عن تطبيع الفاشيّة.. بقلم: سنان انطوان

عن تطبيع الفاشيّة.. بقلم: سنان انطوان

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٦

«يمكن أن تُمارَسَ اللعبةُ الفاشيّةُ
بصيغ عديدة ولا يتغيّر اسم اللعبة».
(أومبيرتو إيكو، 1995)
«فلنعطه فرصة» هي اللازمة التي تمّ ترديدها عبر وسائل الإعلام السائدة في الولايات المتحدّة في الأيّام الأولى التي أعقبت الإعلان عن نتائج الانتخابات الأميركية بفوز ترامپ. وقد ردّدها عدد غير قليل من الذين كانوا قد حذّروا أصلاً من انتخاب ترامب ووقفوا ضده. ترافقت اللازمة مع تكرار الإعجاب المفرط بعملية الانتقال السلمي للسلطة في مناخ ديموقراطي، والتأكيد على أهميّة المحافظة على «اللُحمة الوطنيّة» ورأب الصدع والانقسامات. كل هذا مع تطمينات ساذجة من قبل الكثيرين إلى أنّ المقولات العنصريّة والتهديدات والوعود المخيفة التي قطعها ترامپ أثناء الحملة الانتخابية ستخفّ، وأنّ أهميتها ستقلّ، إن لم تضمحل. وذلك لأن منصب الرئاسة يفرض ويتطلّب نبرة مختلفة ومقالاً يليق بالمقام المهيب.
لكن ترامپ عاد إلى تغريداته ذات النبرة الصبيانيّة لينتقد المتظاهرين ضدّه ويتّهمهم بأنّهم تلقوا أجوراً مقابل التظاهر. ثم غرّد قبل أيّام موبّخاً فريق مسرحية «هاملتون» الشهيرة ومطالباً إياهم بالاعتذار لأنّهم قرأوا رسالة قويّة النبرة موجّهة من خشبة المسرح إلى نائبه مايك پنس عندما علموا أنه كان بين الحضور. ولم يكن ردّ ترامپ على سؤال في برنامج «ستون دقيقة» الشهير حول الاعتداءات العنصرية التي يقوم بها مؤيدوه مقنعاً ولا «رئاسيّاً».
لا يبدو أن الرئاسة ستغيّر ترامپ، بل هو الذي سيغيّرها. وها هو يتجاهل ما كانت تعتبر بروتوكولات وتقاليد رئاسيّة يلتزم بها الرؤساء المنتخبون. مثلاً، لم يكن لأفراد عائلة أي رئيس في الماضي النفوذ الذي يمتلكه أقرباء ترامپ الآن. ففي سابقة غريبة، حضرت ابنته إيڤانكا اجتماعه مع رئيس الوزراء الياباني، وهو أوّل اجتماع مع زعيم أجنبي، من دون أن يكون لها أي منصب سياسيّ رسميّ. وهي تدير جزءاً من أعمال شركات أبيها وستتسلم مهام إدارتها أثناء فترة رئاسته. واللافت أن خبر وصورة حضورها جاءا من مكتب علاقات رئيس الوزراء الياباني لأن فريق ترامپ لم يسمح للصحافيين بحضور الاجتماع وهو لا يعلمهم بتحركاته كما جرت العادة، ما ينبئ بعلاقة مختلفة مع الصحافة. وأعاد حضور ابنة ترامپ الاجتماع إلى الواجهة أسئلة مهمة عن إشكاليّات وتعقيدات قانونيّة وعن تعارض المصالح الواضح وعن قدرة (أو نيّة ترامپ أصلاً) في الفصل بين أعماله وبين منصبه الجديد ونفوذه السياسي الذي سيتم استغلاله بشكل غير مشروع (بعثت شركة المجوهرات التي تمتلكها ابنته صورة الخاتم الذي كانت ترتديه في أوّل لقاء تلفزيوني أجراه والدها). وما عزّز كل هذه المخاوف هو خبر لقاء ترامپ بثلاثة رجال أعمال هنود هم شركاؤه في مشروع ضخم جنوب مومباي.
من ناحية أخرى، يتقاطر عدد من «الجمهوريين» الذين كانوا قد وصفوا ترامپ بأقذع الأوصاف على مكتبه آملين في الحصول على مناصب مهمّة. ويتم تهيئة المناخ العام للتعامل والتعايش مع ترامپ. يظن الكثيرون على اليمين وحتى الذين إلى يسارهم أن المؤسسات والتقاليد الديموقراطية كفيلة وحدها بلجم النزعات الفاشيّة و «احتواء ترامپ» وترويض القوى والنزعات التي أطلق عنانها. ويتناسى هؤلاء وكثيرون غيرهم «هشاشة الديموقراطية»، كما قال المفكر اليساري الأسود كورنيل وست، حين سئل عمّا إذا كان خائفاً ممّا قد يحدث في البلاد.