التوتر المصري السعودي: من قرر أن ينقلب القاهرة أم الرياض؟.. بقلم: فارس الجيرودي

التوتر المصري السعودي: من قرر أن ينقلب القاهرة أم الرياض؟.. بقلم: فارس الجيرودي

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٩ أكتوبر ٢٠١٦

عكس ما حاولت وسائل الإعلام السعودية الإيحاء به لم يأت قرار شركة أرامكو السعودية وقف الالتزام بالاتفاق الخاص بتزويد مصر بالمشتقات البترولية كرد على التصويت المصري لمصلحة القرار الروسي بشأن سورية في مجلس الأمن، فحسب المعلومات المتوافرة تم إبلاغ الجانب المصري بوقف العمل بالاتفاق من أرامكو قبل جلسة مجلس الأمن المتعلقة بسورية بيومين، كما أن الموقف المصري في الجلسة لم يكن مفاجئاً أو خارجا عن سياق ما التزمت به القاهرة سابقا من مبادئ في موقفها من الصراع في سورية، بما يبرر ردا من هذا النوع، حيث عملت السياسة المصرية في عهد السيسي على محاولة تحقيق التوازن بين تحالفها الإستراتيجي مع كل من الولايات المتحدة الأميركية على المستوى الدولي ومع السعودية على المستوى الإقليمي من جهة، وبين ما تمليه عليها مبادئ ثورة 30 يونيو التي يستمد منها النظام شرعيته، من ضرورة مواجهة خطر الجماعات المتأسلمة والوقوف إلى جانب الدول الشرعية ومؤسساتها وعلى رأسها الجيوش الوطنية، وما تمليه عليها أيضاً مبادئ الأمن القومي المصري من ضرورة التنسيق مع المؤسسات الأمنية السورية ضد خطر تلك الجماعات، وكنتيجة لهذه الرغبة بتحقيق التوازن كانت مصر الدولة الوحيدة التي صوتت مع القرارين الروسي والفرنسي معاً.
إن الموقف المصري بالتصويت بالموافقة على القرار الروسي لم يكن يحمل في طياته نيات انقلابية على موقع القاهرة كحليف إستراتيجي لواشنطن أو الرياض، بقدر ما جاء محاولة لاستباق ما يمكن أن تسفر عنه تطورات الصراع في سورية، وذلك بعد أن رفعت روسيا مستوى التحدي عقب تملص إدارة أوباما من اتفاقها مع موسكو، حيث هددت موسكو ولأول مرة بإسقاط أي طائرة تعتدي على الجيش العربي السوري، وذلك بالتزامن مع إرسال أسلحة دفاعية وطائرات هجومية روسية جديدة إلى الميدان السوري، ما يمكن اعتباره تحولا إستراتيجيا، لم يقابله رد أميركي بالمستوى ذاته من القوة، وهذا يعني وفق ما قرأته القاهرة أننا مقبلون بالضرورة على عملية عسكرية كبيرة للجيش السوري ضد الجماعات الإرهابية وبغطاء روسي، ستضطر الولايات المتحدة بنتيجتها للعودة إلى طاولة المفاوضات بشروط أقل تواضعا، وذلك مهما طال الزمن، وبناء عليه ترى القاهرة أن الوضع سيكون ملائما في نهاية المطاف لتعيد طرح نفسها مجدداً كعراب مناسب للتسوية في سورية، نظرا لما احتفظت به من علاقات جيدة مع جميع الأطراف: روسيا والولايات المتحدة والدولة السورية والمعارضة السورية التي اجتمعت في مؤتمر بالقاهرة العام الماضي برعاية وزارة الخارجية المصرية، وهي معارضة مختلفة عمّا سمي مؤخراً بمعارضة الرياض، حيث تم استبعاد كل الجماعات المسلحة على الأرض السورية من التمثيل في المؤتمر، عدا وحدات الحماية الكردية، التي تعتبر معارضة معتدلة يمكن التفاهم معها من دمشق وموسكو.
لكن التطور المفاجئ والانقلابي فعلا كان طريقة الرد السعودي على التصويت المصري، حيث خرج الخلاف بين القاهرة والرياض حول الأزمة السورية لأول مرة ورسميا للعلن، عبر تصريح المندوب السعودي في مجلس الأمن، والذي وجه لوما صريحا للقاهرة على موقفها، ووصل اللوم لدرجة اعتبار التصويت المصري خروجا عن الموقف العربي، حيث وصل الغرور بالرياض إلى اعتبار نفسها وحدها هي من يحدد الموقف الرسمي العربي، وبمعزل عن أي اتفاق مع العواصم التاريخية دمشق وبغداد والقاهرة ولا حتى مع واحدة منها.
إن التصريح الحاد الذي أطلقه المندوب السعودي وما سبقه من قرار وقف إمداد مصر بالمشتقات النفطية يوحيان بأن هناك من قرر في الرياض الانقلاب على التحالف مع مصر وهي في ذروة أزمتها الاقتصادية، حيث تم التذرع بالتصويت المصري على القرار الروسي لإخراج ذلك القرار إلى العلن، وهذا ما أكدته خطوة سحب السفير السعودي من القاهرة.
وبغض النظر عن دوافع هذا الانقلاب السعودي، وإذا كان لأسباب اقتصادية تتعلق بالأزمة المالية الكبيرة التي تمر بها مملكة آل سعود، أو بهدف ممارسة ضغوط على مصر لفرض سيطرة كاملة على قرارها السياسي كما أوحى الرئيس السيسي في خطابه الأخير، أو لكلا السببين معاً، يبقى من المفيد التذكير بأن القيادة المصرية الحالية تحملت الكثير من أجل إبقاء التحالف مع السعودية حيا، حيث يواجه الاقتصاد المصري أزمة وجودية خانقة، عقب توقف السياحة المورد الاقتصادي الأهم للبلاد، وما نتج عنه من تضخم وانهيار في سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، بما ينذر بتفاقم الأزمات المعيشية التي يعاني منها المواطن المصري، لذلك قبلت القاهرة في سبيل المحافظة على علاقات جيدة مع السعودية الداعم الخارجي الأهم للاقتصاد المصري، التغاضي عن قتال الرياض إلى جانب الإخوان المسلمين في اليمن، وشاركت رمزيا فيما سمي التحالف العربي هناك، كما تناست التحالف بين آل سعود ونظام أردوغان عدوها الإقليمي الأول اليوم، وما نتج عن ذلك التحالف من دعم هائل للجماعات الإرهابية في سورية، كما تحملت العبث السعودي بالأمن القومي المصري من خلال الاستثمار في سد النهضة في إثيوبيا، كذلك قبلت قيادة السيسي أن تخوض مواجهة داخلية مع القاعدة الجماهيرية التي تساندها في مصر نتيجة أزمة جزيرتي صنافير وتيران اللتين طالبت بهما الرياض، لتحقيق التواصل الجغرافي مع الكيان الصهيوني.
ولكن كل ذلك لم يشفع على مايبدو للقاهرة، التي ستضطر ربما للبحث عن داعم اقتصادي آخر وإستراتيجية اقتصادية أخرى في حال قررت السعودية وقف ما التزمت به من حزمة مساعدات وقروض ووودائع ضرورية من أجل المضي بالخطة الاقتصادية المصرية، والتي تنص على ايفاء 6 مليارات دولار قديمة لنادي الدائنين في باريس مقابل صرف قرض بنك النقد الدولي، مما يقدم فرصة حقيقية للمحور المقابل في العالم محور الصين روسيا إيران للتقدم بطوق النجاة لمصر، فأم الدنيا وبلد الأزهر تشكل وزنا راجحا على المستويين العربي والإسلامي، رغم الظروف الصعبة التي تمر بها، وهي مع التزامها حتى اللحظة بالتحالف الإستراتيجي الذي أقامته مع واشنطن نتيجة اتفاق كامب ديفيد، إلا أنها تبقى دولة مؤسسات تقيم سياستها الخارجية على حسابات الربح والخسارة، عكس الأنظمة العائلية الوظيفية في الخليج والتي تتحرك لخدمة لمصالح الغربية بدوافع غرائزية بحتة.