كلينتون وترامب: ما قد يفعلانه أو لا يفعلانه.. بقلم: عبد الله بوجبيب

كلينتون وترامب: ما قد يفعلانه أو لا يفعلانه.. بقلم: عبد الله بوجبيب

تحليل وآراء

الأربعاء، ٥ أكتوبر ٢٠١٦

التصويت الساحق في الكونغرس الأميركي ـ مجلسي الشيوخ والنواب ـ للسماح للمتضررين الأميركيين من حوادث 11 ايلول 2001 بمقاضاة المملكة العربية السعودية، لا يعكس السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، وبالأخص السعودية.
من دون شك، اختار مقدمو مشروع القانون الوقت المناسب لطرحه على الكونغرس. اختاروا فترة الانتخابات حيث على كل مترشح للنيابة او مجلس الشيوخ أن يبرهن عن وطنيته ودعمه الناخبين من دون بحث ولا تدقيق.
ينتخب الأميركيون في 8 تشرين الثاني رئيس جمهوريتهم ومجلس النواب وثلث مجلس الشيوخ. في فترة الانتخابات يقرّ الكونغرس قوانين من الصعوبة أن تُقرّ في الأيام العادية. لكنني اعتقد أن الكونغرس قد يعيد النظر، بعد الانتخابات، في هذا القانون الذي يسمح أيضاً للأبرياء، ضحايا الضربات الجوية الأميركية في طائرات من دون طيار مثلا، بمقاضاة الدولة الأميركية في باكستان أو في أوروبا وفي الولايات المتحدة حتى. هذا القانون قد يغيّر الأعراف والتقاليد الدولية ويأتي بالفوضى «اللاخلّاقة»، ولذلك ربما استجاب الكونغرس لطلب الرئيس باراك اوباما إعادة بحثه.
ولأن هذا القانون موجّه ضد المملكة العربية السعودية عشية الانتخابات الأميركية، تصبح القراءة المختصرة لسياسة كل من المرشحين للرئاسة الأميركية تجاه المنطقة من الأهمية الكبرى في السنوات الأربع المقبلة.
في المناظرة الأولى بين مرشحي الحزبين، وقبل ذلك في تصريحاتهما المختلفة، أعطى كل من هيلاري كلينتون ودونالد ترامب رأيه في بعض قضايا المنطقة. ترامب، مرشح الحزب الجمهوري، أكد انه سينهي تنظيم «داعش» لكن ليس باستعمال قوات اميركية، وأنه قد يتعاون مع الروس لإنهاء التنظيم. وشدّد على إنهاء ثروة «داعش» الكبيرة من بيع البترول بالاستيلاء على الآبار وإدارتها لصالح جرحى الحرب الأميركيين وعائلاتهم. أضاف ان لديه خطة سرية للتخلص من هذا التنظيم، ولن يعلنها حتى لا يعرف العدو محتواها. كذلك أشار مرة الى انه رغم اعتقاده ان الرئيس السوري يجب ان يرحل، فهو لن يحاول التخلص منه اذا وجد انه قد يساعد في المعركة ضد «داعش».
وأشار ترامب الى معارضته الاتفاق الدولي مع ايران في شأن ملفها النووي، واعداً بعقوبات أشد صرامة. كذلك شدّد على أن لإيران تأثيراً كبيراً على كوريا الشمالية ويمكن الضغط عليها لتغيير سياسة كوريا الشمالية النووية.
اما بالنسبة الى السعودية، فمن الصعب ـ شدّد دونالد ترامب ـ التخيل ان الولايات المتحدة تحمي المملكة الغنية من دون مقابل. على السعودية ان تدفع كل التكاليف الباهظة لواشنطن. الى ذلك، وبما ان الحماية من اجل استمرار تدفق البترول، الان وقد حققت الولايات المتحدة الاكتفاء الذاتي، فلن تكون هناك حاجة الى الاستمرار في حماية السعودية، وعاجلاً أم اجلاً، ستقوم ثورة شعبية هناك، وعلى اميركا ان تكون الى جانب الأماني الديموقراطية.
على الأرجح ان هيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديموقراطي، ستستمر في سياسة الرئيس اوباما مع تعديل طفيف هنا وهناك. بالنسبة الى «داعش»، تفضّل كلينتون حملة جوية اكثر فعالية من الحملة الحالية، وذلك مع وجود جيوش كردية وسنية لتحل مكان التنظيم، لكنها لن ترسل جيشاً أميركياً لمحاربته، مع العلم ان الرئيس اوباما أرسل حتى الآن حوالي عشرة آلاف تقني وجندي لمساعدة سلاح الجو الاميركي. كذلك، ستدرس كلينتون إمكان التعاون مع الروس في عملية إنهاء «داعش».
ستستمر كلينتون في سياسة الرئيس اوباما في ما يتعلق بالحرب السورية. فلا إمكان لحل عسكري ويجب العمل على حل سياسي يحفظ لسوريا هيكليتها العسكرية والإدارية. كلينتون مع رحيل بشار الأسد، لكنها لا تمانع بقاءه في الفترة الانتقالية لتحقيق سلام شامل ودائم. على الأرجح لن تكون كلينتون اكثر صرامة من اوباما في التعامل مع النظام السوري وحلفائه الروس والايرانيين. كانت كلينتون تحبذ إقامة منطقة حظر جوي في الشمال السوري، لكن التطورات الاخيرة مع تركيا جعلت اقتراحها غير ذي أهمية. لكن، مهما كانت الأحوال العسكرية في سوريا سيئة، فلن تقدم كلينتون على مواجهة عسكرية مع الروس او النظام السوري.
السعودية، بالنسبة اليها، صديق وشريك في استمرار تدفق البترول من الخليج وفي محاربة ارهاب «داعش» و «النصرة» («القاعدة»)، والاكتفاء الذاتي من البترول لاميركا لن يغير في سياستها تجاه السعودية ودول الخليج الاخرى. ستتفهم كلينتون الحساسية الخليجية مقارنة بالرئيس اوباما الذي كان صريحا وغير ودي مع القيادات الخليجية، وستستمر ايضا في السماح للسعودية ودول الخليج بامتلاك معظم انواع الأسلحة الثقيلة.
في اليمن سيستمر الدعم الاميركي للسعودية كما هو حاليا، مع إشارات دائمة الى وجوب إنهاء الحرب والعمل لسلام دائم.
ربما تقبلت كلينتون اكثر من اوباما المخاوف السعودية والخليجية من النشاط الإيراني في العالم العربي، لكنها ستستمر في دعم الاتفاق حول ملف ايران النووي، ولن تقدم ولن تسير في مشاريع مواجهة مع ايران في الخليج او اي مكان آخر.
في اختصار، لا يمكن التكهن بما قد يقوم به أو يقدم عليه دونالد ترامب اذا اصبح رئيساً. مواقفه عفوية غير مدروسة. السؤال الدائم: هل يستطيع التغلب على المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية القائمة في اميركا؟ ماذا عن الكونغرس الاميركي الذي اصبح له دور أساسي ايضا في صنع السياستين الخارجية والدفاعية؟
من ناحية اخرى، لن تكون هيلاري كلينتون نسخة طبق الأصل عن الرئيس باراك اوباما تجاه الشرق الاوسط. فهي أصلا الى يمينه في السياسة الخارجية، وقد دعمت ضربات جوية لسوريا عندما اتهمت باستعمال السلاح الكيميائي، وكانت ايضا مع التدخل في ليبيا. لكن، رغم انها الى يمين اوباما من ناحية التدخل في شؤون الدول، الا انها تبقى الى يسار جورج دبليو بوش الى مسافة كبيرة في هذا المضمار. لن تقدم هيلاري كلينتون على مواجهة مع اي دولة او قوى، قد تصبح حربا طويلة الأمد مثلما حصل في العراق، وافغانستان وليبيا، من دون ان ننسى فييتنام.