«أستانا»: بداية أم نهاية مسار.. بقلم: محمد عبيد

«أستانا»: بداية أم نهاية مسار.. بقلم: محمد عبيد

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٥ يناير ٢٠١٧

من البديهي أن يتم قياس إخفاق أو نجاح أي خطوة سياسية تتعلق بإمكانية وضع مسارٍ لحل الأزمة في سورية وفقاً لما كان منتظراً من هذه الخطوة. ينطبق هذا التوصيف على حال اجتماع العاصمة الكازاخية «أستانا» خلال اليومين الماضيين الذي حصر رعاته الثلاثة الروسي-الإيراني-التركي توقعاتهم منه بترسيخ آليات واضحة لوقف الأعمال القتالية مع بعض الفصائل المسلحة واعتباره مساراً عسكرياً مكملاً للمسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة ومعها بعض القوى الدولية والذي من المفترض أن يعاود الانطلاق في الثامن من شهر شباط المقبل.
على أن هذا التوصيف لا يُغفل المقدمات السياسية التي مهدت لهذا الاجتماع وكذلك لن يُسقط الارتدادات السياسية التي ستتأتى كنتيجة له خصوصاً على صعيد جبهة ما يسمى الفصائل المسلحة المصنفة منها «معتدلة» أو تلك الإرهابية والأهم على مستوى القوى الراعية لهذه الفصائل أو تلك وبالأخص منها تركيا.
فتركيا التي مازالت تتصرف على أنها وسط مرحلة استكمال استدارتها باتجاه ترسيخ شراكة ما لها في التسوية المفترضة للأزمة في سورية بعدما كانت وما زالت مقراً وممراً للوافدين من الإرهابيين إلى الداخل السوري، تجد نفسها اليوم مطالَبة بتدجين بعض هؤلاء الإرهابيين وتنظيمهم وتفصيلهم على مقاس الالتزامات التي قطعتها للجانبين المعنيين الروسي والإيراني كشرط لقبول تلك الشراكة وحجز مقعد لها على طاولات التفاوض الحالية والمقبلة كأحد الوسطاء المقبولين من معظم أطراف هذه الأزمة.
من المؤكد أنه لم يكن سهلاً على الجانب التركي أن يقنع هؤلاء المسلحين ارتداء البدلات المدنية ولا الياقات المنشّاة ولا ربطات العنق كما لم يكن سهلاً أيضاً إقناعهم بتشذيب لحاهم، لكن كل هذه الشكليات التي كان من الممكن الاستغناء عنها نظراً لنوعية هذا الاجتماع العسكري سقطت عندما تحدث ممثلو هذه الفصائل بحيث أن لغتهم الميليشياوية طغت على كل ما عداها من المظاهر المصطنعة.
لاشك أن تركيا أرادت من جَرِ نحو 14 فصيلاً إلى طاولة التفاوض إثبات قدرتها على الإمساك بقرار ما يسمى «المعارضة المسلحة المعتدلة» وتوظيفه في الموقع السياسي الذي تريده، لكنها أيضاً لا تتوقف عن محاولة التذاكي من خلال الاحتفاظ بأوراق ابتزاز أو مناورة تبقي الحاجة أكبر إلى دورها ونفوذها، وهذا ما يفسر عدم ممارستها الضغوط اللازمة والجدية على ما يسمى «حركة أحرار الشام» لدفعها إلى المشاركة في اجتماع أستانا وتبني خيار التفاوض ووقف الأعمال القتالية على الرغم من ارتباط هذه الحركة بالتوجهات التركية إضافة إلى الرعاية اللوجستية والتمويل!
ولكن يبقى الأهم في ما سيستتبع اجتماع أستانا كإجراءات لترسيخ الفصل التام بين الفصائل المسلحة التي حضرت هذا الاجتماع وبين المجموعات الإرهابية المعروفة كجبهة فتح الشام وتنظيم داعش والقوى المرتبطة بهما، كذلك في التخلي عن الدفاع عنهما كما حصل خلال الاجتماع المذكور، إضافة إلى رسم المناطق الجغرافية لوجود كل هذه الفصائل والمجموعات والعمل الاستخباراتي المطلوب من الفصائل لتحديد هذه المناطق وتسهيل الانقضاض على تلك المجموعات وإنهائها.
من هنا، يبدو اجتماع أستانا ناجحاً في الميزان السياسي الروسي-الإيراني وأيضاً وفق تقييم القيادة السورية التي ثبّتت رؤيتها لماهية النظام في سورية كما لعلاج الأزمة القائمة فيها، في حين أنه رمى حجراً في مستنقع المسلحين كافة ورعاتهم الإقليميين في أنقرة والرياض والدوحة لابد أن تظهر ارتداداته كلما دخلنا إلى مراحل التنفيذ الفعلي لوقف الأعمال القتالية وشروط نجاحه والتي على أساسها يمكن اعتبار اجتماع أستانا بداية لمسار أم نهاية له.