إسرائيل وراء الباب... وراء الباب إسرائيل

إسرائيل وراء الباب... وراء الباب إسرائيل

تحليل وآراء

الجمعة، ٣٠ سبتمبر ٢٠١٦

 بسام أبو شريف
اعتذاري لرفيق الدرب الذي رحل عنا، محمود درويش الذي في قصيدة «مديح الظلّ العالي» عن بيروت عام 1982: «أمريكا وراء الباب... وراء الباب أمريكا».
يعفي خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الكثيرين من الإطالة في التحليل والربط. فقد حدد في معرض «عظته» للرئيس محمود عباس، أهداف أميركا وإسرائيل ومعظم الدول العربية، وقال له بصريح العبارة: «أنشأنا حلفاً لمواجهة إيران»، ناصحاً إياه بأن يتوقف عن الوهم والتوهم، لأن واقع الأمر يشير إلى تأييد كل أطراف معسكر نتنياهو، الإجراءات التي يتخذها بالتوسع الاستيطاني وبضم الضفة الغربية والجولان والقدس لإسرائيل.
بطبيعة الحال لم يكرر نتنياهو ما يقوله في جلساته الخاصة ومطبخ الحكومة المصغر، من أن الظروف الراهنة تفتح أمام إسرائيل فرصة الحصول على «وعد بلفور جديد»، أي أن أطراف تحالفه (أميركا والدول العربية المقصودة) وعلى رأسها النظام السعودي، يدعمون من دون تحفظ ابتلاع كل الأرض الفلسطينية والجولان والسيطرة على البحر الأحمر، انطلاقاً من مضائق تيران التي بيعت للنظام السعودي برغم عدم شرعية ذلك، لتكون قاعدة انطلاق إسرائيلية في وجه إيران واليمن الذي يسيطر على باب المندب، وتدعم مخطط إسرائيل لابتلاع الجولان والتمدد لخلق حزام عريض يمتد من درعا إلى السويداء، مروراً بحزام عريض يبعد النيران عن القنيطرة.
والمتابع النبيه لمواقف الرئيس الأميركي باراك أوباما المعلنة يعرف أنها تبدو ببغائية، لكنها في الواقع تلخص تفكير لجنة التخطيط الاستراتيجي في البنتاغون.
قبل ستة اشهر، قال أوباما في تصريح له: «نستطيع أن نسيطر على الرقة ودير الزور بسرعة». كان ذلك مع إنزال أول دفعة أميركية من العسكر لدعم حلفائه من الأكراد الذين وُعدوا بالكونفدرالية.
لكن بعد دخول تركيا أراضي سوريا، احتلالاً وتفريغ آلاف الجنود الأتراك لارتداء لباس «الجيش الحر»، واندفاع تركيا جنوباً، تراجع الأميركيون عن حليفهم الذي هيأوه للمحرقة (قوات سوريا الديموقراطية) وبدأوا يعملون مباشرةً.
وها هي أميركا تبدأ بغزو الرقة تمهيداً لاستعمال «داعش» هناك لخدمة مخططها ومخطط إسرائيل. ولا بد من الإشارة هنا إلى تركيز «حزب الله» ووسائل الإعلام المؤيدة له على معركة دير الزور والرقة، منذ أن ركزت الولايات المتحدة على الرقة ودير الزور.
لماذا تتدخل الولايات المتحدة بجنودها في الرقة، وليس في حلب مثلاً؟
السبب يكمن في خطاب نتنياهو وخطاب أوباما ومخطط الأميركيين والصهاينة الشامل منذ بدايته في العراق وامتداده لسوريا، إذ إنه ممنوعٌ منعاً باتاً التقاء الجيش السوري والجيش العراقي لأن هذا سيشكل الضربة القاضية للمخطط الصهيوني الأميركي.
فالتقاء الجيشين بعد انتصار الحيش العراقي المرتقب في الموصل مع الجيش السوري، إن هو حرر الرقة ودير الزور والحسكة، سيبيّن أن الطريق من طهران إلى الجولان ستكون طريقاً تمر في مواقع صديقة وحليفة، أي أن إسرائيل ستشعر بخطر وسيكون وضعها مختلفاً عما هو عليه الآن.
ولهذا السبب أنزلت الولايات المتحدة قواتها في الرقة، وستسعى تركيا لمقايضة الدور الذي تريد منها واشنطن أن تلعبه، ألا وهو إبقاء الشمال بؤرة استنزاف للجيش العربي السوري، بمكاسب قد تشمل النفط السوري المهرب.
خلال ذلك، تصعيد إسرائيل جرائمها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. فهناك مجزرة تدور هذه الأيام في مدن وقرى ومخيمات الضفة، إذ يطلق جنود الاحتلال النار من دون سبب على شباب وشابات وأطفال ونساء. ويزداد البطش في السجون وتزداد عرقلة العجلة الاقتصادية الفلسطينية. إنها حرب منسية تجعل الشعب الفلسطيني ينزف باستمرار.
وفي الوقت نفسه يزداد التوتر داخل المجتمع الإسرائيلي، فقد أصبحت كلمة مستوطنة بالعبرية توازي الشتم أو على الأقل توازي «غريب عنا». ولا شك أن مناورات الجبهة الداخلية المتكررة قد أفقدت الإسرائيليين أعصابهم. فهذا يعني بالنسبة إليهم أن الحرب آتية لا محالة، وأن المستوطنين هم الذين يسببونها. فاليهود عنصريون في ما بينهم، فهم يفرقون بين اليهودي الإثيوبي واليهودي الأميركي ويفرقون بين اللون الأسود والأبيض، بالإضافة إلى العنصرية العامة ضد العرب. معركة فلسطين لم تعد معركة الفلسطينيين وحدهم، ومعركة سوريا لم تعد معركة السوريين وحدهم، ومعركة إيران لم تعد معركة إيران وحدها.
بل أصبحت معركة فلسطين هي العنوان لمعارك كل القوى المناهضة للاستعمار الأميركي ولقاعدة الاستعمار والعنصرية: إسرائيل. هذه القوى هي إيران وسوريا ولبنان وفلسطين والأمة العربية بأسرها مدعومة من روسيا والصين وقوى التحرر في العالم.
* كاتب وسياسي فلسطيني