هنا حلب... باب الحديد .. بقلم: بلال شرارة

هنا حلب... باب الحديد .. بقلم: بلال شرارة

تحليل وآراء

الجمعة، ٩ ديسمبر ٢٠١٦

كتاب مفتوح إلى صديقي العزيز عبد الجليل زيات نقيب الصيادلة في حلب، هل لا زلتَ حياً؟ أذكر آخر محادثة هاتفية بيننا، كانت حميمة وحارّة، و… انقطع الاتصال… كانت الحرب قد استعرت في حلب وأنت تأبى أن تفارقها، تعرف انّ كلّ البيوت بيوتك وهي بيوتنا ستتسع لك من دون شك. وأم بلال الوالدة الحبيبة ستمدّ لنا سدر الأكل وتضع كلّ ما عندها: زيت زيتون أصلي وعينة من مرطبان الكبيس وعينات محفوظة من كلّ شيء… أمي لا تزال تحبك مثل ابنها أنا وأكثر… انشغل بالها عليك… سألت كثيراً عنك في البداية… ثم صارت تسألني: مطوّلي كثير بحلب ؟

الآن وقد عادت حلب، وصار بالإمكان القول بأعلى الصوت: هنا حلب… باب الحديد… أبو عمشى يرحّب بالمحاضرين ثم يطلق أحد أبناء الحارة زخة رصاصٍ… الآن أصبح بإمكاني أن أسأل: هل لا زلتَ حيّاً؟ ترى كيف السبيل إليك؟ كيف هم أهل البيت؟ أخبرني عن البنات؟ عبير إبنتي بخير وكذلك حسان والأحفاد، أحفادي الأعزاء بخير هم على مسافة مني يقيمون في غربتهم… وأنت طمّني عنك… قل شيئاً، أيّ شيء… هل لديك أحفاد؟ أثناء غيابك في الحرب على حلب توفي المدير الأستاذ علي، لم أعد أعرف شيئاً عن الأستاذ طه، الأستاذ قاسم يقيم في برج الشمالي… سونيا وزوجها كان لديهما مطعم مقابل البريستول… أتذكر كان معنا في الصف محمد دبوق… ربما لا زال حيّاً، مرة واحدة اتصل موسى كرنيب قال إنه يعمل في مستشفى الزهراء… أنا لا أتذكّر الآخرين عصام… جميل… أنا أكاد لا أتذكر ماذا فعلت بالأمس؟ ولكني لا زلت أنتمي إلى فلسطين، وكذلك إلى أيام النبعة والطوفان وسندويش الكباب الحلبي، وسينما كرمنيك، وفلافل آراكس… أتذكر كان الفقر شاقاً، ولكنه كان جميلاً وكريماً… كانت كفّاه مفتوحتين على أحلامنا وكنّا ننام على يديه…

افتقدك كثيراً يا صديقي، لم تعد الصداقة كما كانت عليه في أيامنا… أتذكر عندما كنت أنا وعائلتي نازحين إلى الشام بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، أنك أنت الحلبي الشديد الانتماء إلى المدينة كنت تسكن مع النازحين من الجولان… كانت الطريق إلى حلب بالنسبة إليك تمرّ من القنيطرة… أوتوستراد بصري أسطوري… كنتَ خرافياً في وطنيتك، أنت الشاطر في الصف على عكسي تماماً.

الآن يا صديقي أنا في هذا العمر أحتاج إلى أصدقاء موثوقين أقوياء بتجربتهم يكونون كالفولاذ… كالحديد حين يُسقى بالنار، أحتاج الى أن أتقاعد على الأحلام السابقة نفسها… فلسطين… الأوطان الزاهرة بالمشاركة وفرص العمل… الأستاذ علي أحمد حسين وهو يقف أمام لوح الصف في درس قواعد اللغة العربية… لغة القرآن… يريد لنا أن نعرف كيف نكتب أسماءنا وأسماء مدننا: حلب، بنت جبيل، نابلس… يريد لنا أن ننتبه كي لا يضيع الفعل والفاعل والمفعول به.

أرجو يا صديقي من الله سبحانه أن تكون بألف خير… سآتي إليك بالتأكيد… سأتعرّف إلى أهل البيت… هل لا زال عندك بيت أم دمّره الإرهاب المختلط على أوراقك… أوراقنا؟ المهم يا صديقي أنك هناك في حلب. اعتقد أنك واقف مثل قلعتها حياً او شهيدا ًليس ذلك مهماً… المهم أنك تحتفل الآن…