«غزوة» دير الزور الأميركية.. بقلم: محمد عبيد

«غزوة» دير الزور الأميركية.. بقلم: محمد عبيد

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٨ يناير ٢٠١٧

لم يكن غريباً في السابع عشر من شهر أيلول العام 2016 أن يبادر الطيران الحربي الأميركي إلى شن غارات عدوانية على مواقع الجيش العربي السوري في محيط مطار دير الزور وتحديداً تعزيزاته في جبل ثردة. لكن الغريب ظاهرياً، على الأقل، أن يكون هذا العدوان منسقاً مع مسلحي تنظيم «داعش» الموجودين في المنطقة بحيث أنه لم يستغرق وصول هؤلاء المسلحين إلى جبل ثردة سوى ثماني دقائق إثر انتهاء الغارات مباشرة.
كما كان لافتاً أن الوقائع أشارت آنذاك إلى قيام الطيران الحربي الأميركي بطلعات مراقبة واستطلاع على مدى يومين سابقين لقيامه بتلك الغارات، إضافة إلى المدة التي استغرقتها هذه الغارات والتي تجاوزت خمساً وعشرين دقيقة وهي قتالياً مدة طويلة جداً للتأكد من صحة الهدف أو عدمه، والأهم التوقف عن قصف هذا الموقع بعد سيطرة داعش عليه مع العلم أن واشنطن وشركاءها في ما يسمى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب يعتبرون المنطقة الممتدة بين الموصل والرقة ودير الزور ضمناً منطقة عمليات مفتوحة لمنع داعش والمجموعات الإرهابية الأخرى من تحقيق أي تقدم ميداني يمكن أن يسمح لها بتهديد ما يسمونه الأمن والسلم الدوليين.
إذاً، الهدف كان محدداً مسبقاً، تسهيل تمدد تنظيم داعش في منطقة الجزيرة السورية وخصوصاً منها المحاذية للحدود العراقية، لأن الولايات المتحدة الأميركية كانت قد بدأت تضع في حسبانها دنو ساعة تحرير الموصل وعدم قدرتها على الهروب من التزامها بدعم القوات العراقية لإنهاء وجود التنظيم المذكور على الأراضي العراقية، وبالتالي صار لزاماً عليها الإسراع في توفير البدائل انطلاقاً من مخططها عدم استنفاد الاستثمار في تنظيم داعش وجبهة النصرة والقوى الإرهابية الأخرى التي تربط أجهزتها الاستخباراتية بها صلات مباشرة أو غير مباشرة، وإنهاك دولتين أساسيتين في المنطقة العراق وسورية سياسياً واقتصادياً وتمزيقهما اجتماعياً إضافة إلى استنزاف قدرات جيشيهما وقواتهما الشعبية المساندة كالدفاع الوطني السوري والحشد الشعبي العراقي.
لذا، يبدو أن التوقيت الأميركي قد حان للانتقال إلى تحضير الميدان السوري لمواكبة المرحلة المقبلة من الحوار المنتظر بين الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين حول قضايا العالم وسورية في مقدمها، وبما أن القضاء على داعش هو المادة الإعلامية الأبرز التي شكلت عنواناً للسياسة الخارجية لحملات ترامب أثناء السباق الرئاسي فلا بد من تضخيم خطر هذا التنظيم وتوسيع رقعة انتشاره بحيث يصبح هدفاً إستراتيجياً دولياً مشتركاً يسمح للإدارة الجديدة باستعادة أدوار البطولة للولايات المتحدة الأميركية في فيلم القضاء على الإرهاب وحفظ السلم العالمي أو يهيئ لها الأرضية اللازمة للإمساك ببعض أوراق الصراع في سورية بهدف التوازن مع الند الدولي روسيا.
انطلاقاً من ذلك كله، سيزداد الضغط لإسقاط دير الزور بعد تدمر بين يدي داعش، ولكن هل سيكفي ذلك لتحسين شروط مفاوضي مجموعات «المعارضة المسلحة» على طاولة أستانا أم إنه سيسمح بتوسيع المشاركة المباشرة لقوى من محور المقاومة كالحشد الشعبي العراقي في تحرير المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية من سورية؟