أستانة وانتصار الشرعية.. بقلم: ‘يهاب زكي

أستانة وانتصار الشرعية.. بقلم: ‘يهاب زكي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٥ يناير ٢٠١٧

لم يعد بخفّيْ حُنين من أستانة سوى ما يسمى بـ"وفد المعارضة المسلحة"، رغم أن مجرد وجود أمثال تلك الشخصيات في ذلك المحفل يفوق بقيمته خفّيْ حُنين، ولكن البيان الختامي للمؤتمر قد صدر بالرغم من كل محاولات التشويش والعرقلة التي مارسها الوفد المذكور، دون الأخذ بعين الاعتبار أيًا من صبيانيات الوفد والتي سمّاها تحفظات. واستطرادًا، فالتحفظ هو من أعمال السيادة للدول، والقانون الدولي لا يعترف بما يسمى "معارضات مسلحة"، فبعيدًا عن التسخير السياسي والنفاق الدولي، فالدول هي صاحبة الحق الحصري والاحتكاري في استخدام القوة، وكل ما عدا ذلك يدخل في إطار التجريم أو الإرهاب حسب الحالة، كما أن التحفظ يتطلب أن يكون المتحفظ طرفًا في الاتفاق أو المعاهدة، وما يسمى بـ"وفد الجماعات المسلحة" ليس طرفًا سياديًا بل إنه ليس طرفًا أصلًا، حيث أن الاتفاق هو بين دولٍ ثلاث، هي روسيا إيران وتركيا. وعليه، فإنّ المتحفّظ ليس ذا صفة باعتباره ليس طرفًا في الاتفاق كما أنه ليس طرفًا سياديًا، هذا بعكس ترحيب الطرف السيادي بالاتفاق، أي الدولة السورية عبر وفدها، حيث أن الاتفاق لن ينتج مفاعيله على الأرض دون موافقة الطرف السيادي، وهو حصرًا الدولة السورية.

ومن ضمن التحفظات التي أبداها ما يسمى "وفد الجماعات المسلحة" والتي تعتبر دليلًا على السيادية الحصرية والمطلقة للدولة السورية، هو هذا اللفظ بحد ذاته، أي "المجموعات المعارضة المسلحة"، وقد طالبت بتغييره إلى" الوفد العسكري الثوري"، فحسب القانون الدولي فإن هذه التسمية تحمل مدلولات الخروج على القانون، في حالة جرمية أو إرهابية، ومع ما تسمى بـ"المعارضة السورية" تنطبق كلتا الحالتين، الجرمية والإرهابية. وبما أنّ تركيا من ضمن أطراف الاتفاق، فهي تُقر بشكلٍ غير مباشر بدعمها لجماعات إرهابية خارجة عن القانون، وقد يتيح هذا مستقبلًا محاكمتها بالقانون المجرد إن رغبت الحكومة السورية بذلك، أو أن تدفع ثمنًا سياسيًا للحكومة السورية لقاء التنازل عن حقها القانوني المثبت. ومما يثبت أن ما أطلق عليه ما يسمى بـ"وفد الجماعات المسلحة" تحفظات، ما هي إلا صبيانيات وتحفيظات طفولية لا تحفظات، أنه تحفظ على وجود إيران كعضو مراقب لوقف إطلاق النار، فيما أعلن رئيس الوفد الروسي إلى أستانة البدء بتشكيل لجنة ثلاثية روسية إيرانية تركية للبدء بمراقبة وقف النار، وهم أطراف الاتفاق، لذلك فإنّ تلك المسماة تحفظات ما هي إلّا محاولة تذاكي تركية سعودية قطرية للتنصل من أي التزام إن تبدلت ظروف الميدان.

الطريف أن ما يسمى "وفد الجماعات المسلحة" قام بالانقلاب على معزوفاته الشهيرة، بأنّ روسيا عدو وطرف مقاتل ودولة احتلال لسوريا، فقد اعتبرها الوفد المذكور طرفًا ضامنًا، وهذا بالطبع اللسان التركي الذي يترجمه الوفد للعربية. فالوصي على تلك المجموعات الإرهابية بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن كل دول العدوان على سوريا أردوغان، لا يستطيع اعتبار روسيا في هذه المرحلة إلا طرفًا ضامنًا، لكل ما سبق وذكرناه عن مناورات تركية في هذه المرحلة، فيما يستطيع مناكفة إيران رغم أنها شريكته في الاتفاق، فهذا يخدم السعار المذهبي الذي تنفخ فيه دول النفط حليفة أردوغان من جانب، ومن جانبٍ آخر فهو يخدم الحملة الإعلامية المنحطة لإعلام النفط عن سعي إيراني لتغيير ديموغرافي في المناطق السورية، والأكثر طرافة هو الإصرار الأبله الذي مارسه ما يسمى "وفد الجماعات المسلحة" عن ضرورة خروج حزب الله اللبناني والعراقي وغيرها من القوى التي تقاتل إلى جانب الجيش السوري من سوريا، وإدراجها ضمن قوائم الإرهاب، وهو المطلب الذي قالت به تركيا ابتداءً في مرحلة التحضير لمؤتمر أستانة، ثم تدثر به الوفد المذكور دون إدراك، لأن هذا الوجود هو شأن سيادي سوري، ولا يملك أحد تجريم أو تشريع هذا الوجود سوى الدولة السورية، والتخلي التركي عن هذا المطلب وخلو البيان الختامي منه، هو إدراك لهذه النقطة، وما إصرار الوفد المذكور عليها، هو مجرد نوع من استغلال المنصة الدولية لصناعة دعاية كاذبة تشويشية، وتقديم فروض الولاء والطاعة لآل سعود.

ولكن اللافت وهو ما أعتبره تجليًا واضحًا للانتصار السوري، هو أن تركيا بشكلٍ مباشر وغير مباشر أقرّت صاغرةً بشرعية الحكومة السورية وسياديتها، في الوقت الذي نزعت سوريا الشرعية السيادية كل شرعيةٍ عن الوجود التركي على الأراضي السورية، بل أكثر من ذلك، حيث حمّلت سوريا الحكومة التركية مع آخرين المسؤولية عن الإرهاب المتفشي على أراضيها، وهذا ما من شأنه أن يجعل ليس من تركيا فقط قوات احتلال من المشروع مقاومته ودحره، بل كل ما تحارب بهم من مرتزقة سيدخلون ضمن هذا التصنيف، باعتبار تبعيتهم وقتالهم تحت العلم التركي وبرفدٍ من الجيش التركي، وهذا مستقبلًا سيجعل تركيا أمام خيارين، إما تسليمهم للجيش السوري أو انسحابهم معها، لذلك فإنّ أستانة كان ناجحًا بمقاييس الدولة السورية وحلفها، خصوصًا إذا كان سيشكل نواةً لحلٍ سياسيٍ متدرج، ينتهي بمصالحات داخلية وتسليم الأسلحة مقابل توقيع العفو.