هل سيصمد؟

هل سيصمد؟

تحليل وآراء

الجمعة، ٣٠ ديسمبر ٢٠١٦

تمّ الإعلان عن وقفِ إطلاق نارٍ عام على كافة الأراضي السورية من قبل موسكو ودمشق وأنقرة. ويَستبعد الإعلان الرسمي «الدولة الاسلامية» (داعش) و«القاعدة» (النصرة او جبهة فتح الشام) وجميع المسلحين الذين يقاتلون في «بلاد الشام».

الا ان هذا الإعلان يحمل أوجهاً متعددة وأهمّها انه يستثني اي دور للولايات المتحدة واوروبا في حربٍ دائرة رحاها على أرض الشرق الاوسط وذلك لأول مرة في تاريخ المنطقة.

على ان السؤال يبقى هل يمكن وقف اطلاق النار ان يصمد؟ مَن هو المتضرر من تنفيذه؟ وماذا ستكون ردات الفعل على الأرض؟

يأتي وقف النار متزامناً مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نيته بسحب قواتٍ قتالية من سورية، مذكّراً بخطوةٍ مماثلة قام بها قبل أشهر من السنة الحالية عندما اتّفقت موسكو وواشنطن على وقف نار شامل فشل بسبب عدم رغبة اميركا بفصل الجهاديين عن المعارضة السورية وذلك نتيجة رفض وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) هذه الخطوة التي فسّرها على انها تقصم ظهر كل مَن يعارض الرئيس السوري بشار الاسد لتصبح المعارضة لقمة سهلة للجيش السوري.

الا ان وقف النار الشامل الذي أُعلن امس لم يأتِ من الدول العظمى (روسيا واميركا) بل من اللاعبين الأساسيين على ارض بلاد الشام، اي تركيا وروسيا، بما تتمتّعان من نفوذ على أكثر اللاعبين المتناحرين منذ أعوام. فأنقرة تتمتع بنفوذ داخل صفوف المعارضة وبعض المتشددين المسلّحين. الا ان لدول خليجية دوراً اساسياً يخوّلها الدخول والمشاركة بأي مباحثات سلام مستقبلية او حتى وقف إطلاق نار شامل.

اما بالنسبة لروسيا، فهي تتمتع بنفوذ داخل أروقة دمشق وطهران وحلفائهم لانها تتعامل مع دول لها حكومات وممثلون يلتزمون بأي اتفاق ولهم نفوذ كافٍ لضبط جنودهم او قواتهم على أرض المعركة، على عكس تركيا التي تبقى مهمتها أصعب لانها ستتعامل مع منظمات مختلفة (اكثر من 100 تنظيم) لها مشارب مختلفة من دون ان يكون النفوذ عليها محصوراً بتركيا فقط بل هناك اطراف تتبع للولايات المتحدة واخرى لحلفائها على الارض الذين لا يحبذون رؤية روسيا وايران وتركيا يحققون ما يرغبون به في سورية من دون إشراك الآخرين.

ولنأخذ مثلاً «احرار الشام»، التنظيم الاكبر بين القوى الجهادية والمعارضة في شمال سورية. فها هو منقسم بين «احرار الشام» و«جيش الاحرار» الذي يحبّذ الاندماج مع «القاعدة» ولا يقبل بالتفاهمات الإقليمية بل يؤمن بـ «الجهاد المسلح من دون تسوية او ديموقراطية». وهذه خطوة وصفتْها تركيا بأنها «متهورة» ستذهب بأحرار الشام الى صف الأهداف المشروعة لروسيا وتركيا وتضعهم في صف «القاعدة» و«داعش» في الأشهر المقبلة.

اذاً هناك العديد من الجهاديين الذين سيعملون لإفشال وقف النار لانه لا يصبّ في مصلحة بقائهم، وهذا من شأنه إضعاف موقف تركيا – أكثر مما هو عليه اليوم – وخصوصاً بعد انكسار جيشها على ابواب مدينة الباب.

وترى روسيا في تركيا شريكاً قوياً اذا تمتّعت انقرة بالنفوذ اللازم بين الجهاديين والمعارضة. أما اذا أظهرت عن ضعفها وعدم تمكّنها من السيطرة على موقف موحّد من المعارضة السورية، فان تركيا سترضخ تحت جناح روسيا التي لن تتعامل معها مستقبلياً كشريك بل كأحد الموجودين على الارض ليس الا.

وتنظر دمشق وحلفاؤها بريبة لوقف النار – على رغم مباركة الجميع له – وكأنه اختبار روسي لقدرة تركيا في بلاد الشام. فمن مصلحة دمشق وموسكو رؤية أنقرة تغوص في المستنقع السوري لتظهر في موقف ضعيف وليس كدولة شرق اوسطية عظمى، وهذا ما دفع دمشق الى رفض رغبة موسكو بدفع القوات نحو تدمر حيث تتواجد قوات «داعش» لتخفيف الضغط عن اردوغان لانشغاله في معركة الباب.

وجلّ ما تقوم به القوات السورية في تلك المنطقة هو حماية مطار «التيفور» ومدينة القريتين – كما علمت «الراي» من مصادر خاصة مطلعة – وذلك لرؤية تركيا تغوص أكثر فأكثر وتتكبد الخسائر لتدخّلها في الشمال السوري.

الا ان هذا الموقف لا ينطبق على «القاعدة»، فايران تسعى الى دفْع روسيا باتجاه تحصين مدينة حلب وإكمال المعركة باتجاه مدينة ادلب وتحرير محيط دمشق لأسباب واضحة. فإيران ودمشق تعتبران ان اي معركة يخسر فيها «داعش» الأرض (ان كان في تدمر او اي مكان آخر) فهذا النصر لا يُستثمر على طاولة المفاوضات مع تركيا او مع الدول الاقليمية او المجتمع الدولي. بينما اي ارض تستعاد فيها السيطرة من قبل الجيش السوري، فإن ذلك يمثل ثقلاً مهماً لفرض الشروط والشروط المقابلة في اي محادثات سلام مستقبلية.

اضافة الى ذلك، فان اي انكسار لهيبة الجيش التركي في سورية وحاجته للدور الروسي – من معلومات استخباراتية او تدخل جوي – سيُضعف موقف انقرة مستقبلاً.

لقد فقدت تركيا أكثر من 38 ضابطاً وجندياً أرداهم «داعش» على ابواب مدينة الباب، بينهم قائد الوحدات الخاصة التركية المهاجمة. وكذلك قتل اكثر من 100 من السوريين الموالين لتركيا وجُرح أكثر من 60 جندياً تركياً وتُركت عشر دبابات ليوبارد ومعدات قتالية استولى عليها «داعش» في ارض المعركة. علاوة على اذلال جنود انقرة على الإعلام وإظهار حرق جنديين على مرأى من شاشات العالم. هذا من دون ذكر العشرات من المدنيين الذين فقدوا أرواحهم جراء القصف التركي للمدينة المحاصرة.

على رغم هذا كله، ترغب انقرة بانشاء «منطقة عازلة» على طول الحدود التركية – السورية (داخل الاراضي السورية). الا ان هذه الخطوة تحتاج لموافقة روسيا ودمشق وقبول الاكراد وإلا تعرضت القوى التركية لضربات قاسية تستنزفها على المدى الاستراتيجي. اما بالنسبة لدمشق فانها لن توافق ابداً على خطة تركيا بإنشاء منطقة عازلة وكذلك روسيا.

روسيا بحاجة الى شريك جيد او ضعيف لتسيطر على لعبة الشطرنج في سورية وتفرض إرادتها وقت السلم كما تفرضها وقت الحرب. ومن الطبيعي الا يصمد وقف النار طويلاً لان العديد من الاطراف لا يشعرون بالراحة لوضع السلاح الآن قبل معرفة نيات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب. وعندها فقط يمكن قياس طول أمد الحرب، الا ان من المؤكد ان بلاد الشام تسير على سكة السلام الطويلة.