هل سيؤدي تعاون ترامب مع الروس إلى حل سوري؟.. بقلم: د. ليلى نقولا

هل سيؤدي تعاون ترامب مع الروس إلى حل سوري؟.. بقلم: د. ليلى نقولا

تحليل وآراء

الخميس، ٨ ديسمبر ٢٠١٦

قد تتعدد الأسباب التي أدّت إلى انهيار المسلحين في حلب، وفرارهم أو تسليم أنفسهم للجيش السوري الذي يتقدم بسرعة غير مسبوقة في أحياء حلب لتحريرها،

لكن اللافت في الأمر أن المسلحين فوّضوا الأتراك بالتفاوض على خروجهم من حلب بعد يوم واحد من إعلانهم أنهم لن يخرجوا، وذلك في ردٍّ واضح وصريح على جون كيري الذي كان يفاوض الروس على خروجهم، وكأنهم بذلك يقطعون على الأميركيين أي إمكانية للاستفادة من هذا الخروج، ويمنحون الأتراك ورقة تفاوضية تضاف إلى الأوراق التي يجمعها التركي في سورية.

 

أساساً، لم تكن أطراف الإدارة الأميركية الفاعلة على الأرض السورية متّفقة على المفاوضات التي يُجريها وزير الخارجية مع الروس، وأتت تصريحات المسلحين لتعمّق الإحراج الذي يشعر به جون كيري، ففي سيناريو مكرر عن حادثة دير الزور التي قطعت الطريق على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي عقده كيري مع لافروف، وما أن انتشرت أخبار عن لقاء مرتقَب بين كيري ولافروف للاتفاق على إخراج المسلحين من حلب، حتى تمّ استهداف المستشفى الميداني الروسي، حيث يذكر الكرملين أن إحداثياته أُعطيت للمسلحين بدقة.

واقعياً، تبدو جميع الأطراف الضالعة في الحرب السورية على عجلة من أمرها، لمحاولة تغيير موازين القوى على الأرض، ويجنح أطراف الإدارة الأميركية الحالية إلى فعل شيء ما يحفظ المجموعات المسلحة السورية، وذلك قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، خصوصاًأن الأسماء التي يختارها ترامب لإدارته تؤشّر إلى تغيير حقيقي في السياسة الأميركية في سورية، خصوصاً بالنسبة لدعم تلك المجموعات.

بالتأكيد، تخشى الإدارة الحالية ومعها صقور البنتاغون من تأثير مستشاري ترامب والوزراء الجدد، خصوصاً مايكل فلين؛ مستشار الرئيس للأمن القومي،والذي سيكون له تأثير كبير على سياسة ترامب السورية، فمن المعروف أن فلين كان رئيساً للاستخبارات العسكرية الأميركية بين 2012 و2014، واستقال بعد نشوب خلافات بينه وبين فريق الرئيس الأميركي باراك أوباما حول سورية بالتحديد.

وقد نشبت تلك الخلافات بعدما أصدرت وكالة الاستخبارات العسكرية بقيادة فلين وهيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي بقيادة الجنرال مارتن ديمبسي تقريراً عام 2013، تشير فيه إلى "عدم وجود معارضة معتدلة قابلة للحياة في سورية"، وأن "الولايات المتحدة بالتالي تسلّح المتطرفين". كما توقع التقرير أن يؤدي سقوط الأسد إلى الفوضى، وربما سيطرة "الجهاديين" على سورية؛ كما حصل في ليبيا. ويُعتبر فلين من أكثر المؤيدين لخيار التعاون والتنسيق مع الروس للقضاء على "المتطرفين"، وفي مقابلات صحفية بعد استقالته، اعتبر فلين أن الادارة تجاهلت عمداً تقرير الاستخبارات العسكرية، واعتبر أن "ذلك كان قراراً مدروساً"، وأن الخطأ الأكبر الذي ارتكبته إدارة أوباما هو الاستمرار بدعم المجموعات المسلحة السورية.

انطلاقاً مما سبق، يمكن القول إنّ توجُّه الإدارة الجديدة بمحاربة الإرهاب يبدو جدياً لغاية الآن، خصوصاً بعدما أعلن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد، أن البنتاغون يقوم حالياً بمراجعة استراتيجيته لمحاربة الإرهاب بتوجيهات من الرئيس المنتخَب دونالد ترامب، وعلى هذا الأساس يحاول كل من البنتاغون ووكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إي) ووزارة الخارجية الأميركية في الفترة الانتقالية بين عهدَي ترامب وأوباما، أن يحافظوا على المجموعات السورية المسلحة، والاستفادة منها قدر المستطاع.

لكن هل يعني هذا حلاً سورية قريباً بعد مجيء ترامب؟

من خلال ما رشح من أسماء الإدارة الجديدة للرئيس ترامب، يبدو الرئيس الأميركي جدياً في تطبيق ما جاء في عناوين حملته الرئاسية من أنه يريد أن يتعاون مع الروس في القضية السورية، وأن أولويته القضاء على "داعش"، وأن مشكلته ليست في بقاء بشار الأسد، ولعل تلك المعايير تُنهي الإشكاليات الرئيسية التي عطّلت جنيف وأفشلت الحوار السوري - السوري، لكنّ عداءه لإيران قد يمنع الوصول إلى حلٍ سريع في سورية، إذ إن الاتفاق على فكرة التعاون مع الروس من أجل الوصول إلى حل سياسي في سورية لا يعني بالضرورة أن الاتفاق على أسس هذا الحل السياسي قد تمّ، بالإضافة إلى أن تصوُّر الحل الذي قد يرضي الروس والأميركيين قد لا يرضي الإيرانيين، وهم فاعل أساسي في القضية السورية، ولا يمكن تجاهله أو المسّ بمصالحه في سورية.

المشكلة التي قد يواجهها الوصول إلى حل في سورية، هو محاولة ترامب تحجيم الإيرانيين ومنعهم من تحقيق مكاسب ونفوذ في سورية، ومحاولة إلغاء الاتفاق النووي، أو على الأقل تحجيم قدرة الإيرانيين على الاستفادة من هذا الاتفاق، بالإضافة إلى مستقبل الوجود العسكري الأميركي والتركي في الشمال السوري، ناهيك عن مستقبل القواعد العسكرية الأميركية في تلك المنطقة. في المقابل، سيجد الروس أنفسهم أمام إشكالية التوفيق بين مصلحتهم الاستراتيجيةبالتعاون مع الأميركيين وتقاسم النفوذ في الشرق الأوسط، وبين مصالح السوريين ومصالح حلفائهم الإيرانيين، الذين سيتعرّضون لمحاولة احتواء من الإدارة الجديدة.