أسئلة الحملة الانتخابية الأميركية.. بقلم: جميل مطر

أسئلة الحملة الانتخابية الأميركية.. بقلم: جميل مطر

تحليل وآراء

الخميس، ٣ نوفمبر ٢٠١٦

سبعة أيام وتجد الولايات المتحدة نفسها عند مفترق طرق. لن يتوقف الأميركيون بعد اليوم السابع ليسألوا أنفسهم ماذا هم فاعلون بالرئيس الجديد، أو ماذا هو أو هي كرئيس فاعل بهم خلال السنوات المقبلة. أتصور أن أسئلة أهم من هذا السؤال أو ذاك سوف تفرض نفسها، ليس فقط على الأميركيين ولكن على العالم بأسره أيضاً. لم تكن الحملة الانتخابية بأي مقياس حملة عادية. كانت حملة مشحونة بأفكار جريئة، وعلامة فارقة في مسلسل التطور الاجتماعي - الثقافي في أميركا بخاصة والغرب عامة. أختصر الكلام وأذهب مباشرة إلى الأسئلة التي بدأت بالإشارة إلى أنها أهم من سؤال تقليدي تسأله الشعوب، فور إعلان فوز مرشح على آخر وانتقال المنتصر إلى البيت الأبيض.
السؤال الأول: هل بدأت تصدق نبوءة قارئي المستقبل الذين توقعوا أن يشهد القرن الجديد اهتماماً أقل بالمسائل الاقتصادية واهتماماً أكبر بالشؤون الاجتماعية – الثقافية؟ ما أعنيه هو أن الحملة فاجأتنا حين كشفت لنا عن تركيز نسبة غير بسيطة من الناخبين على قضايا العرق واللون والدين والطائفة والهجرة والأصل الاجتماعي. كان غريباً علينا أن نرى مشكلات الهجرة وقد صارت في مقدمة انشغالات الأميركيين. كان غريباً أنه بعد سبعين عاماً من إعلان نهاية التمييز العنصري في ولايات أميركا كافة، نعود لنرى ألوف الناس ترحب بخطاب السيد ترامب العنصري ولا تهتمّ بخلوّ خطابه الانتخابي من إشارة جادة إلى مستقبل الرأسمالية والنظام الاقتصادي الأميركي. لم نلاحظ اهتماماً غير عادي من المرشح «الديموقراطي» والأميركي على حد سواء بالقضية الاقتصادية، في وقت لم تكَد أميركا تتجاوز بشكل حاسم أزمتها التي اقتربت من عامها العاشر. أكثر الاهتمام تشتّت بين قضايا الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة وهجرة المكسيكيين ولجوء السوريين والتمويل الأجنبي لحملة هيلاري كلينتون وتاريخ النساء في حياة دونالد ترامب. تكمن الخطورة، أو الأهمية، في أن تطوّراً مماثلاً يحدث في القارة الأوروبية وفي روسيا فلاديمير بوتين وفي معظم دول الشرق الأوسط. في هذه المواقع كلها تهتمّ نسب عالية من الرأي المُسيّس بقضايا ثقافية – اجتماعية على حساب الاهتمام بالقضية الاقتصادية.
السؤال الثاني: هل كان وصول امرأة إلى الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية الأميركية، دافعاً لدعم التيار الذي يعتقد أن المرأة حصلت على نصيب من الحقوق أخلّ بمبدأ المساواة بين الجنسين؟ حدث بالفعل أن ارتفعت أصوات نساء يطالبن بمناصب في قيادة الجيوش البرية والبحرية والجوية. بل راح آخرون وأخريات يرفعون شعار الحاجة إلى عقد «المساواة التاريخية»، بمعنى تعويض النساء عما فاتهنّ عبر القرون من امتيازات انتزعها الرجال انتزاعاً. قيل مثلاً لماذا لا يُمنع الرجال من ممارسة حق التصويت لمدة مئة عام كقسط مناسب في حملة تعويض النساء. في الوقت نفسه راح رجال من المدافعين عن حقوق الإنسان يقترحون قصر التعيين لحرس السجون على النساء لما عُرف عنهن من رقي وتحضّر ونعومة. يستند هؤلاء وغيرهم إلى حقيقة، لها مبرراتها، وهي أن النساء متفوقات على الذكور في مختلف مراحل الدراسة. هنا أيضاً كما في السؤال الأول تنبع الخطورة من الخلط الشديد في أسبقيات القضايا المجتمعية وقلة الحرص على المناقشة بالجدية اللازمة، وكلاهما، الخلط وقلة الحرص، من علامات مدرسة ترامب، وهي المدرسة الشعبوية بامتياز. المثير في الأمر أن المرشح قاد بنفسه الحملة ضد النساء وما حققن من إنجازات بل وتعمّد إهانتهن. لذلك أظنّ أن ميشيل أوباما عندما خطبت في الناس ضدّه كانت تنطق بلسان امرأة ملتهبة بالغضب نتيجة إصابة مباشرة في صميم وجوهر ما تؤمن به.
السؤال الثالث: لماذا بدت الحملة الانتخابية في نظر البعض إحدى الخطوات الأخيرة في مسيرة سقوط اليسار في الغرب خاصة والعالم بشكل عام؟ لا شك في أن سقوط اليسار أو انحداره سابق على الحملة الانتخابية، فهو مرتبط بشكل وثيق بانفراط الاتحاد السوفياتي والشيوعية، وبشكل لا يقلّ أهمية بما أطلق عليه صعود الإنسان الرقمي، الذي نشأ وتدرّب على أساليب التكنولوجيا الإلكترونية والرقميّة. غالبية أبناء هذا الجيل مبرمجون على ذهنية برغماتية وعملياتية ابتعدت بالكثيرين منهم عن دهاليز وقضايا التفكير الأيديولوجي والتقدّمي والصراعات الطبقية ونقد نظريات الهيمنة والإمبريالية. الأمر المؤكد أيضاً هو أن هذه الحملة تسبّبت في التعجيل بالسقوط، حيث إنها أبرزت خطورة الدور التخريبي الذي مارسته القوى الشعبوية بقيادة ترامب وأمثاله. الشيء نفسه حادث في أوروبا، حدث خلال حملة «البريكسيت»، حين خرجت قوى الشعبوية من كلا اليمين واليسار تعبث بالأنماط الديموقراطية في التعامل مع الأحداث المصيرية. إلى جانب هذا يجب ألا نتجاهل حقيقة أن اليسار الديموقراطي ممثلاً في أحزابه الرئيسة ورموزه القائدة، تخلى عن مبادئه وراح يسعى لأحضان القوى المصرفية وقوى الأعمال، تاركاً الساحة لتملأها تيارات وتنظيمات وقيادات شعبوية. حدث هذا في فرنسا والمملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا، وحدث لـ «سيريزا» في اليونان ولفلول الشيوعية في روسيا ولتيارات عديدة في الشرق الأوسط كما في مصر، وفي آسيا كما في الهند وتايلاند والفلبين. أما في أميركا فالخيار خلال السنوات المقبلة سيكون بين الشعبوية التي أطلقها ترامب والنخبوية التي قادت أميركا منذ الاستقلال وتسعى لإنجاح ربيبتها هيلاري، ولن يكون الخيار سهلاً وقد لا يسلك مسالك العمل المدني والسلمي.
يقول إعلام النخبة الحاكمة في أميركا أن ترامب والشعبويين أهانوا أميركا منذ أن بدأوا يردّدون عبارة «فلنجعلها عظيمة مرة أخرى». هؤلاء يتركون انطباعاً لدى الشعب الأميركي وخصوم أميركا في الخارج بأن الولايات المتحدة دولة «أفلست وفي طريقها للانهيار»، دولة جفّت، إن صح التعبير. يردّ الشعبويون على لسان ترامب بالقول إن أميركا أصبحت دولة فقيرة، دولة كدول العالم الثالث فلنجعلها عظيمة مرة أخرى. يقول هذا الكلام مرشح للرئاسة الأميركية لا يحترم الدستور بل لا يُخفي احتقاره له. هي المرة الأولى في تاريخ أميركا التي يصل فيها إلى مرحلة الترشيح لمنصب الرئاسة شخص لا يؤمن بالديموقراطية ويستهين بدستور البلاد.
أي مستقبل ينتظر أميركا برئيس شعبوي يكره الديموقراطية وينوي اعتقال قادة المعارضة؟ وأي مستقبل ينتظر أميركا برئاسة هيلاري إذا كانت المعارضة لها شعبوية ويقودها دونالد ترامب؟