اقتتال إدلب بوادر إخفاق تركي أم محاولة لخلق معتدلين جدد؟.. بقلم: عبد الله علي

اقتتال إدلب بوادر إخفاق تركي أم محاولة لخلق معتدلين جدد؟.. بقلم: عبد الله علي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٣١ يناير ٢٠١٧

تحيط الكثير من الملابسات الغامضة بالاقتتال الحاصل بين الميليشيات المسلحة في محافظة إدلب سواء على صعيد علاقتها بمخرجات اجتماع أستانا التي وضعت فرز الميليشيات الإرهابية عن الميليشيات الأخرى على سلم أولويات هذه المرحلة من عمر الحرب السورية. أو على صعيد مدى قدرة أنقرة باعتبارها الطرف الضامن لوفد الميليشيات المشاركة في الاجتماع على التأثير في هذه الميليشيات والضغط عليها لتنفيذ المقررات الناتجة عنه.
فبالنسبة لـ«جبهة النصرة» التي شكلت مؤخراً «هيئة تحرير الشام» مع ميليشيات أخرى، فإن الغاية من الاقتتال هي إفشال الاجتماع وإجهاض مقرراته. على حين يعتبر بعض المتفائلين أن هذا الاقتتال هو محض تنفيذ لما ورد في البيان الختامي لاجتماع أستانا حول محاربة التنظيمات الإرهابية «داعش» و«النصرة». ويتجاهل هؤلاء حقيقة أن «النصرة» هي من أخذت زمام المبادرة وابتدأت الميليشيات بالقتال وليس العكس. كما أن سرعة انهيار الميليشيات في مواجهة هجوم «النصرة» واضطرارها إلى الاحتماء بحركة «أحرار الشام»، يثير الكثير من الشكوك حول مدى مصداقية هذه الميليشيات المشاركة في الاجتماع ومدى جديتها في تنفيذ مقرراته، لأن عدم استعدادها العسكري للمواجهة مع «النصرة» من شأنه أن يثبت أن هذه الميليشيات إما أنها لم تكن تدرك المطلوب منها في الاجتماع أو إنها كانت تخطط للمناورة والالتفاف على مقرراته. وفي كلتا الحالتين يبدو أن الرهان على هذه الميليشيات وقدرتها على إحداث فرق في عزل «النصرة» لم يكن بمحله، إن لم يكن انتهى بالفعل إلى إخفاق ذريع.
وقد أثبتت «النصرة» خلال الأسبوع الأول من الاقتتال أنها تشكل رقماً صعباً بين الميليشيات المسلحة لا يمكن تجاوزه بسهولة. فهي لم تكتف بالضغط العسكري على الميليشيات الأخرى وإجبارها على حل نفسها والذوبان ضمن جسد «أحرار الشام»، بل سارعت إلى استقطاب عدد من الميليشيات الكبيرة أمثال «الزنكي» و«جيش السنة» و«لواء الحق» وشكلت معها «هيئة تحرير الشام» وهو ما كرّسها عملياً على رأس كيان قوي ليس بمقدور أي تحالف ميليشياتي آخر مهما بلغت قوته التغلب عليه أو عزله، مع أن جميع المعطيات المتوافرة حتى الآن تؤكد عدم وجود قرار حاسم بمواجهة «جبهة النصرة» لا من «أحرار الشام» ولا غيرها من الميليشيات، وهذا ما أثبتته على الأقل اللغة التصالحية التي تحدث بها أبو عمار العمر قائد أحرار الشام في تسجيله المصور قبل أيام عندما طرح تشكيل محكمة لحل الخلافات بين الطرفين ملمحاً إلى إمكانية بحث موضوع الاندماج الكامل بين ميليشيات الساحة السورية بعد ذلك.
وعلى الرغم من أنه لن يكون من قبيل الخطأ القول إن تركيا فشلت لحد الآن في مهمة عزل التنظيمات الإرهابية حسبما قرره اجتماع أستانا، إلا أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن تركيا فقدت كل دورها وقدرتها التأثيرية في المشهد الميليشياتي.
ومن غير المستبعد أن تكون الإدارة التركية لهذا الملف تتبع إستراتيجية متوسطة المدى تقوم على محاولة تحقيق التوازن بين متطلبات التنسيق مع روسيا من جهة، والاحتفاظ بأوراق ضغط بيدها للمراحل اللاحقة من جهة ثانية.
وهنا ينبغي عدم الاستخفاف بما يجري داخل حركة أحرار الشام من انشقاقات فردية وجماعية لمصلحة هيئة تحرير الشام أو من تحالفات واندماجات مع ميليشيات أخرى. لأن هذا زلزال حقيقي ضرب قلب الحركة وقد يؤدي من حيث المآل إلى إحداث تغييرات جذرية في توجهاتها العامة على جميع الصعد ولاسيما العسكرية والسياسية.
وبمراجعة سريعة لأسماء من انشق عن الحركة سواء من قادتها العسكريين والشرعيين أو من الألوية والكتائب، يمكن القول إن الحركة خسرت قسماً لا يستهان به من قوتها العسكرية ومن كوادرها الأكثر كفاءة وخبرة وخصوصاً عندما يجري الحديث عن انشقاق «لواء التمكين» أو «لواء المدرعات» وعن انشقاق قادة من وزن أبو علي ياسر القائد العسكري في حلب وأبو إسلام مدرعات وأبو حمزة المصري وغيرها من الأسماء المتداولة إعلامياً. لكن هذه الخسارة العسكرية يقابلها أن الحركة تخلصت من تناقضاتها الداخلية أو قسم كبير منها وأنها بطريقها للتحول إلى كيان منسجم مع نفسه لا ترهقه صراعات الأجنحة والتيارات داخله.
وهذا التحول في «أحرار الشام» قد يكون مطلباً تركياً بالدرجة الأولى وخصوصاً أن تركيا باتت تدرك أن دورها في حل الأزمة السورية أصبح رهناً بطاعة الميليشيات المسلحة لها على الأرض. ولم يعد خافياً وجود جناح ضمن «أحرار الشام» كان يعارض تبعية الحركة المطلقة لأنقرة، حتى إنه صدرت مؤخراً دراسة عن أحد مراكز الحركة تحدثت بشكل مباشر عن وجوب العمل على الحفاظ على استقلالية ما تجاه أنقرة لأن الأخيرة باتت تتعاطى مع الأزمة السورية من باب الحفاظ على أمنها القومي فحسب دون أن تأخذ بالحسبان مصلحة الميليشيات التي تعمل معها. ويشكل المنشقون عن الحركة أغلبية هذا التيار ما يعني أن ما تبقى من الحركة سيكون أكثر طواعية للأوامر التركية.
وقد تكون عملية التحول هذه في أحرار الشام إحدى الخطوات التي تتخذها تركيا لإنشاء «جناح معتدل» تابع لها، يمكنها من خلاله خوض غمار أي محادثات سياسية مستقبلية لحل الأزمة السورية.
لكن تظل هناك تحديات تواجه هذا المخطط التركي، أهمها أن تطويع أحرار الشام يقابله تصاعد قوة التيار الآخر الذي تقوده «جبهة النصرة» والذي سيسعى لإفشال أي تسوية سياسية. كما أن «معتدلي واشنطن» لم يخفوا أن انضمامهم إلى أحرار الشام هو إجراء مؤقت سينتهي بزوال أسبابه وهو ما عبر عنه صراحة مصطفى سيجري عضو المكتب السياسي في «لواء المعتصم» أحد أبرز الميليشيات المدعومة من الولايات المتحدة.

الوطن