العفو والعبرة..؟.. بقلم: سامر يحيى

العفو والعبرة..؟.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ١٦ يناير ٢٠١٧

"ولكم في الحياة قصاص يا أولي الألباب"، "السن بالسن والعين بالعين والبادي أظلم"، "كما تدين تدان"، إنّها سنّة الحياة، ما دام الليل يتعاقب مع النهار، وما أحوجنا لأن نعتبر في حاضرنا، من الماضي للوصول للمستقبل الذي نأمله ونرجو، إلا أن الأم كسرت قاعدة القصاص لأنّها نبع الحنان تصفح وتعفو كي لا يطعن ابنها قلبها مرّتين على الأثر.
فالأم تكلأ ابنها بمحبتها ورعايتها، لعلّه يعود لرشده، ويصحو من خطئه، ولا يعاود الوقوع في المطبّات نفسها، ويبتعد عن الغوص في غياهب الظلمات وحضن الأعداء، فهي ضحّت بالغالي والنفيس، وعملت على تنشئة أبنائها، بحكمة وعصبية، بإقناعٍ وإرغام، بلينٍ وشدّة، بثوابٍ وعقاب، إلى ما هنالك بهدف تربية أبنائها خير التربية، وليكونوا في مقدّمة أبناء الوطن رفعةً وسموّاً علماً وعملاً، أياً كان اختصاصهم وعملهم وتواجدهم، فكيف بالأم الرؤوم الوطن، الذي يحتضن الجميع من دون استثناء، الإيجابي والسلبي، الوطني والانتهازي، النشيط والوصولي، الغني والمتوسّط والفقير.... إلخ، لأنّه يفتخر بأبنائه، وهم يفتخرون بحملهم جنسيته، فمهما كان سيئاً أو جيداً يقولون سوري الجنسية.
إن خوف الاستعمار القديم الجديد، من وحدة أبناء الأمّة العربية بكل مشاربهم وانتمائهم والأوردة التي تغذيها، يبتكر كل يومٍ أسلوباً جديداً من أجل قطع أواصر التواصل، وسبل المودة، واستغلالهم لتفتيتها بأيديهم من دون استثناء أحدٍ منهم ولكن على مراحل، وكانت أهم مرحلةٍ بالنسبة إليه هو طعن القلب النابض، سورية الأم الرؤوم ليستطيع السيطرة على كل أبناء المنطقة من المحيط إلى الخليج، لأنّها تحمل هموم الجميع، ولو غدروا بها لإيقانها بأن المستقبل لأبنائها، والذين إن أخطؤوا اليوم فسيصححون هم أو أبناؤهم الخطأ ليحافظوا على كرامة الأمة، فتعمل جاهدةً لعودتهم لحضنها، بفتح باب التكفير عن ذنوبهم وأخطائهم، وإعادة تأهيلهم لمنع استغلالهم ثانية من الكيان الصهيوني وأذنابه وأدواته، بل أن يعودوا بحيوية ونشاط وتشاركية مع إخوتهم في الوطن بجميع أوردتهم وانتماءاتهم.
       إن الجمهورية العربية السورية لم تغلق الباب بوجه أبناء العروبة رغم طعن بعض قادتهم، ولم تعامل أحداً بالمثل، لأنّها تدرك حجم التضليل الصهيو- أمريكي، ولاسيّما إعلامياً، والذي تأثر به البعض، وتدرك أن واجبها بذل الجهد لفضح هذه الآلة وفتح الباب لعودة الجميع لرؤية الحقيقة والواقع، وأصدرت المراسيم والقوانين والقرارات التي تساهم في تحقيق متطلّبات المواطن، والعفو عمّن أخطأ ليعود عن خطئه ويساهم ببناء وطنه.
          استغل الكثيرون هذه المكرمات، فخانوا وطنهم، واستجابوا لأعدائه، أو هربوا من تحمّل المسؤولية، لإيقانهم بوجود عفوٍ قادم، ومنهم من وجدها فرصة سانحة لاستغلال أبناء الوطن، وبث أحقادهم وسمومهم وسوء أخلاقهم، لمصالح شخصانية لا وطنية، مقصودة أو غير مقصودة، بشعارات تدس السم بالدسم، ورغم كل ذلك استمرّ الوطن باستيعاب أبنائهم، لكيلا يستغّل الآخرون الظروف التي يعانيها الوطن بسبب إرهاب شذّاذ الآفاق وأدواتهم، وعدم السماح للسوري بالارتهان للآخر، والشحاذة باسمه، وإعطائه فتاتاً مقابل جهدٍ كبيرٍ يقوم به، ظاهر أو غير ظاهر، ومحاصرة وطنهم الأم بحجج واهية تدميرية.
     هدف الوطن عودة أبنائه لحضنه لكي يعملوا على تفعيل وتنشيط عجلة الإنتاج، واستثمار جهودهم وقدراتهم بشكلٍ إيجابي بنّاء، لتطوير وطنهم الملاذ للجميع، للعيش بكرامة متحدين كل أدوات التضليل والإرهاب.
     الوطن يستقبل أبناءه من دون استثناء، ولكن دور مؤسسات الوطن إدارة واستثمار الموارد المادية والبشرية، لتقوم بالدور المنوط بها على أكمل وجه، بعيداً عن الأرقام الخلّبية، والتبريرات اللامنطقية، والمحسوبيات اللاأخلاقية، بل العمل الجاد الملحوظ على أرض الواقع، وتفعيل دور كل شخصٍ بمكان وجوده وضمن إمكانياته والموارد المتاحة له، وتغليب لغة العقل والمنطق والوطنية على لغة الحقد والتضليل والأوهام.
الوطن يحتاج إلى جميع أبنائه، ليتشاركوا معاً الأفراح والأتراح، البناء والإعمار، مكافحة الإرهاب والقضاء على الفساد، محاربة الانتهازية وتقويض الوصولية، استنفار كل الجهود لبناء الإنسان، فإنساننا العربي ولاسيّما السوري ليس منفصلاً عن العالم، وليس غريباً عن أفكار البناء والتطوير، وليس عصياً على العمل الجماعي في سبيل بناء الوطن وتوطيد أسسه، لكنّه يحتاج إلى التأهيل والتدريب، للتشجيع والتحفيز، للحوار والنقاش، فنحن أحوج ما نكون للحوار فيما بيننا لاستثمار مواردنا وتطوير بلدنا، وتلقائياً ستتسع دائرة الحوار ويشمل جميع أبناء الوطن، لأن الإرهابي لن يصافح، ولن يحاور والجيش العربي السوري كفيل بمحاورته باللغة التي يفهمها، والحاقد العميل لن يفهم سوى لغة التبعية للدول التي استعملته فإما ترميه، وإما تدّخره لاستثماره لدى ابتكار وسائل جديدة لتدمير بلده، أما من يرد العودة لحضن الوطن، فهو من تنبّه للخطأ أو سئم من سوء فرصه بالغربة....إلخ، لذلك فهو يحتاج للتأهيل لكيلا يضل الطريق ثانية، وعدم الوقوع في الخطأ والتضليل والإرهاب والضغوط، ليساهم مع أبناء الوطن، في محاربة الإرهاب الفكري والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فكل مؤسسةٍ من مؤسسات الوطن منوطة بمكافحة الإرهاب فيما يخص أبناءها، لتتضافر الجهود مع صمود الشعب والجيش والقائد، عبر تفعيل جهودها ودورها واستثمار مواردها كافة من دون استثناء بعيداً عن التنظير والكلام بلا فعلٍ، وإبقائها حبيسة الأدراج والكلمات.
مؤسسات الوطن يجب أن تتنبّه لكل أبناء الوطن، سواء من خان واعترف بخيانته، أو ضلّ وعاد عن ضلاله، فالعفو لا يعني عدم المحاسبة، لا يعني عدم المراجعة، ولا يعني إهمال القانون، بل العفو ضمن إطار القانون ليكون المواطن فعالاً في بناء وطنه، وأن يعود لحضن الوطن كل أبنائه، كل ضمن قدراته وإمكانياته والمهام المنوطة به، بعيداً  عن التكبّر على إخوته في الوطن، وتحميل الآخر المسؤولية أو توصيف دورهم وما يجب أن يقوموا به ويهمل ذاته ودوره، يجب أن نكون جميعاً عوناً لوطننا لا عبئاً عليه، وشوكةً في عين الأعداء لا يستغلها لجرح وطننا.
الوطنية هي العطاء والإبداع والعمل والنشاط، داخل أو خارج سوريتنا، كل ضمن دوره، ونطاق عمله، وإمكانياته، وقدراته، لدفع عملية الإنتاج بكل أنواعها، والمساهمة برفع الدخل الوطني، والعائد الشخصي لكل فردٍ بوطنه، بعيداً عن تحميل المسؤولية للآخر، وتنظير وهمي متناسياً دوره وواجبه، بل واجبنا تحفيز الآخر الذي يحاول عرقلة أو تأخير العمل الوطني، والحفاظ على احتياطيه، وتوفير احتياجاته المستقبلية، مستفيدين من أخطاء الماضي، لعدم الوقوع في المطبّات، والرضوخ للتكاسل، لمواجهة تحديّات المستقبل، وما يحاول العدو صنعه، بما يساهم ببناء الوطن ورفعة أبنائه واستمرار صموده والاستثمار الإيجابي لموارده.