إستراتيجية أوباما بين «المتوسط» و«الهادي»

إستراتيجية أوباما بين «المتوسط» و«الهادي»

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٨ سبتمبر ٢٠١٦

د. قحطان السيوفي

أعوام الرئيس أوباما تميّزت بتحدّيات لهيمنة الغرب على السياسات الدولية. التوترات في شرق آسيا من المواضيع الأكثر خطراً في السياسة الدولية، وفي الشرق الأوسط، نظام الدول الذي أنشأته بريطانيا وفرنسا في أوائل القرن العشرين- وحافظت عليه أميركا بعد عام 1945- ينهار الآن، وسط حالة من العنف والفوضى السياسية والإرهاب مع ما سمي الربيع العربي.
الخيط الأحمر الذي يربط الأزمات هو عجز الغرب المتزايد عن أن يكون بمنزلة قطب الاستقرار والقوة، من خلال محاولة فرض الهيمنة، والدعم المباشر وغير المباشر للإرهاب ومموليه…. منذ فجر عصر الاستعمار الأوروبي، تم تشكيل مصير معظم بلدان العالم من خلال التطوّرات والقرارات التي تتم في أوروبا، وبعد ذلك في أميركا. لكن هيمنة الغرب قروناً طويلة على شؤون العالم تقترب من نهايتها الآن. والسبب الرئيسي لهذا التغيير هو التطوّر الاقتصادي غير العادي في آسيا خلال العقود الخمسة الماضية وفشل إستراتيجية الفوضى الخلاقة التي دعمتها أميركا وحلفاؤها في الشرق الأوسط.
بعد الحرب العالمية الثانية انهارت الإمبريالية الأوروبية وظهرت الولايات المتحدة كقوة بارزة، وعلى مدى الأعوام الـ50 الماضية استمرت هيمنة الغرب على الاقتصاد العالمي وتآكلت بوتيرة متدرجة. التحوّل الاقتصادي لآسيا بدأ في الستينيات، وبعد عام 1980 بدأ الاقتصاد الصيني ينمو بمعدلات متصاعدة.
في عام 2014، أعلن صندوق النقد الدولي أن الصين، بمقياس القيمة الشرائية، هي الآن أكبر اقتصاد في العالم، وأن ثلاثة من الاقتصادات الأربعة الأكبر في العالم موجودة الآن في آسيا. الصين جاءت أولاً، وأميركا ثانياً، والهند ثالثاً واليابان رابعاً.
التطوّر الاقتصادي السريع في آسيا خلال الجيلين الماضيين جعل فجوة الثروة بين الغرب والشرق أضيق بما يكفي لأن تبدأ الغلبة العددية في آسيا في إمالة ميزان القوة في العالم، والتغيير الاقتصادي سيترجم إلى قوة إستراتيجية. في عام 2012 توقع «مجلس الاستخبارات الوطنية الأميركي»، أنه «بحلول عام 2030 ستكون آسيا قد تجاوزت أميركا الشمالية وأوروبا مجتمعتين من حيث القوة العالمية، استناداً إلى الناتج المحلي الإجمالي، وحجم السكان، والإنفاق العسكري، والاستثمار في التكنولوجيا، وتراجع الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط وشرق آسيا. هذه الكلمات، التي نشرت قبل بداية ولاية أوباما الثانية، بدت تنبؤية خلال السنوات الأربع التالية. فقد وقفت الولايات المتحدة جانباً ومع الفوضى والإرهاب، ولم يصدق فيما قاله في خطابه بجامعة القاهرة حول إقامة الدولة الفلسطينية… وأيد حلفاءه الإقليميين في دعم الربيع العربي بحجة الحرية والديمقراطية فإذا بهم ينشرون الدمار والذبح والإرهاب… في سورية وليبيا واليمن.
منذ أيام استخدام الرئيس أوباما الفيتو الرئاسي لتعطيل قانون يجيز لضحايا الاعتداءات الإرهابية لـ11 أيلول (سبتمبر) 2001، مقاضاة المملكة العربية السعودية لأن هذه الأخيرة كانت متورطة في الاعتداءات ما يؤكد دعم إدارة أوباما لممولي الإرهاب… كما قال أوباما لمجلة (فانتي فير) (مئات ملايين الأشخاص قتلوا، وملايين نزحوا كل ذلك يحملني على التساؤل عما كان بوسعي أن أعمله بصورة مغايرة خلال السنوات الخمس أو الست الماضية…) كل ذلك يدل على التخبط والضياع في السياسة الأميركية.
بالمقابل رغم السياسات الخارجية لإدارة أوباما «التمحور حول آسيا» وتحويل موارد عسكرية ودبلوماسية إلى آسيا، استجابة لتحوّل مركز الاقتصاد العالمي إلى الشرق، تراجعت الولايات المتحدة عمدا إلى الخلف في الشرق الأوسط، ويرجع هذا جزئيا إلى محاولتها الحفاظ على قوتها ومواردها للصراع مع الصين الصاعدة.
من ناحية أخرى أكدت الصين برنامجها «لبناء الجزر» في بحر الصين الجنوبي، متحدية محاولات الهيمنة الأميركية، كما أن الشكوك متنامية حول مصير اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، وهي اتفاقية تجارية تقودها الولايات المتحدة وتهدف إلى التصدي لهيمنة الصين الاقتصادية المتنامية، باختصار إن الدوامة الحالية للسياسة الأميركية، تجعل الرئيس أوباما يواجه الاحتمال الحزين بترك المنصب ومبادرته للسياسة الخارجية– التمحوّر نحو آسيا– تغرق تحت أمواج المحيط الهادي، كما غرقت سياسته الشرق أوسطية في مياه البحر المتوسط.