تركيا... التملّص من أستانة إلى «مناطق ترامب الآمنة» ..بقلم: معن حمية

تركيا... التملّص من أستانة إلى «مناطق ترامب الآمنة» ..بقلم: معن حمية

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٧ يناير ٢٠١٧

ما إن تلفّظ الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إحدى مقابلاته الصحافية بعبارة «مناطق آمنة» في سورية، حتى سارعت تركيا، وكذلك قطر إلى إعلان موقف مرحّب ومؤيد، لا سيما أنّ هذا الأمر تسعى اليه تركيا والدول الداعمة للإرهاب منذ بدء الحرب على سورية.

غير أنّ موقف ترامب ليس جديداً، فهو أعلن ذلك قبل شهر ونيّف، مؤكداً أنّ بلاده لن تتحمّل أعباء إقامة مثل هذه المناطق، وأنه سيطالب دول الخليج بتقديم الأموال المطلوبة. وفي الموقف ذاته أعلن رفض سياسة تغيير الأنظمة التي اتبعتها إدارة باراك أوباما.

وبمعزل عما إذا كان ترامب جادّاً في شأن «المناطق الآمنة»، أو أنه يذكّر دول الخليج بضرورة دفع الفاتورة الباهظة، فإنّ هناك سؤالاً استفهامياً يُطرح حول تلقف تركيا للإعلان، ومدى تعارضه مع الجهود التي تبذل لتثبيت وقف النار في سورية؟

هنا لا بدّ من التذكير بأنّ ذهاب تركيا إلى «أستانة»، لم يكن مساراً إرادياً، بل نتيجة التقدّم الميداني الكبير الذي أحرزه الجيش السوري وحلفاؤه، والذي أفضى إلى تحرير مدينة حلب من المجموعات الإرهابية، وأدّى إلى إسقاط ورقة حلب من يد تركيا.

ولذلك، فإنّ تركيا لن تفوّت أيّ فرصة، للتملّص من التزامات قطعتها للروس والإيرانيين مقابل تأمين إخراج المجموعات الإرهابية من شرق حلب، وهي، أيّ تركيا ربما وجدت في إعلان ترامب، فرصة سانحة للاتكاء مجدّداً على الموقف الأميركي وإفشال الجهود الروسية ـ الإيرانية الصادقة لتثبيت وقف إطلاق النار في سورية وتعبيد طريق الحلّ السياسي.

وحيث إنّ الإعلان الأميركي يحتاج إلى قرار لم يصدر رسمياً عن ترامب، وحيث إنّ هناك فترة زمنية تصل إلى تسعين يوماً أمام وزارتي الخارجية والدفاع لرفع تصوّر بهذا الخصوص، فإنّ أمنيات تركيا وقطر وغيرهما تبقى معلقة في فضاء الأوهام، ففي غضون ثلاثة أشهر، قد يؤدّي الجهد الروسي الإيراني إلى نتائج ملموسة بما خصّ الحلّ السياسي، بعد اتفاق تثبيت وقف إطلاق النار في «أستانة»، والسير عملياً بفصل «داعش» و«النصرة» والمجموعات المرتبطة بهما عن سائر المجموعات الأخرى. وهذا الفصل ترجم على أرض الواقع من خلال المعارك الطاحنة في إدلب بين جبهة النصرة من جهة، وباقي المجموعات المسلحة من جهة أخرى.

وفي حال تمّ التوصل في جنيف إلى توافق على مندرجات الحلّ السياسي، بديهي أن لا تسير الولايات المتحدة الأميركية بخيار «المناطق الآمنة»، لأنها تدرك بأنّ الهدف الأساس من وراء المطالبة التركية بها، هو إقامة حواضن للإرهاب والتطرف.

وليس خافياً أنّ روسيا وضعت في «أستانة» مجموعة عناوين للحوار، وهذه العناوين جاءت على شكل صيغ دستورية، إلا أنّ الروس يدركون جيداً أنّ المسار الطبيعي لإقرار الصيغ الدستورية، يمرّ بالمؤسسات الشرعية السورية مجلس الشعب ، وهم ملتزمون بهذا المسار، لأنّ كلّ فلسفة المؤازرة الروسية لسورية في حربها ضدّ الإرهاب، تقوم على أساس استجابة روسيا لطلب الدولة السورية بالمؤازرة.

ما هو واضح أنّ ترامب يوصل رسائل إلى القريب والبعيد، بأنه ماضٍ في ترجمة شعاراته الانتخابية بشأن مختلف القضايا، إلا أنّ أمر «المناطق الآمنة» في سورية، له حسابات مختلفة ومعقدة.

روسيا التي تبدي مرونة كبيرة وتدعم الوصول الى حلّ سياسي في سورية، تنطلق من أساسيات الحفاظ على وحدة سورية دولة وشعباً ومؤسسات، وتتكئ على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي يؤكد على وحدة الأراضي السورية، وهذا القرار يشكل الغطاء الكامل لروسيا عسكرياً وسياساً. ولروسيا حلفاء أساسيون مثل الصين وإيران، وبين أميركا والصين «سياسة صين واحدة» وبين أميركا وإيران «الاتفاق النووي».

في العودة إلى الترحيب التركي بالمناطق الآمنة هذا يشكل خروجاً على التفاهمات الروسية التركية، وفد يُعيد الأمور إلى مربع «الاشتباك» السياسي، مع العلم أنّ الأتراك ليسوا قادرين على المناورة كثيراً، في ظلّ عقدة مدينة الباب التي كشفت عجز تركيا عن تثبيت أقدامها في الشمال السوري.

ما هو مؤكد أنّ الاغتباط التركي ـ القطري بالإعلان الأميركي لن يستمرّ طويلاً، فالإدارة الأميركية الجديدة لا تزال في طور رسم الصور وترتيب الملفات حول مختلف الشؤون والقضايا، وما من ملف مكتمل أو صورة واضحة، حتى الآن.