التفاهم الثلاثي ومعركة «إدلب» المنتظرة…بقلم: فراس عزيز ديب

التفاهم الثلاثي ومعركة «إدلب» المنتظرة…بقلم: فراس عزيز ديب

تحليل وآراء

الأحد، ٢٥ ديسمبر ٢٠١٦

 قبل شهر؛ وفي مقال بعنوان «أردوغان يهدد الأوروبيين: طوفان لاجئين أم طوفان إرهابيين!» وفي إطار استعراضنا لآليات الانتقام التي يمتلكها «أردوغان» ضد الأوروبيين قلنا إن أي عمل إرهابي قادم ستكون وجهته خارج الدول التقليدية؛ أي خارج فرنسا وبلجيكا، لتعميم الخوف. بالفعل ضرب الإرهاب مدينة «برلين» الألمانية، وقبل أن تحصي السلطات أعداد الخسائر والضحايا، سارعت «داعش» لتبني العملية، بل أكدت انتماء المنفّذ لتنظيمها بعد نشرها بالأمس شريطَ فيديو يتحدث فيه عن «وصيته».

الحدث الألماني شابه بأسلوبه الحدث الذي تم في مدينه «نيس» الفرنسية في الصيف الماضي، لكنه لم يأخذ ذات الصدى، من جهة لتزامنه مع حدثين بدوا من خلال الشكل بوضع أهم منه، الأول هو اغتيال السفير الروسي في تركيا، والثاني هو انتظار العالم ليعرف إلى ماذا ستؤول إليه المفاوضات حول خروج الإرهابيين من «حلب»، تحديداً أن الإعلام الغربي كان يريد فقط تعويم «الحدث الحلبي» وعدم الاستفاضة بما جرى في «برلين» لمنع تفشي الخوف في هذه الأيام التي تشهد فيها جميع المدن الأوروبية ازدحامات كبيرة، ومن جهة ثانية فإن المعني الأساسي باستغلال هكذا أحداث لممارسة الابتزاز أو بيع المواقف، لم يكن مشغولاً فقط بتنفيذ استدارته «الصورية» حسب الرغبة الروسية فحسب، لكنه كذلك الأمر كان يتابع غرق جنوده في أوحال الشمال السوري، فكيف ذلك؟
لم يكن مابثه تنظيم «داعش» عن حرق الجنديين التركيين اللذين تم أسرهما هو فقط الحدث المحرج لـ«نظام أردوغان» ما دفعه كالعادة لحجب مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد من جديد، فالتنظيم أعلن كذلك الأمر عن سيطرته على «غنائمَ» عسكرية من بينها دبابة تركية، ومدافع تركها الجنود وفروا تاركين «ميليشيا درع الفرات» تلقى مصيرها وحيدة. لكن يبقى حدثَ حرق الجنديين لما له من رمزية هو الأساس، وهو ما يفتح الباب نحو تساؤلات عديدة أهمها: هل قيادة التنظيم بهذا الغباء لتحرق كامل أوراقها مع النظام التركي، تحديداً مع اقتراب رحيل «أوباما» فتصبح بطريقة ما بحكم المعزولة «سياسياً»، أم أن «تكويعة أردوغان» المنتظرة تفترض دخوله بمواجهة مباشرة مع حلفاء الأمس؟!
في حقيقة الأمر لو اتبعنا العاطفة في تحليل ما جرى، لقلنا إن ما بثه التنظيم في هذا الشريط هو نوع من المسرحيات التي اعتادها «نظام أردوغان»، ليس فقط ليظهر بمظهر الضحية، لكنه كذلك الأمر ليبرر توريط الجيش التركي في الملف السوري تحديداً أن هذا الجيش بدأ يخسر قتلى بالعشرات وهو بالكاد يستفيق من الضربات التي يوجهها له «حزب العمال الكردستاني» ليصطدم بـ«داعش». هكذا تحليل قد يخلو نوعاً ما من الموضوعية، فما جرى هو أعمق من فرضية «المسرحية»، بل يجعلنا نقول إن شهر العسل بين الجانبين انتهى رسمياً، فما الدليل على ذلك؟
في العودة للعام الماضي وخروج الأدلة حول تورط أعمدة النظام التركي بتجارة النفط مع «داعش»، فإنه يمكننا القول إن العلاقة بين الجانبين لم تكن يوماً وهماً يبثها «ضحايا هذا النظام» إن جاز التعبير، لكنها باتت وقائع لا يمكن دحضها، لكن ما يتجنب كثيراً الحديثَ عنه أن التعاون لم يكن فقط «تجارياً»، بل تعداه للعسكري. بدأ ذلك علنيةً عندما سعى تنظيم «داعش» للإطباق على «عين العرب»، يومها كان «أردوغان» يتمنى أن ينامَ ويستيقظ ليجدَ «عين العرب» وقد دخلتها «داعش» بأي وسيلة، لكن حلمه سقط ليس فقط كما يروج البعض بسبب صمود المدافعين عن المدينة، بل لأن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا كانوا يرون الأمور بمنظور مختلف عن «أردوغان»، فمقابل الدعم الذي تلقاه «داعش» من الجيش التركي، كانت هذه الدول تدعم حتى بالطيران القوات المدافعة عن المدينة، ليصل بهم الأمر بالنهاية لاختيار «عين العرب» كقاعدة للناتو.
من ناحية أخرى، كانت الأجهزة الأمنية «الأردوغانية» تدير عمليات التواصل مع قادة التنظيم بطريقة سلسة، هذا التعاون مثلاً سمح لأكثر من ثلاثين دبلوماسياً تركياً بالعودة إلى بلادهم بعد اعتقالهم إبان احتلاله مدينة «الموصل» دون أن يحرقهم أو حتى يمسسهم بسوء، بل إن هذا التعاون ساهم بسحب الحامية التركية لضريح الإرهابي الأكبر «سليمان شاه» ونقل رفاته من مناطق سيطرة «داعش» دون أن تعارض «داعش» هذا الأمر. هذا التذكير بأهمية «شهر العسل» (التركي- الداعشي) هدفه الوصول لنقطة مهمة أن هكذا مسرحيات لا يبدو «أردوغان» بحاجة لها لأن كل هذه الحقائق معروفة ولم توجّه له أي إدانة تحديداً من أولئك الذين يمتلكون أدلة على هذا التعاون، بالتالي هو ليس بحاجة ليظهر بمظهر الضحية، لكن هناك فعلياً تبدل في التعاطي التركي مع التنظيم، فما مسوغاته؟!
عادة ما تعتمد «الأجنحة السياسية» المختلفة للفكر الإخواني في ديمومتها على حالة «اللامبدأ» في السياسة، يتبدلون مع التغيرات المحيطة أو كما يسمونها «الانحناء حتى مرور العاصفة»، و«أردوغان» ليس فقط هو النموذج، هناك أيضاً مثال مستجد وهو الجناح السياسي لحركة «حماس»، فبعد سنوات من الحرب التي تشن على سورية خرج قبل أمس «محمود الزهار» ليحدثنا عن المؤامرة حول سورية وطعنة الغدر التي تلقتها من «حماس» بطريقة تشبه تلاوة فعل الندامة والتحول في المواقف ولا ندري أين كان طوال هذه السنوات، فهل سيخرج علينا بعد أيام ليتبرأ من أقواله؟
على النهج ذاته ربما يسير «أردوغان» مع فارق الإمكانات، فـ«أردوغان» يدرك تماماً أن تركيا شبه معزولة لولا إصرار البعض بطريقة غريبة على منحها طاقةً للنور، هو يعي تماماً أن الروس الآن هم الأقوى على الساحة السورية، لكن هنالك ما هو أهم؛ فاستمراره باللعب بورقة «داعش» في الشمال السوري لن يؤتي نتيجة، هو بحاجة لميليشيا ليست مطواعةً له فحسب بل تكون مقبولةً من الغرب ليتم توريثها الأراضي التي ستنسحب منها «داعش». هذا فعلياً ما فجر العلاقة بين الطرفين، أي إن شريط حرق الجنديين ليس مسرحيةً وليس محاولةً لاستجرار العطف، هو حقيقة ما يريده «أردوغان» في الشمال السوري الذي سيتمسك به حتى النهاية، فهل من علاقة بين هذه التطورات وما حكي عن التفاهمات (الروسية- الإيرانية- التركية)؟
لنعترف أن كل البنود التي تم الاتفاق عليها بين «الحلف الثلاثي الهش» هي بنود مكررة ووردت في كل القرارات والتفاهمات السابقة التي كان الروس والإيرانيون طرفاً فيها لكن ماذا نفذ منها؟ المشكلة لا تبدو أبداً بالبنود، مشكلتنا الدائمة بالتنفيذ والالتزام.
في الاتصال الهاتفي الذي جرى بين «بوتين» والرئيس الأسد، تحدث البيان الصحفي عن الأمل بإطلاق العملية السياسية، وهو أمر تدعمه القيادة السورية، لكن قبل الاتصال كان هناك حديث عن تلقي «بوتين» معلومات من وزير دفاعه عن إمكانية إعلان هدنة تشمل كامل الأراضي السورية، وهذا الأمر يبدو فيما يبدو غريباً. بالمطلق لا يمكن لنا القول إن هناك اتفاق هدنة سيتم على حين مشيخات النفط تقول ليل نهار إنها ستواصل دعم المعارضة بالسلاح. لا يمكن لنا القول إن هناك عملية سياسية ستنطلق وهناك من يرى أن اجتماع «الآستانة» هو مضيعة للوقت لأن «ائتلاف الرياض» هو الممثل الوحيد للمعارضة السورية. كذلك الأمر لا يمكن لنا الحديث عن اقتناع تركي بالهزيمة الكاملة في سورية، وهو لا يزال يرى في «إدلب» المعركة المنتظرة سراً أو علناً، أي إنه بات مقتنعاً أنه هزم في «حلب»، لكن إمكانية بقائه لاعباً أساسياً في الملف السوري كله لا تزال فرصها قوية حتى لو كان الثمن حرق ورقة «داعش». هو يقاوم كي لا يبيع هزيمته للروس، ويمرر الوقت جزئياً ليبيع المواقف لـ«ترامب»، فماذا ينتظرنا؟!
لا تنتظروا من «أردوغان» أن يحذو حذو بعض سياسيي «حماس»، فهو لن يتلو فعل الندامة أبداً، بل ما نخشاه أن نتلو نحن يوماً ما فعل الندامة عندما نكرر الوقوع في فخ تصديقه بدل أن نطلق على مشروعه السياسي منذ إثبات دعمه لـ«داعش» رصاصة الرحمة، ومن لا يصدق فعليه فقط أن ينتظر ما ستكون ردة فعل هذا الموتور عندما يفتح الجيش العربي السوري معركة «إدلب» تحديداً أن التنظيمات الإرهابية هناك تتزعمها «النصرة» المصنفة إرهابية. بمعنى آخر، أن سقوط الوهم الذي يعيشه البعض بتبديل «أردوغان» لسياسته ينتظر فقط عبارةً واحدةً ستقولها القيادة السورية للجيش العربي السوري: إلى «إدلب» در