تحالفُ الأصدَقَيْن يصنع رئيساً.. بقلم: حبيب فياض

تحالفُ الأصدَقَيْن يصنع رئيساً.. بقلم: حبيب فياض

تحليل وآراء

الأحد، ٣٠ أكتوبر ٢٠١٦

قريبا العماد عون رئيساً للجمهورية بدعم من «حزب الله» أولاً، والآخرين مؤخراً. لم يكن من المرتقب أن يُنتج التفاهم بين حزب المقاومة و «التيار الوطني الحر» رئاسةً للجمهورية اللبنانية ممثلة بميشال عون. وبالتالي، لم يكن من المتوقع بلوغ التحالف بينهما هذا المدى من النجاح والتكامل والإنتاجية والتآلف والصدقية والفاعلية. العلاقة بين الجانبين تؤشر على تجاوز ما هو آني في السياسة، إلى ما هو بنيوي في إعادة بناء الدولة وصناعة لبنان الجديد.
خصوصية ما يجمع بين التيار والحزب، تكمن في الانقلاب على السائد والمألوف في العلاقات السياسية بين اللبنانيين، وتغليب منطق المبادئ على المصالح. هي خصوصية غير قابلة للتعميم بوصفها تجربة مختلفة بين فريقين مختلفين. الآخرون في لبنان يلتقون في المنطلقات لكنهم يختلفون في الأهداف الكامنة في التسابق على المحاصصة والنفوذ، فيما التيار والحزب اللذان جاءا من منطلقات مختلفة، شكّلا حالة فريدة في التلاقي على الأهداف الكامنة في الإصلاح والمقاومة. لقد نجحت العلاقة بين الجانبين في تخطي تفاهم مار مخايل ببنوده العشرة، إلى كونها تحالفاً عميقاً يكشف التحالفات الهشة، في ظل انعدام التجارب المماثلة، وفي ظل ذهاب تحالفات أخرى «عريقة» نحو الفراق والتشظي.
انتقل حزب المقاومة والتيار العوني عبر ملف الرئاسة من التفاهم السياسي إلى الشراكة الفعلية، ومن ورقة التفاهم إلى ميثاق ضمني في المواطنة والعيش المشترك، ومن التحالف الى الشراكة في الجمهورية، ومن التنسيق في السلطة إلى إعادة إنتاجها، ومن التحالف الثنائي إلى استقطاب متعدد الأطراف. كما استطاع الحليفان خرق جدار الوهم الذي يفصل بين الأمور ونصابها، واستبدال منطق المكابرة بواقعية منتجة، وجعل التصورات الوفاقية الصعبة أمراً واقعاً وضرورياً. في البعد الوطني هو تحالف بين الأصدَقَين والأكثر تمثيلاً. فلا غلبة للآخرين عليهما ولا قرار يمر من دونهما. وأيضا هو في انعكاساته ما بعد اللبنانية، يصلح نموذجاً للتعايش بين المسيحية المشرقية والإسلام الوسطي على صعيد المنطقة برمّتها.
لا يصح النظر إلى جوهر الاستحقاق العوني في الرئاسة خارج التحالف بين التيار والحزب. الأصل قائم هنا. البعض رشحوا الرجل من أجل إيجاد شرخ بينه وبين الحزب حليفه، على أمل أن يكون ترشيحهم له عاملاً مساعداً على منع وصوله إلى الرئاسة. وهم في ذلك يخططون لوراثته وقبض كلفة دعمه وترشيحه. البعض الآخر أرادوه رئيساً على قاعدة «مرغم أخاك لا بطل»، بوصفه المعبر الوحيد لخروجهم من نفق الإفلاس ونجاتهم من الغرق. ثمة آخرون لا يريدونه رئيساً لأنهم يختلفون معه في الرؤية والممارسة. هؤلاء سيختارون في نهاية المطاف، التفاهم معه أو الانتقال إلى صفوف المعارضة. وحده الحزب بوقوفه إلى جانب التيار شكل معه تحالف الأقويين، فسارت الغالبية خلفهما، بعدما مهدا الطريق، لأول مرة، أمام لبننة الاستحقاق وإخراجه من دائرة «الفيتوات» الخارجية.
يحتاج لبنان إلى مقاومتين يعيش بهما، الأولى لمواجهة الخطرين الإسرائيلي والتكفيري، والثانية لمواجهة الفساد على طريق الإصلاح والتغيير وبناء الدولة. وما بين «التيار العوني» و «حزب الله» هو ما بين مقاومتين لا بد منهما على طريق قيامة لبنان.