سورية و روسيا أكثر من تحالف وأقل من شيفرة

سورية و روسيا أكثر من تحالف وأقل من شيفرة

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٨ سبتمبر ٢٠١٦

بعد أكثر من خمس سنوات ٍ للحرب على سورية لم يستطع المشروع الصهيو- أمريكي تحقيق أي تقدم ٍ على مستوى تشظي أو تقسيم سورية .. فيما تقدم على مستوى القتل والترويع والخراب والتدمير الممنهج للبشر و الحجر على حدٍ سواء.
لقد فشل المشروع الصهيو – أمريكي لكنه مستمر تحت عنوان استنزاف الوقت والدولة السورية والروسية و باقي الحلفاء , حتى كوندي رايس الشهيرة إحدى مؤسسات مشروع الشرق الأوسط الكبير, اعترفت أن الرئيس الأسد عرقل المشروع .. غير أن هناك من يُصرّ على توجيه التهمة إلى روسيا و يُحملّها مسؤولية صمود وبقاء سورية والرئيس الأسد .. متناسين صمودها وجيشها وشعبها لأكثر من أربع سنوات وهي تحارب الإرهاب وحيدة ً في العالم وعن العالم.
فقد بدا واضحا ً قصور العديد من دول العالم في فهم طبيعة العلاقة بين الدولتين.. وانشغلت الصحف بالشائعات والتحاليل السياسية حول تخلّي أو تغير الموقف الروسي حيال سورية أو شخص الرئيس الأسد.
لقد طالت سنوات الحرب, وما زال الإحباط ينساب إلى نفوس الأعداء, و يتحول إلى يأس ٍ مستعص ٍ, جعل البعض يصب جنونه وغضبه على الدولة الروسية.. ومواقفها الثابتة من الحرب على سورية , وتعرضت من جراء ذلك إلى مؤامرات ٍ وضغوطات ٍ كثيرة حاولت دفعها إلى تغيير موقفها عبر :
1 – عقوبات اقتصادية (مؤامرة النفط السعودية – الأمريكية وتخفيض الأسعار) , و إلى جملة عقوبات اقتصادية دولية و أوروبية على وجه الخصوص .. استهدفت ضرب الإقتصاد الروسي.
2 – عقوبات عسكرية استهدفت ضرب أمنها الوطني و القومي و استقرارها الداخلي و الإقليمي عبر ملف   الحرب في أوكرانيا.
3 – عقوبات طالت سمعتها وهيبتها الدولية ,عبر حملات ٍ إعلامية مكثفة حول دورها ووصفه ب " اللا أخلاقي "نتيجة عدم وقوفها و دعمها لمن اعتبروا أنفسهم ثوارا ً لا إرهابيين , و قدمت الدعم للدولة السورية , واستخدمت حق الفيتو لصالحها أكثر من مرة في مجلس الأمن.
4- تاّمر سياسي أمريكي - أوروبي غير مسبوق فردي وجماعي , داخل وخارج أروقة الأمم المتحدة و مجلس الأمن.
لقد حاربوا و ضغطوا واستنزفوا روسيا كما سورية , و حاولوا إخضاعها وجرّها إلى تسويات ٍ وتفاهمات و إتفاقات عساها تقدم التنازلات.. وحاولوا الإختباء وراء عناوين كاذبة و إتهامات باطلة , وحمّلوها مسؤولية استمرار الحرب على الإرهاب في سوريا , فيما هم ماضون بدعمهم للإرهاب والإرهابيين , وأثبتوا فهما ًخاطئا ً و بائسا ً لدورها الحقيقي الجدّي الثابت للحفاظ على وحدة سورية و دعم سيادتها .. ومن المفترض أن يكون هذا مطلبا ً لكل السوريين الصادقين.
لقد حاولت الدولة الروسية التحدث إلى كل الأطراف , و استقبلت العديد من رؤوساء الأحزاب والهيئات و الشخصيات "المعارضة", واجتهدت في تقديم الرؤى للحل السياسي بشكل واقعي, وحرصت على عقد عدة لقاءات تشاورية سورية – سورية , تساعد على تقريب وجهات النظر.
لكنها في الوقت نفسه عارضت مشروع التقسيم الأمريكي مرارا ً وتكرارا ً.. واتخذت لمواقفها السقف الأممي الذي ينسجم مع طبيعة دورها السياسي و الأخلاقي في إصلاح المؤسسة الأممية , وتحسين أدائها , ومنع انحيازها أو تحكّمها بمصائر الشعوب , و مصادرة إرادتهم.
كما عارضت فكرة تغيير الأنظمة بالقوة و من الخارج , و سعت إلى تليين و احتواء الموقف التركي السيئ في سورية و المنطقة و ترويضه و إقناعه بمستقبل المنطقة الذي سيبقى خاضعا ً للجغرافيا , وأنه لن يتجاوز البحار والمحيطات , و أبرمت معه العديد من الصفقات التجارية , و رفعت مستوى التبادل التجاري بين البلدين إلى أضعاف ما كان عليه سابقا ً ... كذلك أبرمت مع المملكة السعودية عددا ً من صفقات التعاون التجاري و العسكري احتواءا ً للموقف السعودي التائه و اللاهث وراء الإدارة الأمريكية , و المنغمس حتى النخاع في إنتاج ودعم و تسليح و تصدير الإرهاب التكفيري و الإرهابيين , بالإضافة إلى إعلان الدولة الروسية استعدادها الدخول على خط الحرب الفاشلة على اليمن كوسيط لإيجاد المخرج المناسب.
استمرت الضغوط و لم تتوقف, وحاول البعض التعبير عن استيائه من استخدامها حق الفيتو في الشأن السوري, عبر طرح فكرة تقييد استخدامه في مجلس الأمن الدولي.. في وقت ٍ حاولت فيه الدولة الروسية محاصرة الإدارة الأمريكية و أدواتها الإرهابية , بحثا ًعن حل ٍ سياسي  يُجمع عليه السوريون من خلال حوار ٍ سوري – سوري من جهة , ومن جهة أخرى طرحت تشكيل تحالف ٍ دولي ٍ واسع لمحاربة الإرهاب الذي يطال سوريا والعراق واليمن وغير دول خاصة ً تلك التي تلقت ضربات موجعة في قلب عواصمها و مدنها طالت رقاب شعوبها.. لكنها اصطدمت بالحليف الأمريكي السابق , و خرجت معادلة التنافس عن إطار المجاملات الدبلوماسية , وتجلّت حالة العداء القديم – الجديد على حقيقتها , كما اصطدمت بحلفاء أو شركاء أو أدوات واشنطن من دول الإستعمار القديم التركي والأوروبي عموما ً, والفرنسي و البريطاني خصوصا ً, بالإضافة إلى بعض العروش العربية التابعة – الحاقدة , والتي لم تأنوا جهدا ً في متابعة تاّمرها على الدولة السورية منذ ما قبل استقلالها في منتصف القرن الماضي وحتى اليوم .. تاّمرا ً يعكس تموضعها القديم – الجديد في الخندق الصهيوني الساعي لإذابة القضية الفلسطينية لصالح إقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين المحتلة.
أن محاولات الإدارة الأمريكية لإستدامة الحرب على سوريا كهدف ٍ استراتيجي , جعلها تمارس سياستها اللا أخلاقية دون خجل , اعتمدت فيها الكذب والنفاق و الخداع والمراوغة ونقض الإتفاقات , في الوقت الذي دعمت فيه الإرهاب و قدمت للإرهابيين كافة أشكال الدعم السياسي والعسكري واللوجستي , و سعت لحمايتهم و منع إنهيار صفوفهم  تدخلت مرارا ً عبر وجهها الإسرائيلي وقصفت عدة مواقع عسكرية سورية , كما تدخلت بشكل مباشر في ضرب مواقع الجيش العربي السوري في دير الزور مؤخرا ً لإعطاء الإرهابيين فرصة التقدم والسيطرة على بعض المواقع العسكرية الإستراتيجية للدولة السورية التي تدافع من خلالها عن أرضها وشعبها من الخطر الإرهابي المباشر.
أدعت الولايات المتحدة الأمريكية لسنوات أنها تحارب الإرهاب , و شكلت تحالفا ً ستينيا ً لا يحمل أي صفة ٍ قانونية , ومارست تدخلا ً سافرا ً مباشرا ً على الأراضي السورية و اعتدت على سيادتها , و قادت الحرب عبر السماء وهبطت إلى الأرض , و أقامت لها تواجدا ً عسكريا ً على التراب السوري يدعم الأكراد تارة ً و الأتراك تارة ً أخرى  .. و طال زمن إنتظار تنفيذها وعودها الكاذبة في فصل المعارضة المعتدلة المسلحة عن التنظيمات الإرهابية, فعشرة أشهر ٍلم تكن كافية لذلك ..و وقعت الإتفاق الروسي – الأمريكي , ولم تنفذ منه بندا ً واحدا ً , و اختبأت وراء خلافات ٍ أمريكية داخلية تعكس مدى وقاحتها و طبيعتها الشريرة , بما لا يدع مجالا ً للشك بأنها رأس الشر في العالم.
تفننت في إبتكار مسببات التوتر و نقض عهودها و إلتزاماتها مع الدولة الروسية , فيما أذرعها الإرهابية على الأرض مستمرة وفق الأجندة الأمريكية الخاصة.. إذ يقول الوزير المعلم : إن"الغرب يرمي المسؤولية على روسيا لخداع الرأي العام لأنه هو من مول ودرب وسلح الإرهابيين وهم عموده الفقري".
وحوّلت المندوبة سامنثا باور جلسة مجلس الأمن الطارئة التي انعقدت أمس الأول إلى فصل من فصول مسرح"العبث" – بحسب الدكتور الجعفري- , فيما لعب مندوبا فرنسا و بريطانيا دور الببغاء , واستمع الحضور لجملة إتهامات وأكاذيب تعكس الذات الأمريكية – الفرنسية - البريطانية الوقحة لهؤلاء "الساسة", متجاهلين عدم إلتزام واشنطن وإرهابييها في تطبيق بنود الإتفاق الذي أبرمته و تعهدت به مع الجانب الروسي , وبالمقابل إعلان الدولة السورية وقف سريان الهدنة و إستئناف الجيش لعملياته في الدخول و تطهير الأحياء الشرقية لحلب, تكريسا ً لتصريحات الرئيس الأسد حول تحرير " كل شبر" , و السيدة شعبان " كل ذرة تراب " و الدكتور الجعفري " كل إنش" من سورية.. فيما يرى الوزير المعلم أن :" الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون دعوا لجلسة مجلس الأمن دعما للتنظيمات الإرهابية في سورية".
و من خارج المجلس أكدت زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسي مارين لوبان أن :" الحكومة الفرنسية تدعم إرهابيي تنظيم “جبهة النصرة” بما يخالف الطبيعة في سورية بدلاً من مقاتلتهم و دعم الجهود السياسية لحل الأزمة فيها", و انتقدت العقوبات الأوروبية المفروضة على موسكو بحجة الأزمة في أوكرانيا.
يبدو أن العلاقات الروسية - السورية  قد أصبحت بنظر الولايات المتحدة الأمريكية و من معها شيفرة ً يستحيل حلها و فك رموزها , مع خلو القاموس الأمريكي و الأوروبي و التركي والسعودي و القطري , لمفردات الأخلاق والقيم التي تسمو بالبشر ليكونوا ذاك الإنسان الذي خلقه الله تعالى على صورته و مثاله .
المهندس : ميشيل كلاغاصي