الفشل الأميركي الكبير في سورية.. بقلم: جورج حداد

الفشل الأميركي الكبير في سورية.. بقلم: جورج حداد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٣١ يناير ٢٠١٧

 عشية وفي بداية المعركة الدائرة في سوريا صمّت الاذان صيحات المعارضة "السلمية!" السورية حول الدمقراطية وحقوق الانسان والحريات العامة المفقودة في سوريا وحول الدكتاتورية والقمع والاستبدادية والحكم العائلي والفردي والفساد في النظام السوري، وغير ذلك من بضاعة البروباغندا الأميركية التي درجت المخابرات الأميركية على فتح مجاريرها مع كل "ثورة ملونة" أطلقتها بواسطة المعارضات المرتبطة بالغرب في جميع دول ما كان يسمى "الستار الحديدي" السابق.

المخابرات الأميركية تركب موجة "الربيع العربي"

وقد جربت المخابرات الأميركية الوصفة البروباغندية ذاتها لمواكبة وتطويع وركوب موجة ما سمي "الربيع العربي" المزعوم والمشؤوم، التي حققت "نصف نجاح" في تونس ومصر واليمن، ولكنها فشلت في ليبيا، فاضطر الحلف الأطلسي لاستخدام أساطيله الجوية الى جانب أسطول البروباغندا وأسطول القبائل و"الاسلامويين!" التكفيريين للتخلص من نظام القذافي.
الفشل الكبير في سوريا
أما في سوريا فقد فشلت أساطيل البروباغندا فشلاً ذريعاً بسبب هزال المعارضة "الإصلاحية!" و"السلمية!" السورية ذاتها وكونها اسم على غير مسمى، ولم يكن قادتها أكثر من تشكيلة عملاء ومناضلين سابقين تحولوا الى مهرجّين معروضين للبيع في سوق "العهر السياسي" والاضطلاع بدور أقنعة "ليبيرالية" و"تقدمية" و"وطنية" و"يسارية" لوجه الوحش الارهابي "الاسلاموي".
وفي غضون أسابيع قليلة أفلست المعارضة "السلمية!" إفلاسا تاماً، وبدأت العمليات العسكرية الداخلية وخصوصاً التفجيرات الإرهابية. ولكن سرعان ما ظهر ايضاً عجز المعارضة المسلحة "الداخلية" عن زعزعة النظام وقواته المسلحة التي تبين انها قادرة على سحق المعارضة بفركة كعب. ولكن النظام أخذ يلعب مع المعارضة المسلحة لعبة القط والفار، لكسب الوقت وإعطاء الفرصة للمعارضة "السلمية!" لأخذ دورها في عملية التسوية السياسية التي كان يقترحها (أي النظام) على المعارضة الصادقة اذا وجدت.
ولكن سرعان ما ظهر العجز المزدوج للمعارضة "الداخلية" السورية "السلمية!" والمسلحة معاً: العجز عن اسقاط النظام، والعجز عن إنجاز تسوية سياسية معه تقود الى إصلاحه.

المعارضة "الوطنية!" تطالب بالتدخل الخارجي

ولتغطية هذا العجز الفاضح، بدأ قادة المعارضة السورية "الوطنية جداً!!!" يتنقلون بين فنادق الخمس نجوم في تركيا وفرنسا والسعودية وواشنطن، ويعقدون المؤتمرات، ويتبارون في المطالبة بالتدخل العسكري الخارجي وبتدريب وتسليح أنصارهم البلهاء، الذين كان بعضهم يلقي الموظفين الحكوميين البسطاء من فوق أسطح البنايات، او يذبحونهم كالنعاج ويأكلون قلوبهم ويلقون جثثهم في الانهار وهم يهللون ويكبّرون. وطرحت القضية السورية بشدة في جامعة الدول العربية التي كشفت تماما عن وجهها الحقيقي كأداة "سايكس ـ بيكوية" تابعة للسياسة الأميركية.
روسيا قاهرة النازية وأميركا والداعشية
ثم طرحت القضية السورية أيضا بأكثر شدّة في مجلس الأمن، فيما القوات الاطلسية جاهزة لساعة الصفر، ولكن جهود أميركا وحلفائها وأتباعها اصطدمت بقوة بالفيتو المزدوج الروسي ـ الصيني. ومنذ البدء أعلنت روسيا انها ستقف بقوة ضد اي تدخل عسكري خارجي على الطريقة الليبية، وانها تعارض أي حل غير سياسي للأزمة السورية. فصعقت الكتلة الغربية والموالية للغرب بمجملها وارتعدت فرائصها. ووجدت الصين، وبدون أي ضجة، أن من مصلحتها تأييد الموقف الروسي، ولو كانت ستخسر ما كانت تراهن عليه من علاقات تجارية ومالية استراتيجية مع أميركا. ولكن لمعرفة أهمية الموقف الصيني، يكفي ان نتذكر ان 60% من القوات المسلحة الأميركية خارج أميركا تحتشد في طوق محكم حول العملاق الصيني الذي لم يكن بإمكان أحد أن يتكهن باحتمالات ردود فعله حيال اي محاولة لـ"كسر كلمته" والاستخفاف بموقفه وعدم التقدير والاحترام التام لأهمية التحالف الروسي ـ الصيني، الذي يمثل الضمان الرئيسي للأمن القومي والسيادة الوطنية للصين.

النازية أو الصهيونية الجديدة: الجيش "الاسلاموي!" العالمي

ولكن في ظروف العجز عن التدخل العسكري الأميركي ـ الأطلسي المباشر في سوريا، لم تقف أميركا وحلفاؤها الدوليون والاقليميون مكتوفي الايدي. وتم الاتجاه بقوة نحو استخدام الجيش الاحتياطي الاستراتيجي الأميركي الكبير، المتمثل في الحركات "الاسلاموية!" الارهابية والتكفيرية كالـ"قاعدة" وأخواتها، وهو الجيش الذي سبق استخدامه بنجاح في افغانستان ضد الاتحاد السوفياتي السابق.
وبدأ تدفق عشرات آلاف المقاتلين "الاسلامويين!" التكفيريين من عشرات البلدان العربية والاسلامية والأجنبية نحو سوريا، عبر الحدود اللبنانية والأردنية والعراقية وخصوصاً عبر تركيا التي تحولت الى "قاعدة" حقيقية، عسكرياً ولوجستياً، للجيش العالمي "الاسلاموي!" التكفيري الذي هُيئ للانقضاض على سوريا وتمزيقها، ومن ثم للانقضاض على اي بلد عربي او غير عربي آخر، حسبما تقتضي الإستراتيجية الأميركية، المنسقة تماما مع الإستراتيجية "الإسرائيلية". ولم يكن يضير أميركا والأطلسي بشيء ان يتم تفريغ بعض المستودعات العسكرية من الأسلحة التقليدية لتسليح الجيش "الاسلاموي!" العالمي الحليف، مع العلم أن ثمن التمويل الأساسي لهذا الجيش جاء من الدول العربية النفطية "الصديقة" للغرب وخصوصاً السعودية وقطر.

الخوف الأميركي على أمن "إسرائيل"

ومع ـ بالأخص ـ وجود قوات المقاومة بقيادة حزب الله على الحدود اللبنانية مع "إسرائيل"، التي اصبحت اميركا والناتو و"إسرائيل" تعتبرها جزءا من حدود الحلف الموضوعي الممتد من موسكو الى بنت جبيل، واخذا بالاعتبار اي مضاعفات "غير مرغوبة" من لبنان او من الجولان المحتل، عزز الجيش الاميركي وجوده في "إسرائيل" واجرى، منذ اكثر من سنتين، بالاشتراك مع الجيش الإسرائيلي اكبر مناورات عسكرية في تاريخ "إسرائيل" تم فيها إجلاء ملايين الإسرائيليين الى الملاجئ. وقام وزير الدفاع الاميركي بزيارة عمل الى تركيا، وانزلت منظومة الصواريخ المضادة للصواريخ من طراز باتريوت على الاراضي التركية بطواقمها الأميركية، بحجة ضبابية هي حماية تركيا من "العدوان السوري" المحتمل.
ولكن بفضل صمود حلف المقاومة فإن كل جهود الجيش "الاسلاموي" العالمي وتركيا و"إسرائيل" والكتلة الغربية باسرها، ضد سوريا، انطبق عليها القول المأثور:
كناطح صخرة يوما ليوهنها
العهد