرارها , ولم تتبلور بعد أيا ً من نتائجها و أقله لم يتمكن أي طرف ٍ من تحقيق كل أهدافه وغاياته , ونستطيع القول أن درجة التعقيد والغموض تلف الزمان و المكان , وتبقى من الثوابت الواضحة و المعول بها حتى الاّن أن الإرهاب والفوضى لا زالت تضرب في سورية و اليمن والعراق وليبيا و أغلب دول المنطقة , وتنعكس نتائجها المرحلية على كامل مساحة الكرة الأرضية .
إن الصراعات الدولية الحديثة لم تعد تنحصر بين دولة ٍ وأخرى فقط , أو بين عدة دول , ويمكنه أن يكون صراعا ً في مجتمع ٍ واحد , بعد أن يتخذ شكلا ً محليا ً ظاهريا ً ومضمونا ً إرهابيا ً محلي المصدر أو مستوردا ً بطرق مختلفة و من أماكن مختلفة , أو أن يجمع بين الإثنين معا ً, فقد يكون الصراع عاما ً وخاصا ً في نفس الوقت و تختلط فيه أدوات الصدام الإجتماعية المحلية , وتكتسب حلة ً خارجية في مسعى ً لتغيير أسس اللعبة الدولية و لعبة الصراعات المختلفة التي تنمو و تتزايد يوما ً بعد يوم في عالمنا .
فلو نظرنا إلى خارطة العالم فسنجد أن الصراعات تطال دولا ًعديدة , وأن هناك دولاً جديدة قد تظهر وأخرى قد تختفي وسط ظهور جماعات عرقية وطائفية تطالب "بحقوقها" فجأة ً!! ..
ففي بيئة ٍ عالمية متغيرة وفي عالم ٍ يزداد فيه العنف و يتضاءل فيه منسوب السلام, يتأكد تقاعس وضعف وفشل العالم في قدرته على إنتاج الحلول في الماضي والحاضر و ربما المستقبل , وعليه فقد تجد الدول نفسها مجبرة ً على تبديل أدواتها وتغيير مواقفها في مختلف أشكال الصراع, وقد يتحول أعداء اليوم إلى أصدقاء الغد والعكس صحيح.
وإذا ما حاولنا السير بين نظرية المؤامرة و رافضيها , نجد أن أعلب الصراعات تنشأ بفعل بعض الدول و الشعوب التي تمتلك طبيعة عداونية بحكم أهدافها و طريقة تفكيرها ( الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الإسرائيلي الغاصب ودولة العدوان التركي و غيرهم ) , فتقع بعض الدول فريسة أطماعهم وشهواتهم , وتنشأ فكرة الإجبار والفرض بالقوة السياسية أو العسكرية أو كليهما معا ً.
لا نستغرب تأخر الشعوب الأوروبية و الغربية في الضغط على حكوماتها لوقف الحرب على سورية  , فما تعرضه وسائل الإعلام (المغرضة أو الحيادية) من مشاهد بؤس ٍ مؤلمة لأطفال من سورية والعراق واليمن وغيرها , كذلك مشاهد الدماء والخراب والخوف في فرنسا بعد أحداث شارلي إيبدو الإرهابية , ومشاهد تفجيرات بلجيكا أو اسبانيا...إلخ, يؤدي – دون شك -  إلى تحريك ردود أفعال الشعوب سلبا ً أم إيجابا ً , ويدفعهم لقبول بعض النتائج المرحلية للصراع , والتمترس وراء دعم حكوماتهم وتبريرها لسياساتها الخاطئة في الحل و اللجوء إلى القوة العسكرية , دون الإكتراث بعدد الضحايا و المنكوبين والتكلفة الباهظة للحروب , وبما يحرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية لما يجري , و يُعمد إلى تحميل الإرهاب - ككيان منفصل - مسؤولية ما يحدث , فيأتي طرح الحول الخاطئة حول ضرورة إنهاء الحرب في سورية والمنطقة عن طريق التقسيم أو الفدرلة أو بدعم الإرهابيين أنفسهم بثوبهم الشعبي المعارض المسلح !, فتتحول الأنظار نحو هدف ٍ مزور غير حقيقي وتحميله نتيجة الفشل في إنتاج الحلول , فيتحول التركيز نحو إقصاء الدولة السورية و فرض المزيد من العقوبات على الشعب السوري , و رحيل الرئيس بشار الأسد , دون التدقيق في دوره الأساسي والذي ظل وحيدا ً لأكثر من خمس سنوات ٍ يواجه الإرهاب و يحاربه نيابة ً عن العالم أجمع و الإنسانية كلها.
وكان على الدول العربية أن تعيد قرائتها المتأنية لملف الصراع العربي – الإسرائيلي , كملف ٍ أساس للصراع في المنطقة , قبل قبولها التاّمر والإندفاع نحو تدمير الدولة السورية , والعودة لبداية نشوء فكرة الوطن البديل وتاريخ نشوء الحركة والفكر الصهيوني, وتحليلها و إنتاج الحلول المناسبة لها من خلال الثوابت العربية والقومية والحق العربي والفلسطيني بعيدا ً عن التسرع والتهور واليأس والإستسلام و بواقعية .
ومن الأهمية بمكان تسليط الضوء على صانعي القرار العالمي وخلفياتهم وأهدافهم وخياراتهم المتاحة , والإهتمام بمن حولهم ونوعية النصائح والضغوط التي تردهم وتطبق عليهم .. فالحديث عن "عقيدة" أوباما يبدو مضحكا ً في هذا السياق, كذلك استقلالية قرار الرئيس دونالد ترامب و تقديم نفسه منقذا ً للولايات المتحدة و بطلها القادم .. فالأشياء تُحسب إذا ما أردنا حسابها.
إن إندفاع الدول وبعض المنظمات الأممية والحقوقية والإنسانية , لتقديم إحصاءات رقمية جامدة , أو تقارير إنسانية مزيفة و مسيسة , وتقديمها إحصاءات عن عدد إرهابيي "داعش" و"النصرة"  في سورية و العراق واليمن وحصة ونسبة دول الجوار والدول الأوروبية والغربية في الإستحواذ على جنسياتهم , يأتي على حساب تحليل ومعالجة أسباب ظهور وانتشار الإرهاب في صفوف مواطنيهم , والعمل على وقف هذه المهزلة ؟.
كان من المهم للدولة السورية ولكافة الدول والشعوب التي تتعرض للإرهاب , أن تكسب المعركة الإعلامية,   عبر رصد كافة العناصر غير المحسوبة عادة ً كعوامل العناد والغطرسة والعنجهية والمرواغة والسمات الشخصية كالحقد والكراهية و دوافع الإنتقام الشخصي, لحكام الخليج العربي بمختلف ممالكه و مشيخاته , واعتمادها أسبابا ً رئيسية لقبولهم التاّمر على سورية , وانخراطهم في خدمة المشروع الصهيو- أمريكي ضدها.
أما الدولة والشعب والرئيس الأسد , فقد تمكنوا من الصمود والبقاء بعد ست سنوات من الحرب الدولية – المركبة, وسارت الدولة عبر حقول الألغام الدولية و رزمة المخططات والمشاريع الشيطانية الخبيثة, وواكبت كافة المتغيرات وقواعد الإشتباك المستجدة , بعد نفاذ وسقوط ورحيل النسخ الأولى للحرب عليها , واستبدال أغلب اللاعبين خصوصا ً اللاعب الأمريكي الجديد كمغامر أو مقامر لا فرق .
إن لجوء الرئيس الأسد إلى حساب مصلحة الدولة والشعب السوري بميزان الهوية والتكلفة والعنفوان والشجاعة , دفعه لإتخاذ  قرار المواجهة ليقينه أن ثمن المواجهة أقل بكثير من ثمن الإستسلام , ومضت الدولة بقيادته نحو التعايش مع الصراع لحين الحل , فقد طرح الرئيس الأسد منذ اليوم الأول الحوار وتعديل وتغيير الدستور و المصالحات الوطنية والشعبية و سلسلة ً واسعة من الطروحات التي تشكل حلا ً مناسبا ً لما يدعوه البعض " الأزمة السورية ", وانتظرت سورية إنصاف العالم ووعيه و و إدراكه خطر تفشي الإرهاب و إرتداده على صانعيه ونحو الكثير من الأبرياء حول العالم , واتجهت نحو محاربة الإرهاب , في الوقت الذي حرصت فيه على استمرار حياة الدولة بكافة مؤسساتها , وإنطلقت نحو إعادة الإعمار الذاتي بأيادي السوريين , وضربت مثلا ً رائعا ً لكافة دول وشعوب العالم حول كيفية إدارة الصراع والتعايش معه والتقدم نحو النصر السياسي والعسكري , أو إنكفاء المشروع المهزوم برمته تلقائيا ً, فالإعتقاد بهزيمة سوريا أصبح جزءا ً من أحلام يقظة الحالمين , وبإنتظار تعقّل العالم وقراره بإنهاء الصراع الدولي للعصر الحديث - قبل فوات الأوان – و قبل فتح المزيد من الجبهات الساخنة في المنطقة والإقليم والعالم , تحت شعار " كفى .. فالشعوب تحتاج السلام" .