أعاصير سياسية تسبق حروباً أو انفراجات دولية.. بقلم: نزار عبود

أعاصير سياسية تسبق حروباً أو انفراجات دولية.. بقلم: نزار عبود

تحليل وآراء

الأحد، ١٦ أكتوبر ٢٠١٦

الولايات المتحدة بحاجة لقرار دولي يتيح لها التحرك العسكري في سوريا خاصة بعد أن شعرت أن بوتين بدأ يسحب البساط التركي من تحت أقدامها. لذلك تبدو إجتماعات لوزان مهمة جداً بعد الإتفاق على لقاء يجمع وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا. لكن إذا فشل اللقاء في كسر الجمود، فإن الأمم المتحدة مقبلة على حراك غربي عربي يرمي إلى إستصدار قرار من الجمعية العامة تحمله واشنطن كقميص عثمان لتبرير أي هجمات تشنها في الشرق الأوسط.

يراجع أعضاء مجلس الأمن الدولي، في جلسة مشاورات مغلقة الإثنين المقبل المساعي السلمية التي تكون قد تمت في لوزان خلال عطلة نهاية الأسبوع مع المبعوث ستافان دي ميستورا. وسيكون هذا أول تشاور للمجلس منذ معركة القرارين الفرنسي ـ الإسباني والروسي السبت ٨ تشرين الأول/ أكتوبر الحالي. في ذلك الإجتماع التاريخي إستخدمت روسيا الفيتو ضد القرار الأوروبي، ونالت أربعة أصوات لمشروعها.

وبعد أيام من جلسة الفيتو كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعقد في إسطنبول مجموعة عقود إستراتيجية مع الرئيس رجب طيب أردوغان في العلن. أما ما لم يعلن فهذا ما يقلق الحلفاء الغربيين والعرب لأن الثقة الغربية بأردوغان تدنت إلى الحضيض خاصة وأنه يجاهر بأن دولاً كبرى تآمرت للإطاحة به غامزاً من قناة واشنطن وبرلين. وبات السؤال الأكثر تداولاً: هل نجح بوتين في سحب تركيا إلى صفه؟

خط الغاز الروسي "السيل الجنوبي" يعني أن روسيا قررت خلال عامين على أبعد تقدير نقل الغاز إلى أوروبا عبر تركيا لتقطع الخط الأوكراني إلى الأبد. أوكرانيا إٍستخدمت خطوط الغاز الروسية عبر أراضيها من أجل ابتزاز روسيا في مداخيلها الأجنبية من أوروبا. وروسيا لا تقبل الإبتزاز.هذا المشروع الإٍستراتيجي الذي يغضب الأوروبيين والأميركيين يدل على أن أردوغان فقد الأمل من علاقة ندّية مع أوروبا. وأدرك أنه لكي ينجو بحياته من المعاقبة بعد أزمة اللاجئين مع أوروبا، وتكون تركيا مستقلة ثانية، عليه التنسيق مع دولة عظمى غير الولايات المتحدة. وعندما تجتمع السياستان الروسية والتركية تصبح أوراسيا واقعاً ناجزاً مهما تأخر.

 قبل وقت قصير كان مضيقا البوسفور والدردنيل بيد الناتو. وكان الأسطول الأطلسي يجري مناورات عسكرية في البحر الأسود الذي كان يعد بحيرة روسية صرفة. وإذا صحت المؤشرات المعلنة، فإن تركيا باتت تمتلك مع روسيا كل مفاتيح المنطقة. ولا أحد يستطيع التكهن بالرد الغربي على مثل هذه التحول الإستراتيجي في المعادلات في منطقة شرقي البحر المتوسط. وسوريا بالطبع هي بداية السلام أو نهايته.

بالعودة إلى إجتماع نيويورك الإثنين حول سوريا. الأمر الملحّ للدول الغربية، وكذلك للمبعوث دي ميستورا هو أن يتم التوصل إلى وقف فوري للنار لإخراج المسلحين وتجنيب شرق حلب ويلات القتال. وكان دي ميستورا في الإجتماع المغلق الذي عقد في ٧ تشرين الأول/ أكتوبر الحالي شدد على الحاجة إلى إبقاء الإدارات السورية في المدينة بشكل سليم. هذا يعني رجال الشرطة وإدارات الخدمات الحكومية السورية. وهذا يعد بكل المعايير قبولاً بعودة المدينة إلى كنف الدولة.

لكن أوضاع مسلحي جبهة النصرة المعنيين بالإجلاء تبدلت منذ ذلك الحين. حصلت عمليات ضم واستحواذ على مقاتلين من تنظيمات أخرى، وبدلاً من فرز الجبهة ونأي التنظيمات الأخرى بالنفس عنها، تعزز عدد مقاتليها وعتادهم، لكن إمداداتهم تبقى مقطوعة. ثم أنهم لا يعلمون إلى أين سيتجهون بعد التباس المواقف التركية عليهم. هل إدلب وجهة أكثر أمناً من حلب؟ وإلى متى؟ ثم ماذا عن مصير أجهزة الأمن الأجنبية المنخرطة في صفوف المجموعات وكيف سيتم إخراجها؟ هذا يحتاج إلى صفقة ومنظمين لها.

في التجارب العراقية كانت المنافذ تفتح لعناصر داعش لكي ينتقلوا عندما تطبق الدولة العراقية عليهم. لكن حلب محاصرة تماماً وليس من السهل لهم الخروج إلا بترتيب. الأرقام التي طرحت في الجلسات السابقة عن عدد أفراد النصرة راوحت بين ٢٠٠ و٩٠٠ عنصر. وعند مراجعة الأعداد في حي الوعر في حمص يتبين أن الأعداد غالباً ما تكون مضخمة أو أدنى من التقديرات. هناك عناصر تحلق ذقونها وتفضل المصالحات، وأخرى أجنبية تعلم أن مصيرها مجهول ولا مفر لها من تسليم نفسها.

لكن إجتماعات لوزان قد تحمل مفاجآت بعد إتفاق وزيري خارجي الولايات المتحدة جون كيري وروسيا سيرغي لافروف على عقد لقاء ثنائي على هامش اجتماع اللاعبين الإقليميين، إيران والسعودية وقطر وتركيا. الإجتماع يرمي بشكل أساسي إلى ترتيب هدنة وإخراج الأتباع من المدينة التي لا مناص من تحريرها كاملة.

واجتماعات لوزان تنعقد في وقت كشّرت فيه الولايات المتحدة عن أنيابها قرب باب المندب، وراجع الرئيس باراك أوباما خياراته العسكرية والسياسية في سوريا مع مجلس الأمن القومي في ضوء مصادقة الدوما الروسي على اتفاق القاعدة الجوية الدائمة في حميميم وأخرى بحرية دائمة  في طرطوس.

بهذه الإستعدادات والتصريحات المتوعدة، تبدو المواجهة بين الدولتين محتدمة على المستوى اللوجستي. وأي نقلة خاطئة تهدد بإشعال فتيل مواجهة مصيرية بين الجبارين. لكن اجتماع لافروف كيري يأتي خصيصاً لمنع زيادة الإحتقان. الروس لا يقطعون شعرة معاوية مهما تشددوا. إنهم في حاجة ماسة لتفاهمات إستراتيجية وهم يحتفظون بالكثير من الأوراق الدولية للتفاوض من أجل تحسين أوضاعهم على المستويات الإستراتيجية والإقتصادية كافة. والغرب يمكن أن يغيّر مواقفه في الأزمات عندما يناسبه ذلك. كانت الهند وباكستان تحت الحصار والمقاطعة قبل وقت غير بعيد.

وفي الموضوع السوري إذا فشل إجتماع لوزان في إحراز تقدم رئيسي في أزمة حلب فإن مجلس الأمن الدولي لن يتمكن من الخروج بموقف ما من اجتماع الإثنين. وهذا ينقل المسألة إلى مزيد من الحراك الدبلوماسي على مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة لكي تعقد إجتماعاً موسعاً تناقش فيه الأزمة السورية، ربما الخميس المقبل بطلب من ٦٩ دولة من ضمنها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ومصر وماليزيا ونيوزلندا وإسانيا وأوكرانيا والأورغواي، الأعضاء في مجلس الأمن الدولي.

وإذا عقد هذا الإجتماع فإنه يمهد لعقد دورة طارئة للجمعية على أساس أن مجلس الأمن فشل في معالجة الأزمة السورية. لكن قرارات الجمعية العامة مهما كانت لغتها قاسية تظل معنوية إلا إذا حملتها دول كبرى وبنت خطوات عسكرية عليها. الإدارة الأميركية، وكما قال جون كيري للمعارضة السورية في الشريط المسرب، في حاجة إلى قرار دولي لكي يصبح أي تحرك تقوم به شرعياً. فإذا نجحت في استصدار قرار من الجمعية العامة تكون أمسكت بورقة الشرعية.

الضغط الآخر الذي قد تلجأ الدول الغربية والعربية إليه هو الإستفادة من تقرير آلية التحقيق المشتركة التي أنيط بها تحديد ما إذا كان إستخدام الأسلحة الكيميائية وقع في سوريا ومن قام به. التقرير الأخير سوف يقدم في ٢١ تشرين الأول/ أوكتوبر الحالي وسط توقعات بأن يخرج باستنتاج بأن سوريا لم تصرّح بكامل ترسانتها الكيميائية وتعد بذلك منتهكة لمعاهدة الحظر. لا أحد يتوقع أن تقبل روسيا التقرير. ولو قدّم مشروع قرار في المجلس للبناء عليه بفرض عقوبات فإن روسيا ستستخدم حق النقض السادس. لكنه يصبح ورقة في اليد الأميركية تستخدمه متى أرادت.

  المصدر: الميادين نت