غوص في المجهول.. بقلم: سامر علي ضاحي

غوص في المجهول.. بقلم: سامر علي ضاحي

تحليل وآراء

الخميس، ٢٩ سبتمبر ٢٠١٦

في التاسع من أيلول الجاري توصل وزيرا خارجية موسكو سيرغي لافروف وواشنطن جون كيري إلى اتفاق حول سورية سمي اتفاق «كيري لافروف» وتوسم السوريون خيراً بومضة أمل قد تتيح الوصول إلى حل بعد اتفاق القوتين العالميتين اللتين تدعمان طرفي النزاع السوري.
وتعنت واشنطن برفض نشر بنود الاتفاق، ورغبة موسكو في نشرها يعيد بنا الذاكرة إلى عام 1916، حين أثمرت المفاوضات السرية بين الدبلوماسيين الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس إلى اتفاق سري عرف باسمهما «اتفاق سايكس بيكو «، وأثبت التاريخ لاحقاً أن الإمبراطورية الروسية صدقت عليه وتضمن اقتسام منطقة «الهلال الخصيب» بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى.
قد لا يكون التشبيه هنا صحيحاً أو مثالياً مع حرص دمشق المتكرر على أنها كانت مطلعة على كل تفصيل من اتفاق كيري لافروف حتى قبل كتابته، ولكن إصرار واشنطن حتى اليوم على عدم نشره رسمياً رغم تسريب مصادر إعلامية أميركية لبنود الاتفاق ونشر روسيا لجزء منه يسيل اللعاب للحديث عن صفقات مشبوهة فيه.
ورغم الأنباء المتكررة عن نعي الاتفاق وتوجيه الاتهامات من موسكو ودمشق إلى وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» بتقويضه، لم تعلن واشنطن عن مضامينه الخمسة الأساسية بشكل رسمي.
ومن هنا قد يكون عدم التزام موسكو بالحفاظ على سرية الاتفاق بعد الآراء التي رأت أنه فشل، مكسباً بحد ذاته للسوريين أنقذهم من «سايكس بيكو» جديدة، ولو رأى الكثيرون أن نجاحه كان ليضمن وقف نزيف الدم السوري، إلا أن ما نشر يشي بالكثير من المخاطر فقد تضمن الاتفاق «ترسيم الحدود» بين الأراضي التي يسيطر عليها التنظيمان الإرهابيان داعش والنصرة التي غيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام، وتلك التي تسيطر عليها «المعارضة المعتدلة»، وكأنها تقسيم سياسي يشي بمستقبل مشبوه لتلك الحدود المرسمة رغم أن واقع الميدان هو الذي يفرضها مع الاعتقاد الكبير بأن فصل «النصرة» عن «المعتدلين» صعب للغاية ومدعاة لتفكك فصائل عديدة أبرزها «الجيش الحر».
المشكلة الأساسية في عدم تفرد واشنطن بإفشال الاتفاق، فهناك ظروف الميدان المختلفة وإضافة إلى صعوبة الفصل بين «النصرة» و«المعتدلين» تطفو على السطح مشكلة أطراف كردية تسعى إلى «كانتونات» جديدة انفصالية ضمن مشروع «الفدرالية» شمالاً، ما يفتح الباب أمام طلبات أخرى من مكونات عرقية أو إثنية دينية لطلبات مشابهة، وكل هذا يقابله رفض تركي وصل إلى حد التدخل العسكري وهاهي الدبابات التركية تصول وتجول في الشمال بزعم مكافحة داعش وهي التي تحاول منع الأكراد من تحقيق كونفدراليتهم، رغم أن قسماً منهم كان يتلقى الدعم اللوجستي والعسكري من دمشق وواشنطن وموسكو على الترتيب، وهو أمر لم تكشف الأقسام المنشورة من اتفاق «كيري لافروف» ما تضمنته حقيقة حوله.
وبعد مرور عام على الحضور العسكري الروسي في سورية تظهر مشكلة مستقبل الحضور العسكري الأجنبي، فإذا سلمنا بأن قاعدة حميميم الجوية ومركز الدعم البحري بطرطوس باتا قواعد روسية دائمة في سورية، فهل منح الاتفاق واشنطن مطار الميادين في المقابل؟ وهل أعطى أنقرة مفاتيح الحدود الشمالية بالكامل؟ وأين نصيب إيران من الكعكة أم إن عدم توزيع الحصص بالتساوي كان أيضاً سبباً للفشل؟
ومع مواصلة الأماني بالعودة إلى التهدئة حقناً لدماء من تبقى من السوريين إلا أن سورية ليست للسوريين الحاليين فقط بل هي لأجدادهم ولأولادهم لاحقاً، وأولئك لهم حق أن تكشف كامل تفاصيل الاتفاق حتى لا نقع في المحظور.
ويبقى السؤال، ماذا بعد؟ هل نلقي السلاح جانباً ونحتكم للعقل أم نترك لحماقات الميدان أن تستمر في طرح المعادلة الصفرية مستحيلة الحل حتى يعود من تبقيهم الحرب إلى الحلول المنطقية ولو استمر ذلك أجيالاً في أزمة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً؟
الوطن