بخفي حنين.. بقلم: سامر علي ضاحي

بخفي حنين.. بقلم: سامر علي ضاحي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢١ نوفمبر ٢٠١٦

لعل المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا بدا مؤخراً وكأنه لا زال يعيش في العشر الأخير من القرن الماضي حين استطاعت الولايات المتحدة الأميركية إزاحة الاتحاد السوفييتي عن قمة النظام العالمي المزدوجة، وتفردت بها، مع تجاهله تبدل الرأي العام الأميركي والشغف إلى رئيس غير تقليدي أثبته انتخاب دونالد ترامب لرئاسة أميركا.
دي ميستورا أيضاً لم يقرأ جدية حلفاء سورية ضد الإرهاب وخاصة العملية الروسية السورية الأخيرة في ريفي حمص وإدلب، ولا مجريات الميدان السوري وخاصة في حلب إضافة إلى التوجه الحكومي في دمشق نحو استبدال تحرير المناطق واستعادتها من فصائل المعارضة بإجراء المصالحات على نطاق واسع، بعدما باتت تلك الفصائل شبه منغمسة كلياً في «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً).
كما أن دي ميستورا لم يستطع حتى اليوم لعب دور الوسيط الناجع بل لطالما كان طرفاً يحابي المعارضة على حساب الحكومة وحتى في هذا الأمر لم يفلح، إذ أثار حنق معارضة الرياض أكثر من مرة سابقاً، لأنه لم يحقق لهم اعترافاً دولياً بأي شرعية لها كممثل للسوريين.
وعدا عن كل ما سبق فانه وخلال مراحل محادثات جنيف لم يستطع وحتى اليوم جمع أطراف المعارضة في مفاوضات مباشرة لا بل وهمش قسماً من المعارضين، حتى وإن قال الغرب عنهم «صنيعة النظام».
في ظل كل ما سلف لم يكن من المستغرب أن يزور دي ميستورا دمشق بعد سلسلة طويلة من مظاهر «القلق» التي يبديها مع كل تقدم للجيش العربي السوري على حساب «النصرة» وحلفائها في مختلف المناطق، بغية طرح حلول إنقاذية تقي أولئك نيران وضربات الجيش.
لكن زيارة الأمس استبقها المبعوث الأممي بتصريحات أقل ما يقال عنها إنها غريبة وبعيدة عن المنطق الحالي رغم ما أعلنه من مبادرة لإخراج «النصرة» من أحياء مدينة حلب الشرقية، إلا أنه وفي محاولة لإنقاذهم يجر معه اقتراح «إدارة ذاتية» في تلك الأحياء وكأن دمشق ستقبل هكذا اقتراح وهي التي رفضت اقتراحاً مماثلاً للأكراد في الشمال عندما كانت تتلقى الضربات وواقع الميدان لم يكن لمصلحتها.
لم يحسن دي ميستورا قراءة أفكار دمشق وتشددها ضد أي فكرة تنال من وحدة سورية الكاملة، وسيادة حكومتها على كل أراضيها، أو لعله أراد أن يعبد الطريق من خلال فكرة «الحكم الذاتي» باتجاه الآمال التركية بـ«منطقة عازلة»، في ظل تغاضيه التام عن الهدن الإنسانية المتعددة التي منحتها دمشق وموسكو في حلب.
المبعوث الأممي يبدو أنه أخطاً الوجهة بزيارة دمشق على حين كان عليه زيارة أنقرة أو الدوحة أو الرياض وهي العواصم التي أثبتت وقائع عديدة أنها تمون على «النصرة» ولنا في صفقة راهبات معلولا وغيرها خير أدلة على ذلك، لكن في المقابل قد يكون المبعوث الأممي قرأ جدية موسكو ودمشق في عمليتهما الأخيرة في ريفي إدلب وحمص فاستشعر أن نقل «النصرة» إلى الريف الإدلبي قد يعني إرسالها إلى التهلكة وهو أمر لا يريده لا هو ولا من وزراءه من قوى غربية.
لن يكون من المستغرب بعد اليوم أن تطلب دمشق تغيير اسم الوسيط الدولي بعدما أفلس دي ميستورا حتى الآن في مهمته، كما أنها سوف تستكمل بالتأكيد عملياتها ليس في حلب وحدها بل في محافظات أخرى تزامناً مع العملية الأخيرة في إدلب وحمص، أو استمرار إجراء المصالحات وتوسيعها من ريف دمشق إلى باقي المحافظات، وفي ضوء ذلك كانت رحلة المبعوث إلى دمشق غير ذات فائدة وعاد بخفي حنين.