ماذا نسمي الحرب السورية عند انتهائها؟.. بقلم: سامي المبيض

ماذا نسمي الحرب السورية عند انتهائها؟.. بقلم: سامي المبيض

تحليل وآراء

السبت، ٢٢ أكتوبر ٢٠١٦

عند تسمية الحروب التقليدية بين الدول، يأتي عادة اسم الدولة المهزومة قبل المنتصرة. فعلى سبيل المثال نقول «الحرب الروسية العثمانية» عن أحداث 1877-1878، و «الحرب الروسية اليابانية» عن حرب 1904-1905، التي انتصرت فيها اليابان على الإمبراطورية الروسية.
لا توجد هيئة مكلفة تسميةَ الحروب طبعاً، فالأسماء تأتي عادة بالتكرار والممارسة وتتغير مع الوقت وتختلف من شعب إلى آخر. الإسرائيليون مثلاً يسمون حرب فلسطين الأولى «حرب الاستقلال»، ونحن العرب نفضل استخدام عبارة «النكبة» التي أطلقها المؤرخ السوري قسطنطين زريق، رئيس جامعة دمشق يومها، والذي أصبح لاحقاً رئيساً للجامعة الأميركية في بيروت. الإسرائيليون أيضاً يسمون حرب عام 1967 «حرب الأيام الستة»، لكي يذكر التاريخ أن الدولة العبرية احتلت كلاً من هضبة الجولان السورية وصحراء سيناء المصرية والضفة الغربية الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية خلال أقلّ من أسبوع واحد، ودمرت الجيوش النظامية في كل من مصر وسوريا والأردن. لكن المؤرخين العرب يفضلون استخدام عبارة «النكسة» التي أطلقها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على تلك الهزيمة في خطاب التنحي الشهير يوم 9 حزيران حين قال: «لا نستطيع أن نخفي على أنفسنا أننا واجهنا نكسة خطيرة». تختلف التسميات أيضاً حول «حرب أكتوبر» 1973. فالمصريون يطلقون عليها اسم «حرب العاشر من رمضان» والسوريون يسمونها «حرب تشرين التحريرية»، فيما الإسرائيليون يصفونها بحرب «يوم كيبور» أو «يوم الغفران»، لأن مصر وسوريا أعلنتا الحرب في يوم العطلة المقدس عند الطائفة الموسوية، حيث يحرم على اليهود إشعال النار.
في سوريا اليوم نجد مجموعة أسماء متنوعة للحرب الطاحنة التي عصفت بالبلاد والعباد منذ خمس سنوات ونيف. فالمعارضة السورية ما زالت تطلق عليها اسم «الثورة» والإعلام الرسمي في دمشق ما زال يصفها بـ «الأزمة» تماماً كما لو أنها «أزمة صحية» أصابت جسم إنسان سليم ومعافى، وهي حكماً أكبر من ذلك بكثير. الأسماء الأخرى عند الكتاب العرب والأجانب تتراوح بين «الحرب السورية» و «الحرب الأهلية السورية» و «الانتفاضة السورية». في الحقيقة ما يجري في سوريا اليوم هو أكبر وأخطر من كل تلك التسميات، فهي حرب رهيبة تجاوزت حدود الدولة السورية، دمرت مدناً وبناها التحتية وقتلت وشردت الملايين ووصلت نيرانها الى شواطئ أوروبا لتقف على أبواب قصر الكرملين والبيت الأبيض. هي «كارثة سورية» بحق، تحولت إلى معركة مفتوحة لتصفية حسابات الآخرين على الأرض السورية وعلى حساب الشعب السوري، بين إيران والسعودية من جهة وبين الولايات المتحدة وروسيا من جهة أخرى. هي حكماً ليست حربا أهلية فحسب كما يطلق عليها الإعلام الغربي، فالحروب الأهلية عادة ما تكون بين أبناء الوطن الواحد، فيما يتداخل في الحرب السورية دور 81 دولة تحارب على أرض سوريا وباسم شعبها. الدول العربية جميعها مشاركة في هذه الحرب، إما رسمياً أو عبر رعاياها أو منظماتها، إضافة إلى مقاتلين يحملون جوازات سفر من دول مختلفة حول العالم، ومشاركة عسكرية رسمية لكل من روسيا الاتحادية والولايات المتحدة والجمهورية التركية و «إسرائيل». حكماً هذه حرب عالمية على الأرض السورية.
الحرب العالمية الأولى نالت صفتها «العالمية» بسبب مشاركة 32 دولة وسقوط 17 مليون قتيل و20 مليون جريح، والثانية وصلت إلى مرتبة «العالمية» بسبب مشاركة 102 دولة بشكل أو بآخر، سقط خلالها نحو 60 مليوناً، بينهم 20 مليوناً من العسكر و40 مليوناً من المدنيين. نحو 80 في المئة من الشباب الأوروبي المولود عام 1923 لم يُكتب لهم الحياة بعد عام 1945، حيث مسحت الحرب جيلاً كاملاً من الشباب في كل من الاتحاد السوفياتي وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وبعض دول أوروبا الشرقية.
ماذا لو استمرت الحرب السورية لسنوات، لا قدّر الله؟
عند بدء الحرب العالمية الأولى في صيف عام 1914 لم يكن أحد يطلق عليها هذا الاسم المتداول اليوم، بل كانت تسمى «الحرب العظمى»، وكان الظن أنها ستنتهي مع حلول أعياد الميلاد في كانون الأول من ذلك العام. عندما امتدت وتوسعت، حاول بعض عقلاء أوروبا تسميتها «الحرب التي سوف تنهي كل الحروب»، فيما البعض الآخر سماها «الحرب الأوروبية» لأنها لم تأخذ صفة «العالمية» إلا بعد تدخل الولايات المتحدة إلى جانب الحلفاء في نيسان عام 1917، ولم توصف بالأولى إلا بعد اندلاع الثانية في أيلول عام 1939. أول من استخدم عبارة «الحرب العالمية الثانية» كانت مجلة «تايم» الأميركية في عددها الصادر في تموز عام 1939، محذرة مما يمكن أن يحدث في العالم لو سُمح لأدولف هتلر أن يجتاح أوروبا. في عام 1941 استخدم الرئيس الأميركي فرانكلن روزفيلت عبارة «الحرب العالمية الثانية» في أحد خطاباته، وكانت المرة الأولى التي يستخدم فيها رئيس دولة هذا الاسم. لكن يبدو أنه لم يعجب الرئيس روزفلت فطلب من الشعب الأميركي أن يقدم مقترحات بديلة ليتم استخدامها رسمياً في الكتب المدرسية والإعلام. على مدى ثلاثة أسابيع، وصل قرابة خمسة عشر ألف مقترح إلى صندوق بريد وزارة الدفاع الأميركية، تراوحت بين «الحرب من أجل الحضارة» و «حرب الدفاع عن الإنسانية» و «حربنا على العبودية» و «حرب البقاء».
عندما تنتهي الحرب السورية، قد نكون بحاجة لمشاركة مماثلة من الشعب السوري نفسه كي يختار اسماً يليق بحرب الآخرين في بلاده وعلى أرضه، قبل أن يأتي هؤلاء ويلصقون اسماً مبتذلاً لا يليق بمأساة هذا الشعب، الذي لطالما ادعى بعضهم كذباً حرصه عليه وعلى سيادته.