الهامش والحرية.. بقلم: سامر يحيى

الهامش والحرية.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٠ ديسمبر ٢٠١٦

معرفة المرء لحدوده، وإدراكه لمقدّراته، ورؤيته لما يمكن إتقانه من عمل، هي الوسيلة الوحيدة لكي ينجح في الحياة، ويتمكّن من تحدّي المشاكل التي تواجهه، والعقبات التي يتعرّض لها، ضمن إمكانياته وقدراته ومكانته، وبالتالي سيحقّق النجاح المنشود الذي يهدف إليه جميعنا.
مع الأسف الشديد الأغلبية تقريباً تستخدم مصطلحات من دون معرفة بحقيقتها، وتترجمها كما تريد ويحلو لها، لتظهر أمام الناس على أنها "مثقف"، ولا تقلّ خطورة استخدام مصطلحات واستبدال أخرى، سواءً استبدال عبارتي الكيان الصهيوني والأراضي العربية المحتلة بكلمة "إسرائيل"، أو استغلال الدين لتحقيق غايات وأهداف لا علاقة للدين بها، بعبارة "التشدّد الديني والوسطية والاعتدال" فالدين هو الدين، ولكن الإرهابيين والاستغلاليين يلبسون رداء الدين لتحقيق غاياتهم ومقاصدهم السلبية، والدين منهم براء، فهمّ تجار أسوةً بتجار الأزمات والانتهازيين، إلى ما هنالك من تسميات، وأيضاً هو استغلال النقد البنّاء والإعلام الاستقصائي، بنشر الفضائح وتشويه الإيجابيات وتعظيم السلبيات والتهجّم على هذا المسؤول، ومصطلح الإعلام التنموي مجرّد كلمات نصفها وندّعي أننا نكتب عن الإعلام التنموي، وصارت تقاس الحرية والجرأة بالتهجّم على الآخر واتهامه بالسلبيات، والفضائح، واعتبرنا الديمقراطية والتحرّر إبعاد الطرف الآخر والسيطرة عليه وتحقيره وتسفيهه، واستغلينا شخصاً أو مجموعة تسيء لدينٍ أو طائفةٍ أو عائلةٍ أو مؤسسة باحتقار كل المؤسسة والدين والطائفة، والمطالبة بمحوها من الوجود، وفهمنا العلمانية بأن الجميع يجب أن يكون مثلنا، وإلا فالآخر ليس منا، ولا يستحق أن يعيش.
مصطلحات لم تنشأ عن عبث، ولا من الهواء، إنما نتيجة تعب وجهد وتفكير الكثير من العلماء والمفكرين والفلاسفة، وتفكير عميق انطلاقاً من رؤيتهم والبيئة التي يعيشون فيها والحياة التي عاصروها، ما يتطلّب عدم أخذ شيء على أنّه مسلمة طبيعية، إنما التفكير والتمحيص والتدقيق، وما المؤامرة التي تحيط بالوطن العربي، ليست بالتسليح وإثارة الفتنة، إنّما بتشجيعنا على انعدام التفكير والتمحيص، وأن نبقى نلهث وراء ما رسموه لنا، وتصديق ما تنقله وكالات الأنباء والإعلام المضلّل، متأثرين بالعاطفة الجياشة البعيدة عن التفكير المنطقي، ونقل الفكرة التي سمعناها على أنها من فكرنا، والتشبّث بها، وتحميل كل منا الآخر المسؤولية، ونعتبر الحرية شتم الآخر، وليست مسؤولية، ونعتبر الجرأة التهجّم على الآخر، وسبّ المسؤول والمؤسسة، وإطلاق النكت على هذا المسؤول أو ذاك، ونعتّم على الإيجابيات، وننسبها للشخص بذاته، على عكس السلبيات التي يقوم بها الشخص التي ننسبها لمؤسسته وطائفته ومجتمعه.. فلو فكّرنا قليلاً لأدركنا أن داعش لا على علاقة لها بالإسلام من قريب ولا من بعيد، ويكفي أن كبار قادتها إما في الغرب أو من الغرب، أو يستخدمون أدوات قدّمها الغرب، ولأدركنا أن الغرب لا يريد مصلحة العرب ولو كان يريد لنا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان كما يدّعي لدعمنا بالمعامل والمصانع الحديثة والاستثمارات البناءة، ومكافحة البطالة وليس تشجيعنا على بعض وإثارة الفتن والمشاكل بين بعضنا بعضاً، ولأدركنا، وهذا الإدراك لا يقل خطورة عن السابقين، أن الموظّف عندما يخطئ هو من يتحمّل المسؤولية، ويجب أن نعمل على توجيه اللوم له، من أجل أن تقوم مؤسسته بالعمل على محاسبته، لا أن نتهجم على المؤسسة ككل، وبالتالي نضيع فرصة لمحاكمة المخطئ، بل نساهم بتحجيم وتقليل دور النشط النزيه في المؤسسة.
      أهم ما نحتاجه لكي نتمكّن من تضافر جهودنا جميعاً، كل من مكانه في بناء سوريتنا، وإعادة الإعمار والبناء، وأن نعمل يداً بيد، وأن نفكّر جدياً في بناء الوطن، واستثمار الأفكار التي يعطيها كل منا ضمن إمكانيته ومكان وجوده، وتوسيع النقاش والحوار، وتلقائياً توسيع الهامش، ولاسيّما تحديث وتطوير القوانين والقرارات والأنظمة، انطلاقاً من نجاح المؤسسة وعثراتها، إيجابياتها وسلبياتها، تشابكاتها وتعقيداتها، والدور الأقدر على القيام به بأقل وقت وأكثر دقة وإتقان قياساً لمؤسسةٍ أخرى، وبذلك يتم تجميع وإلغاء وتحويل وإنشاء، المؤسسات بشكلٍ سليمٍ حقيقي، لكي يكون عملنا مستديم غير مؤقت، وناجح يصب بمصلحة الوطن والمواطن بآنٍ معاً، أما دور الأشخاص، فعندما يقوم كل منا بمعرفة النظام الداخلي لمؤسسته، وقدراتها وإمكانياتها ودورها والمهام المنوطة بها، يستطيع بالتالي استخدام الهامش المتاح له، وتلقائياً سيتمكن من توسيع الهامش، والمساهمة بتطوير القوانين وتغييرها استناداً لدراسات جدية إيجابية لا تنظير وتحديث وهمي مؤقت.
وأيضاً الفقرة الأهم بهذه النقطة بدلاً من أن تقوم المؤسسات بنقل موظفيها إلى مؤسسات أخرى، إعادة دراسة دور كل منهم في المؤسسة، وتفعيل مكاتبها ودورها واستثمار جهودهم جميعاً لتطوير عمل المؤسسة، وإن كانوا عثرة، فيجب أن يتم إعفاؤهم من عملهم، لا أن يكونوا عبئاً في مؤسسة أخرى، أو تحميل المسؤولية لجهةٍ أخرى لا ذنب لها ولا للوطن بتعيينهم من أشخاص لمصالح شخصية بعيدةً عن مصلحة العمل والوطن بآنٍ معاً... وعند الدراسة الجدية للعاملين بالمؤسسة واستثمار دور الجميع، لن يكون لدينا استثناءات، ولا موظفون يقبضون رواتبهم من دون عمل، أو يقبضون مرتباتهم وهم في منازلهم، أو موظّف يعمل وعشرة لا يعملون شيئاً.... إلخ من أخطاء إدارية ترتكب في جل مؤسساتنا الحكومية إن لم نقل كلها، وتكاد تتشابه الكثير منها ضمن مؤسسات القطّاع الخاص أيضاً.
الوطن ليس بحاجة للشعارات بلا تطبيق على أرض الواقع، وحب الوطن لا يكون بالتنظير الوهمي، والحديث البنّاء وادعاء البطولة والوطنية، ولكن لا نرى أثراً لها على أرض الواقع، محتجين بتفاهة الأشخاص، سوء تعامل الآخرين، عدم الثقة بأحد، وصلنا لآخر زمن، لا أحد يستحق .. وغيرها من مصطلحات نسمعها على لسان الكثيرين ولاسيّما مديرو المؤسسات أو الموظّفون الذين هم على احتكاك مع المواطن، متجاهلين أن وجودهم في هذا المكان هو لخدمة المواطن، لا الاستياء منه.
     نحن الآن على مشارف عامٍ جديدٍ، تفصلنا عنه أيام قليلة، من المفترض أن تعيد كل مؤسسة هيكلة موظفيها كل ضمن المكتب الذي يعمل به، لتطوير أدائه واستثمار جهود الجميع من دون استثناء، تفعيل دور مكاتب ودمج أخرى، ابتكار الأفكار والحلول لتطوير الأداء وتعظيم الإنتاج كل من مكانه.