معركة الموصل والمشاركة التركية

معركة الموصل والمشاركة التركية

تحليل وآراء

الأحد، ٢٣ أكتوبر ٢٠١٦

إيهاب زكي - بيروت برس -
ليس من السهل أن يحمل الإنسان رأسًا وهابيًا أو إخوانيًا، كما أنه ليس من السهل أن تدرك ما يقولون أو يفعلون دون حمل ذاك الرأس، فيقول مثلًا الكاتب الإخواني ياسر الزعاترة في معرض هجومه على مصر "أنها اختارت إقامة علاقات مع العدوين اللدودين للأمة العربية، حيث أنها وبعد إقامة علاقات دافئة مع "إسرائيل" تتجه لتطبيع العلاقات مع إيران، ولمواجهة هذا السلوك المصري يجب إنشاء حلف عربي تركي"، وكأنه لا علاقات "إسرائيلية" تركية ساخنة وحميمية، ولا علاقات تركية إيرانية طبيعية، وهنا تبرز ميزة حمل الرأس الإخوانية أو الوهابية، فبدل أن ترهقك رأسك بالأسئلة عن هذا التناقض حد العمى، ستنفرج أساريرك لعبقرية الفكرة والضمير النابض لصاحبها.

ومثالٌ آخر في نفس السياق يقول محمد الشنقيطي أستاذ الأخلاق السياسية في جامعة قطر "إن توجه السيسي نحو إيران بعيدًا عن المملكة العربية السعودية هو أضعف من أن تحتمله مصر، لأن هذا سيجلب عداءً أمريكيًا إسرائيليًا"، وقد تكون هذه زلة لسان لكنها الحقيقة، ورغم أن هذه العبارة تعني بأن أمريكا و"إسرائيل" والسعودية في خندق العداء الموحد لإيران ومحورها، ستجد أن الرأس الإخواني قادر على إعادة تدويرها، ليستخرج منها عداءً سعوديًا-أمريكيًا "إسرائيليًا" وتحالفًا أمريكيًا "إسرائيليًا"- إيرانيًا". وهذه الرؤوس ذاتها هي من تقطع بأنّ الصواريخ التي يطلقها الجيش اليمني على مواقع سعودية هي إيرانية الصنع، بدليلٍ وحيد هو أن اليمن لا يمتلك القدرة على صناعتها، وهي رؤوس في نفس الوقت تقطع بأنّ صواريخ حماس محلية الصنع لا علاقة لإيران بها، فعلى الأقل وبغض النظر عن حال اليمن اقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيًا قبل العدوان، لكنه يظل دولة ولها جيش وشرعية شراء السلاح وتكديسه وتطويره، لذلك فلا يمكن التعايش مع كل هذه المتناقضات عقليًا سوى بوهبنة العقل والضمير أو أخونتهما.

وبناءً على ما سبق من أمثلة وغيرها الكثير، لا أعرف لماذا قام إعلام النفط بشقيه الإخواني والوهابي بإخفاء تصريحات أردوغان عن نيته مراجعة اتفاقية لوزان، وهو ما يشي بأطماع طورانية بأراضٍ عربية، فتلك الرؤوس التي يخاطبها ذلك الإعلام لن تستنفر أو تُستفز، فالنفط جعلها حصرًا تخصص أطماع فارسية. ورغم أن تصريحات أردوغان هوجائية رعناء في غالبها، وليس لها أي ارتدادات على مسرح وسير الأحداث الدولية، إلا أنها تساهم في خلق مناخ من التوتير والتحريض على المستوى الشعبي وفي دهاليز تلك الرؤوس، كما أنها تساهم في صناعة مستوى متدنٍ جدًا من مفاهيم البطولة وماهيتها، وتقوم بتلقيح تلك الرؤوس المتعطشة لبطل بصورة مشوهة عنه، ولا ترتقي حتى لما تزخر به مخيلة الأطفال عن "الشاطر حسن". فهذا اللغو والتشويش واللغط الذي يمارسه أردوغان على الفضائيات ويسمى تصريحات، ينتهي عادة في الفراغ وإليه بمجرد صدور تصريح أمريكي يخالفه، وهذا التصريح المخالف لا يصدر عن أوباما أبدًا، بل عن ناطقين-وليس حتى وزراء- باسم البيت الأبيض أو الخارجية أو البنتاغون، فينكمش أردوغان مؤقتًا قبل أن يعاود اللغو والتنطع بزيف البطولات، وآخر الأمثلة على ذلك ما أثاره أردوغان حول معركة الموصل، فمن استمع إليه قبل انطلاق المعركة كاد يظن أنه سيحرك جحافله ويجتاحها منفردًا، لكن بعد التصريحات الأمريكية عن ضرورة التنسيق مع الحكومة العراقية، تكاد تنتهي معركة الموصل ولم يحرك أردوغان سوى لسانه وفكيه.

بالأمس صرح وزير الدفاع الأمريكي عن التوصل لاتفاق مبدئي بين تركيا والعراق لمشاركة تركيا في معركة الموصل، وهو ما نفته الحكومة العراقية ما اضطر الوزير الأمريكي لزيارة بغداد ولقاء المسؤولين العراقيين لدراسة المشاركة التركية، وبغض النظر عما سيتوصل إليه الطرفان، فإنّ ما قاله الوزير الأمريكي عن وجود اتفاق يعني أنّ الجيش التركي سيخضع لقرار عراقي إقدامًا أو إحجامًا، رفضًا أو قبولًا، وهو ما يتعارض مع لغو أردوغان بأنه جيش لا يعمل عند العبادي، فهو جيش لا يعمل عند العبادي بشكلٍ مباشر لكنه يعمل عند الناتو، لذلك جاء الوزير الأمريكي كواسطة ليقبل العبادي بتشغيل الجيش التركي لديه باعتباره جزء من الناتو ومصالح الناتو لا باعتباره جيش سني لحماية السنة كما يحلو لتلك الرؤوس تصوير الأمر. وقد تبدو هذه مقاربة تبسيطية لأحداثٍ جلل، وهذا يعود لأمرين، أولهما أن الحقائق بطبيعتها بسيطة، وثانيهما أن وجود أردوغان في أي قضية سيجعل من محاولة تناولها برصانة مجرد تهريج مبتذل، وهذا بعكس التواجد الإيراني مهما اختلفت درجات التوافق أو التعارض معه، فهو تواجد صناعة إيرانية خالصة، وهذا ما يقر به الموافِق والمعارض للتواجد الإيراني، وهنا يبرز سؤال عن الرفض العراقي للتواجد التركي مقابل القبول بالتواجد الإيراني، وكما يقول المنحازون لتركيا بتواجد 60 دولة على الأراضي العراقية، فلماذا فقط أصبحت الحكومة العراقية سيادية أمام الأتراك حصرًا.

إنّ الخطأ لا يصبح صوابًا حين مقارنته بالأخطاء الأخرى، والحكومة العراقية ترتكب خطًا بإعطائها شرعية الوجود لقوات التحالف، ورغم أن تركيا حاولت التستر بغطاء التحالف قبل أن تعريها الولايات المتحدة، وبخصوص تركيا فحين تم التوقيع على اتفاقية أنقرة بين بريطانيا وتركيا والعراق عام 1926، وهي الاتفاقية التي حسمت السيادة العراقية على الموصل، احتج أعضاء البرلمان التركي على هذه الاتفاقية فأطلق أتاتورك وعدًا باستعادة الموصل في الوقت المناسب، وهو ما أعاد التأكيد عليه لاحقًا عدة رؤساء أتراك كان من ضمنهم تورغوت أوزال سليمان ديميريل، ومازال البرلمان التركي يخصص ميزانية للموصل بشكل رمزي قيمتها ليرة واحدة، وإيران لا تفعل ذلك، وتركيا تعلن أنها دربت عشرة آلاف عنصر من قوات الحشد الوطني سيشاركون في تحرير الموصل وتسعى لتسلميهم إدارة المدينة بعد التحرير، ما يعني نواة لدولة سنية لتقسيم العراق وخلق قاطع جغرافي طبيعي بين إيران وسوريا ولبنان. وبرغم كل ما في حكومة العراق من مثالب إلا أنها ترفض التقسيم، وإيران ترفض تقسيم العراق من باب الحرص على أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية بعيدًا عن المبدئية، وذلك بعكس تركيا، وفي النهاية فإنّ التصعيد السياسي الذي مارسه العراق تجاه تركيا، سيجعل من التدخل التركي في معركة الموصل كما عدمه لناحية النتائج وتقسيم غنائم المعركة، لأن سقف التدخل وطبيعته أصبح محكومًا بقرار عراقي سيادي.