مؤشر الفقراء لقياس حجم الفساد.. بقلم: إيفلين المصطفى

مؤشر الفقراء لقياس حجم الفساد.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

السبت، ٢٦ نوفمبر ٢٠١٦

Evlism86@gmail.com
اعتادت الاقتصادات المتقدمة أن تضع مؤشرات اقتصادية تبين من خلالها نسبة النمو والتقدم أو التراجع في إنتاجها الاقتصادي، حتى تحولت هذه المؤشرات إلى مقاييس عالمية يتم الاعتماد عليها وأخذها بعين الاعتبار في جميع الأبحاث والدراسات الاقتصادية، نذكر منها مؤشر أسعار الفائدة، ومؤشر السيولة النقدية، ومؤشر البطالة، ومؤشر ثقة المستهلك، ومؤشر البيج ماك، ومؤشر أسعار المنتجين، ومؤشر الدول الهشة، وغير ذلك من المؤشرات المتعلقة بأسعار الصرف وأكثر العملات تداولاً إضافة لمؤشر الدول الأكثر فساداً، جميع هذه المؤشرات يتم البحث في نتائجها وإصدار تقرير حولها يبحث في نسبها، والأسباب التي آلت إلى تطور الدول أو تراجعها.
في المقابل مازالت الأرقام لغة اقتصادية مبهمة في اقتصادات الدول العربية، خاصة الاقتصاد السوري الذي بفعل الأزمة الراهنة بات يترنح بين أرقام مرجعها التخمينات وتارة يبالغ بها أو غير منطقية نتيجة غياب الشفافية والمصداقية في إعطاء أرقام واضحة وصريحة، والغاية في ذلك هو تغييب الحقائق لتمرير صفقات الفساد المشرعنة في زمن الحرب، والحجة موجودة بأن الأزمة الراهنة تجعل الأمور أكثر تعقيداً لدراسة الواقع الاقتصادي السوري وفق معطيات أرقام وإحصاءات دقيقة.
لكن بإمكان المتابع للاقتصاد السوري، أن يشير إلى بعض التقاطعات والمؤشرات التي قد تساعد في رسم صورة واضحة عن مستوى الاقتصاد السوري، بعيداً عن شماعة الأزمة والحرب التي لا ننكر آثارها السلبية على الاقتصاد السوري، لكنها ليست السبب الوحيد الذي يقف وراء الأزمات التي يمر بها الاقتصاد السوري حالياً، إذ من غير المعقول أن نتجاهل سوء الإدارة في إصدار قرارات ارتجالية وغير مدروسة ساهمت في تعقيد أزمة الاقتصاد السوري.
من ضمن هذه المؤشرات نستعين بمؤشر الفساد الذي نشره الجهاز المركزي للرقابة المالية والذي كشف من خلاله أكثر المحافظات السورية فساداً خلال عام 2014، حيث تصدرت العاصمة دمشق قائمة المحافظات وبلغ إجمالي المبالغ المكتشفة كهدر أو سرقة أو تفويت منفعة على الدولة أكثر من 100 مليون ليرة، في حين جاءت حلب في المرتبة الثانية بقيمة مبالغ مكتشفة تصل إلى أكثر من 26 مليون ليرة، أما المرتبة الثالثة فتصدرتها طرطوس بقيمة مبالغ مكتشفة تصل إلى أكثر من 11 مليون ليرة.
في حال نظرنا إلى المؤشر من حيث التوزع الجغرافي نجد أن من الطبيعي أن تتصدر دمشق القائمة بكونها عاصمة تتركز فيها جميع المؤسسات الحكومية وغلب عليها خلال السنوات الخمس الماضية ضغط من جميع المحافظات، كذلك الأمر فيما يخص حلب وباقي المحافظات نتيجة بعد هذه المحافظات  عن مركز القرار والمسؤولية نجد أن سوء الإدارات وضعفها ساهم في انتشار الفساد بشكل كبير، لكن في المقابل نجد أن الأرقام المعلن عنها قليلة مقارنة بحجم الفساد والقضايا التي تتحدث عن عمليات النهب التي تتعرض لها موارد وثروات البلد، إضافة للأرقام المتعلقة بكلف إنتاج السلع تحت ذريعة ما يسمى الدعم، على حين أنها تكون أرقام مبالغ بها بحجة الهدر والفساد، مثال على ذلك كلفة إنتاج كيلو الخبز والتي كشفنا في أكثر من مقال أن الكلف المعلن عنها من القائمين على الاقتصاد في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أرقام مبالغ بها ولا تمت للواقع بصلة، حيث نجد أن مدير الموارد والأمن الغذائي في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك المهندس "مهند شاهين صرح مؤخراً بأن ربطة الخبز تكلف الحكومة حالياً ما يقارب 500 ليرة سورية في حين تقوم ببيعها للمواطن بسعر 50 ليرة، وهنا نسأل إذا كانت كلفة ربطة الخبز العادي 500 ليرة فكيف يتم بيع ربطة الخبز السياحي بسعر 250 ليرة ؟؟!!
تقرير الجهاز المركزي للرقابة المالية بين أن حجم المبلغ المكتشف خلال عام 2014 في دمشق لأكثر من 29 حالة بلغ 100 مليون ليرة سورية، والسؤال هل يتطابق هذا الرقم مع حالة اختلاس واحدة التي حدثت مؤخراً في مصرف سورية المركزي والتي كشفت عن قيام عصابة باختلاس 100 مليون ليرة من المصرف المركزي بشيكات مزورة.
بالعودة إلى أرقام الجهاز المركزي للرقابة نجد أن هذه الأرقام لا تتطابق مع الوضع الاقتصادي ومع حجم الفساد المستشري، ورغم أهمية التقرير بعيداً عن أرقامه غير المتطابقة مع الواقع إلا أنه مؤشر يمكن الاحتكام إليه لبيان التوزع الجغرافي للفساد وقد يساعد الحكومة الجديدة في تحديد أولوياتها لتكثف جهودها في مكافحة الفساد، لكن في حال انشغلت الحكومة الحالية بأولويات مغايرة للمطلوب منها أو للأولويات التي وعدت بالعمل عليها فيما يخص مكافحة الفساد، نقدم لها مؤشراً بسيطاً عن وضع الاقتصاد السوري الحالي وهو مؤشر سعر صحن البيض الذي بلغ مؤخراً 1400 ليرة، لعل هذا المؤشر يبين لها أن طبق الفقراء لم يعد بالإمكان اقتناؤه، علها تجد تفسيراً منطقياً لأسباب ارتفاع الأسعار بطريقة غير منطقية وخاصة أن بعض المعنيين بينوا في تصريحاتهم أن الفساد يعد سبباً من أسباب ارتفاع الأسعار، فهل تبدأ الحكومة بمكافحة الفساد بدءاً من لقمة عيش الفقراء "صحن البيض"؟؟!!!!