وقف إطلاق النار في سورية بين السلبيات والإيجابيات

وقف إطلاق النار في سورية بين السلبيات والإيجابيات

تحليل وآراء

الجمعة، ٣٠ ديسمبر ٢٠١٦

عمر معربوني  -  بيروت برس -

قد تكون المرّة الأولى التي اشعر فيها ان هناك نوعًا من اللاتوازن في اتفاق وقف اطلاق النار الذي تضمنه كل من روسيا وتركيا في سوريا، حيث جاء هذا الإتفاق ضمن توقيت لا يتلاءم مع حجم الإنتصار الذي تحقق في حلب، ولم يعكس بشكل جدّي حقيقة موازين القوى التي نتجت عن تحرير الأحياء الشرقية، اللهم الا اذا كان وراء الأكمة ما وراءها. فنحن هنا نقارب الإتفاق في الشكل، وحيث توجد الكثير من المتناقضات في تصريحات الجهات المعنية حول مضمون الإتفاق الذي نفت فيه اكثر من جهة ممثلة لـ"الجيش السوري الحر" استثناء جبهة النصرة من الإتفاق واعتبار التصريحات التركية حول استبعاد الجهات التي تعتبرها الأمم المتحدة كالنصرة جماعات ارهابية مجرد كلام يندرج ضمن اعتبارت سياسية وقانونية، وهو كلام جاء على لسان المقدم فارس بيوش مسؤول العلاقات السياسية في "جيش ادلب الحر"، وهو الكلام نفسه الذي جاء على لسان المستشار القانوني لـ"الجيش السوري الحر" اسامة ابوزيد.

على مستوى الإتفاق بحد ذاته، لا يمكن لعاقل ان يرفض اتفاقًا يحد من إراقة الدماء ووقف الدمار وهو الأمر الطبيعي في البعدين الأخلاقي والإنساني، ولكن المسألة برأيي لا ترتبط بهذين البعدين، فتركيا المكرهة بعد سلسلة الإنتصارات التي حققها الجيش السوري ترى مصلحتها في تحقيق مكاسب سياسية تتعلق بأمنها القومي يستطيع الروس تأمين ضمانات ترتبط بالأمر مقابل تنازلات تقدمها الجماعات المرتبطة بتركيا، حيث لا يشكل اتفاق وقف اطلاق النار الا مجرد بداية للدخول في مفاوضات يرغب الروس بشكل اساسي ان تؤدي الى تسوية سياسية اراها بعيدة المدى في المنظور القريب حيث ستمر مسارات التسوية بالكثير من حقول الألغام.

القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة في سوريا اصدرت بيانًا تعلن فيه وقف اطلاق النار مستثنية داعش والنصرة من هذا الوقف ومن يرتبط بهما من الجماعات الإرهابية، وهذا البيان يعني التزام سوريا وحلفائها بما تم الإتفاق عليه بين تركيا وروسيا، وهو يعكس الرغبة الدائمة لدى الدولة السورية بتحقيق تسوية سياسية تُخرجها من دائرة الحرب، رغم الحذر الشديد من المفاعيل السلبية لإتفاق وقف اطلاق نار تمثل تركيا جانبًا منه.

بحسب ما تم اعلانه، فإنّ سبع جماعات اساسية وقعت على الإتفاق وهي: احرار الشام – جيش الإسلام – فيلق الشام – جيش المجاهدين – جيش ادلب الحر – الجبهة الشامية – حركة نور الدين زنكي، ويبلغ مجموع المسلحين فيها حوالي 60 الف مسلح بحسب ما جاء في تصريحات لوزارة الدفاع الروسية.

في البعد السياسي، لا اعتقد ان وقف اطلاق النار سيتم الإلتزام به من الجانب المعادي للدولة السورية نظرًا لحجم التداخل الكبير بين الجماعات التي وقعت الإتفاق وجبهة النصرة التي تمتلك هامشًا كبيرًا يمكنها من خلاله التحرك ضمن مساحات كبيرة تضمها الى جانب الجماعات، وهو برأيي هامش تعمدت تركيا الإبقاء عليه للحصول على مزيد من المناورات السياسية، وما تصريح جاويش اوغلو المرتبط بعدم امكانية تحقيق عملية سياسية انتقالية بوجود الرئيس الأسد الا رفعًا لسقف المفاوضات، وهو ما تتمسك به الجماعات الموقعة على الإتفاق والتي تتحرك برعاية تركية مباشرة.

في المقابل، اعتقد ان الجانب الروسي يتجاوز بطرحه للإتفاق ساحة الصراع السورية لتحقيق مكاسب ترتبط بوضع روسيا الجديد في الشرق الأوسط، ومحاولة كسب تركيا كشريك في حلف اوراسيا الذي ترى فيه روسيا تأمينًا لمجالاتها الحيوية على المدى البعيد، رغم قناعتي ان تركيا التي تعودنا على مناوراتها وخداعها تحاول استخدام روسيا للضغط على اميركا بنفس الوقت الذي تحاول ان تستخدم فيها الأميركيين للضغط على روسيا، وهي ورقة قوة بيد الأتراك للأسف. فروسيا لم تكن مضطرة للتخلي عن اعتبار جيش الإسلام جماعة ارهابية، وهو الذي استهدف ويستهدف سفارتها في دمشق بالقذائف حتى بعد الإعلان عن وقف اطلاق النار الذي لم يدخل بعد حيز التنفيذ، وكذلك حركة احرار الشام التي شاركت منذ ساعات بقصف حلب بعشرات القذائف وهو ما جعلني اكتب في بداية المقالة "الا اذا كان وراء الأكمة ما وراءها"، حيث يكثر الغموض حول التفاصيل المرتبطة بالإتفاق وهو الأمر الذي ترك مجالًا من التشدق لممثلي "الجماعات المسلحة" حول قضايا سياسية يفترض انها مؤجلة الى حين الدخول في مرحلة المفاوضات، وهي المرحلة التي ستستغرق شهرًا من الآن اذا ما نجح وقف اطلاق النار الذي أستبعد نجاحه واخشى ان تكون مهلة كافية تتيح لهذه الجماعات رص صفوفها، خصوصًا ان رأس الهرم السياسي في تركيا واعني به اردوغان قال حرفيًا في سياق ترحيبه بوقف اطلاق النار انه سيواصل الحرب على تنظيم داعش والجماعات الإرهابية، في اشارة الى القوات الكردية وليس جبهة النصرة التي لم ترد على لسان احد من المسؤولين الأتراك.

سياسيًا ايضًا اخشى ان تكون روسيا قد وقعت في خديعة جديدة حيث التكرار ذاته لسيناريو الإتفاق مع الأميركيين في شهر شباط الماضي واعلانها عن تخفيض قواتها، وهو الأمر نفسه تكرر اليوم على لسان المسؤولين الروس، فهل هو استعجال من روسيا او ثعلبة سياسية لكسب المواجهة بالنقاط؟

عسكريًا، سنعلم في الأيام القادمة من سير العمليات على الجبهات اذا ما كانت العمليات ستتوقف في مناطق سيطرة جبهة النصرة او لا، وهي اماكن معلومة وليست مجهولة وهو ما ستؤكده او تنفيه الأيام القادمة.
اذا ما قاربنا الأمر ضمن مسمى الصفقة وهو امر تفعله الدول ولا تُظهر منه في بداياته الا القليل حرصًا على انجاز الموضوع، فنحن امام مسار طويل ومعقد ومتداخل يرتبط بشق من الحرب في سوريا حيث اعتبرت جماعات الجبهة الجنوبية ان اتفاق وقف اطلاق النار لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد كونها لم تتمثل في الإجتماعات التي افضت للأمر، وهذه الجماعات بالمناسبة تابعة للسعودية التي لم يصدر عنها موقف واضح حول ما يحصل حتى اللحظة، الا اذا كانت السعودية ممثلة في تركيا عبر جيش الإسلام المحسوب عليها وهو ما لم يتم الإعلان عنه.

ويبقى امر هام جدًا، اذا ما كانت المسألة صفقة ان تركيا قد تطيح بكل جماعاتها اذا ما تأمنت مصالحها الإقتصادية والسياسية عبر ترك الهامش لتصفية حسابات قاسية بين النصرة والجماعات الأخرى، وهو الأمر الذي بات متاحًا اكثر وقد يصل الأمر بالتدرج الى حد مشاركة تركيا روسيا وسوريا بتوجيه ضربات لهذه الجماعات اذا ما تعذر الوصول الى مرحلة المفاوضات المقررة في الأستانة، وهي مفاوضات تتطلب وجود اميركا والسعودية برأيي حتى تصل الى مستوى مقبول من النجاح.
من المتعذر على احد لا يعرف تفاصيل ما حصل في تركيا وأدى الى قرار وقف اطلاق النار ان يعطي رأيًا حاسمًا، ولا يسعه الا الإنتظار ايامًا وربما اسابيع ليتبين الخيط الأبيض من الأسود، وهو ما ستنبئ به احداث الميدان حصرًا.

وبين تحليل هذا وذاك، يبقى ان الأمر الثابت والذي يجب عدم التهاون فيه هو رفع جهوزية وحدات الجيش السوري رغم الضمانات الروسية والتركية، فإن كنا نعتبر روسيا حليفًا فإن الأتراك حتى اللحظة يعلنون عداءهم ولا يمكن الركون لمواقفهم الا بعد اثباتهم العكس، وهو موضوع مرهون بالوقت لتبيان مصداقيتهم من كذبهم.