حلب بين الثوابت الروسية والخداع الأميركي..بقلم: عمر معربوني

حلب بين الثوابت الروسية والخداع الأميركي..بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

الخميس، ٢٩ سبتمبر ٢٠١٦

سقطت الهدنة واستأنف الجيش السوري عملياته في حلب وفي أكثر من جبهة على الأرض السورية، ضمن مشهد متداخل ومعقد وصل الكباش فيه الى قاعات واروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، حيث بدا واضحًا مستوى التناقض بين الجانبين الروسي والأميركي من خلال الحدّة التي واكبت كلمات رئيسي الوفدين، والتي تشكل انعكاسًا لتصريحات عديدة لمسؤولين روس وأميركيين تم فيها تبادل الإتهامات منذ سقوط التفاهم بينهما حول طريق الكاستيلو.

اميركا التي تبدو مصرّة على تنفيذ مشروعها في المنطقة تحاول في هذه المرحلة تثبيت مواطئ قدم لها في الشمال السوري، من تل الأبيض الى اعزاز التي دخلتها قوات أميركية تحت عنوان محاربة داعش تتقاسم السيطرة مع قوات تركية على المنطقة الحدودية التي تدخلت عسكريًا تحت نفس العنوان وهو محاربة داعش، وهو ما تثبت الوقائع اندراج هذا العنوان تحت باب الخداع لجهة تبين دعم اميركا علنًا لداعش من خلال شن الغارات على مواقع الجيش السوري في جبل الثردة ومبادرة داعش للهجوم مباشرة بعد الغارات، وهو ما يثبت وجود تنسيق مسبق بينته الغارات التي تلتها الهجمات اضافة الى وجود تسجيلات لإتصالات بين القوات الأميركية وداعش قبل واثناء الغارات وبعدها. وإن كان هذا الحدث هو السلوك الفاقع، فإن ذلك لا يلغي ولا ينفي سلسلة من الأحداث تبين الدعم والتنسيق بين القوات الأميركية وداعش في العراق وسوريا.

الأمر نفسه ينطبق على الأتراك الذين يسهلون للتنظيمات الإرهابية ومنها داعش عمليات العبور والتزود بالسلاح والعتاد وشراء النفط وعبوره عبر الأراضي التركية، ضمن مسار من التنسيق اظهرته معركة جرابلس حيث انسحبت قوات داعش امام تقدم القوات التركية دون اي مواجهة تُذكر، وهو ما سيحصل في اي تقدم للقوات التركية بمواجهة داعش.

المسؤولون الأميركيون المنقسمون داخل الإدارة الأميركية في المواقف بين وزارة الخارجية والبنتاغون حول التفاصيل وادارة الصراع متفقون حول الهدف العام والأساسي، إلّا ان الفريق المتشدد كجون ماكين وكينزي غراهام يقومان بالضغط على الرئيس اوباما والوزير كيري لإعتماد سياسة اكثر تشددًا بمواجهة روسيا، والدعوة الى ديبلوماسية ضغط لتلافي الفشل بحسب بيانات صدرت عنهما تذهب ايضًا باتجاه تسهيل تزويد الجماعات المسلحة بأنظمة صواريخ مضادة للطيران، واعتماد انماط مواجهة الروس في افغانستان لإجبارهم على الرضوخ بعد تحييد القوة الجوية الروسية، وهو أمر ان حصل لن يؤثر كثيرًا على اداء الطائرات الروسية الحديثة ولكنه سيشكل خطرًا على حركة الطيران المدني في المنطقة حيث يمكن لأنظمة صاروخية كصواريخ ستينغر ان تصل الى ايدي جبهة النصرة وداعش بسهولة كما حصل مع صواريخ تاو المضادة للدروع.

في المقابل، كانت التصريحات الروسية منذ بدء اطلاق الهدنة هذه المرة واضحة وحادة وحاسمة وتنامت بحدتها بعد الغارات الأميركية على مواقع الجيش السوري في جبل الثردة، حيث جاء في كلمة المندوب الروسي الى الأمم المتحدة انه على الأميركيين ان يقنعونا بأنهم جادون في التأثير على الجماعات المسلحة وما يسمى بعملية الفصل بين النصرة والجماعات الأخرى، وبأنّ روسيا لن تسمح بتكرار الحيَل التكتيكية التي اعتمدتها اميركا، حيث كنا امام مشهد متكرر يسمح للجماعات المسلحة بتنظيم صفوفها بعد كل هدنة اضافة الى تصريحات مماثلة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الأمم المتحدة حيث رسم خطوطًا روسية حمراء ترتبط بمدينة حلب بشكل اساسي وبضرورة اتمام عملية الفصل بين الجماعات والنصرة، والإشارة الى ان اي قرارات بخصوص حلب لا تراعي الخطوط الحمراء الروسية ستواجه بفيتو روسي – صيني مباشرة.

هذا في الجانب السياسي، اما في الجانب العسكري فإنّ الجسر البحري الروسي الى سوريا عاد الى زخمه السابق اضافة الى تفعيل مشاركة الطائرات الروسية في عمليات استهداف الجماعات المسلحة وخصوصًا في حلب، اضافة الى تموضع قوات مدفعية روسية متطورة تضم مدافع هاوتزر من عيارات ثقيلة وهاونات موجهة وراجمات ثقيلة في الغوطة الشرقية لدمشق، وهذا ما يذهب باتجاه دعم ما قاله السيد بشار الجعفري مندوب سورية الى الأمم المتحدة حول وجود عاصمتين لسوريا وهما دمشق وحلب، وقرب حسم المعارك المرتبطة بدمشق وحلب بدعم روسي واضح ونوعي.

الدعم الروسي الديبلوماسي والعسكري بدأت ترجمته في الميدان من خلال تحرير الجيش السوري لحي الفرافرة شمال غرب قلعة حلب، واشتداد الضغط على مخيم حندرات وتحرير الجيش السوري لتلة الإشارة بالقرب من دوما، وهي تلة مشرفة وحاكمة، اضافة الى تثبيت القوات التي حررت في وقت سابق حوش نصري وحوش الفارة، ووصول قوات دعم كبيرة الى ريف حماه الشمالي لاستئناف تحرير المناطق التي خسرها الجيش في هجومات سابقة للجماعات المسلحة.

اذًا، نحن امام مرحلة شديدة الصعوبة يبدو فيها الجيش السوري متجها الى عمليات هجومية بدعم لا محدود من روسيا وايران وحزب الله والقوات الرديفة الأخرى، وهو ما سيدخلنا في تطورات متسارعة ودراماتيكية.