بين الربيع العربي والربيع الأميركي.. بقلم: رفعت البدوي

بين الربيع العربي والربيع الأميركي.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ١٤ نوفمبر ٢٠١٦

بعد الانتهاء من أغرب حملة انتخابات رئاسية في تاريخ الولايات المتحدة نظراً لاستعمال الألفاظ البذيئة والإسفاف وهبوط مستوى التخاطب الذي لجأ إليه الطرفان المتنافسان ترامب وكلينتون، أفضت النتائج النهائية غير المتوقعة إلى فوز «دونالد ترامب» الرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأميركية الذي وصفه كثيرون في مختلف المحافل الإعلامية والسياسية بالأخرق أو غير الكفؤ لقيادة أميركا نحو عالم جديد ومتجدد.
الذهول كان واضحاً في الكثير من وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية والوجوم كان بادياً على وجوه الكثير من المراسلين والمذيعين في أميركا وأوروبا حتى إن بعضهم وصف نتائج الانتخابات بأنها صدمة غير مصدق ما حدث وإن معظم البورصات في العالم شهدت تراجعاً مريباً فور الإعلان عن فوز ترامب.
إذاً حدث غير المتوقع وفاز «دونالد ترامب» بلقب سيد البيت الأبيض في واشنطن وبات لزاماً علينا تأمل ودرس ما حصل في أميركا من خلال سبر أغوار شخصية الأميركيين أنفسهم التي كشفت عن مكنوناتها الدفينة وأصبحت واضحة وضوح الشمس وخصوصاً بعد الجنوح نحو الانقسام العامودي بين رغبة أميركية حقيقية عبرت عنها نتائج الانتخابات في رفض أساليب أجهزة القرار في الدولة الأميركية من جهة ازدواجية المعايير التي اعتمدت الكذب والخداع سياسياً وإعلامياً وعسكرياً ما سبب تشويه صورتها وشكل أزمة ثقة لدى قسم كبير من الأميركيين أنفسهم وخاصة الدول الحليفة في التعاطي مع أميركا والحذر منها، فالسعودية حللت اللجوء إلى العدو الإسرائيلي بعد انكشاف الخداع الأميركي الذي أفضى إلى إبرام اتفاق نووي مع إيران واكتشاف مخطط التوريط الأميركي للسعودية بحرب اليمن لتجد السعودية نفسها وحيدة في مواجهة إيران.
مؤيدو دونالد ترامب أعلنوا عن ربيع أميركي من صنع أميركي واعتماد ركب التطرف والانطواء والانعزال عن عالم بات غريباً بالنسبة للأميركيين والأوروبيين ألا وهو التطرف المصنوع أميركياً والسائد في بلادنا العربية والذي أرعب الأميركيين والأوروبيين.
معارضو ترامب أعلنوا رفضهم نتائج الانتخابات واستطراداً رفضاً لهذا الانعزال مفضلين التمسك بمؤسسات الدولة الأميركية وقراراتها ولو كانت مخادعة ظناً منهم أنه طريق المحافظة على مبدأ الديمقراطية التي كانت رمزاً اشتهرت الولايات المتحدة برفع رايته ردحاً من الزمن.
الأمر البالغ الأهمية الواجب التوقف عنده ملياً هو سقوط إمبراطورية الإعلام الأميركي الموجه سقوطاً مريعاً، فبعد أن وجهت وسائل الإعلام الأميركية التي زورت الإحصاءات ووجهت الأنظار نحو حتمية فوز هيلاري كلينتون وخصوصاً بعدما أكد الإعلام الأميركي عن تفوق كلينتون بالمناظرات التلفزيونية على غريمها ترامب فإذا بنصف الأميركيين قال كلمته في صناديق الاقتراع باعثاً رسالة قوية، معلناً سقوط منظومة الإعلام والميديا الكاذبة والموجهة ليقول لمراكز القرار الأميركي إنها الانتفاضة إنه الربيع الأميركي إنه صناعة أميركية، وإننا لم نعد نثق بكم ولا بتقاريركم ولا أفلامكم ولا أرقامكم الكاذبة التي زورت ولفقت ما سمي الربيع العربي في كل من مصر والعراق وليبيا وسورية وبعد وضوح ما حدث ويحدث في تلك البلاد من أنه صناعة وفبركة أميركية.
إن التطرف الذي يضرب بلادنا العربية المدموغ بـ«صنع في أميركا» سوف ينسحب على المجتمعات الغربية كافة ويزداد ليتحول إلى مزيد من الانغلاق والانعزال والتطرف المضاد ليترجم بالتطرف والعنصرية الفاقعة.
فها هي فرنسا تجنح نحو اليمين المتطرف وبدا ظاهراً تغيير نمط تفكير الفرنسيين بالتوجه نحو الانغلاق في آخر استطلاعات الرأي الفرنسية.
وها هي انكلترا انسحبت من الاتحاد الأوروبي لتنصرف إلى معالجة الداخل البريطاني والحد من الهجرة إليها، وها هي ألمانيا تواجه ما يشبه التقوقع نحو الداخل للمحافظة على الاقتصاد وعلى العرق الآري معلنة عن اتفاق مع تركيا لوقف هجرة اللاجئين إليها.
نستطيع القول إن ما رسم أميركياً وإسرائيلياً لمنطقتنا وأوطاننا العربية ارتد إلى الداخل الأميركي ومع أنه من الصعب رسم صورة واضحة لمستقبل المجتمع الأميركي لكن الصورة تبدو كمن أطلق القذيفة لكنه أصيب بشظاياها.
إننا أمام تاريخ جديد سيشهد على تفكك بعض المنظومات التي سعت للاستئثار بسياسات واقتصاد العالم من خلال تقسيم وتفتيت وتغيير أنظمة الأوطان طبقاً لمصالح تلك المنظومة.
لا غلو في القول إن صمود سورية الأسطوري استطاع تغيير وجه العالم وأصبح مادة تدرس للأجيال القادمة.