بين الانحدار العربي والاعتذار الأميركي للأسد.. بقلم: رفعت البدوي

بين الانحدار العربي والاعتذار الأميركي للأسد.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٦

منبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة بات شاهداً حياً على استمرار الانحدار المريع للخطاب العربي الداعي لإقامة سلام مع إسرائيل.
كان الرؤساء العرب ينادون بضرورة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي واعتبار القدس العاصمة الأبدية لفلسطين. بعدها تطور الخطاب العربي ليطالب بضرورة الالتزام ببنود اتفاقية أوسلو التي لم ينفذ منها شيء حتى يومنا هذا ثم أصبح داعياً إلى وقف الاستيطان والالتزام بالمبادرة العربية القائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام بحدود 1967 ثم بالدعوة إلى ضرورة حل القضية الفلسطينية على أساس الدولتين ومن ثم انحاز الخطاب صوب قيام سلام بين العرب وإسرائيل لينتهي الخطاب العربي للانحدار المريع من خلف منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي إلى استجداء السلام مع إسرائيل تحت أي مسوغ كان بهدف الاعتراف بالكيان الغاصب لفلسطين.
إنه الانحدار العربي، إنه استجداء السلام من المعتدي، من المحتل، ولا غلو في القول إنه التآمر بعينه لأن دولا عربية عدة أضحت تقيم علاقات سرية وعلانية مع عدو الأمة من دون أي اعتبار لفلسطين وشعبها بل ذهبت في تآمرها مع العدو الإسرائيلي لتصف كل حركات المقاومة والتحرر في المنطقة بالإرهابية.
أحد الرؤساء العرب لم يتورع عن المطالبة بإعادة تكرار الخطيئة التاريخية التي ارتكبتها بلاده بإبرام معاهدة سلام بين العرب وإسرائيل على غرار معاهدة كامب ديفيد المشؤومة المسيئة للعرب ولكل المؤمنين بمبدأ المقاومة ضد العدو الإسرائيلي المحتل ما اعتبر انحداراً للمبادئ العربية الداعية لرفض الاحتلال الإسرائيلي ومقاومته.
إفصاح نتنياهو عن تطور في العلاقات مع بعض الدول العربية التي باتت ترى في إسرائيل حليفاً وليس عدواً له دلالات خطيرة تنسحب على إلغاء مفهوم الدعوة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين واستبداله بحلف إسرائيلي مع بعض الدول العربية وإلغاء مفهوم مقاومة الاحتلال.
أما الجزء اللافت والأخطر في خطاب نتنياهو فهو استعداده للتفاوض على أي شيء إلا على القدس ويهودية الدولة الإسرائيلية.
ما حكي عن اتفاق بين روسيا وأميركا بشأن سورية لم تلتزم أميركا بتنفيذ بنوده على الرغم من وضع تواريخ مراحل التنفيذ لأن جوهر الخلاف هو بين مشروعين وليس على تنفيذ بنود الاتفاق.
غارة أميركا على مواقع الجيش السوري جاءت بمنزلة صفعة قوية لروسيا لإبلاغها أن جهات أميركية نافذة في البنتاغون ومكتب الأمن القومي في واشنطن لا تريد النجاح لمثل هذا الاتفاق بل أرادت رسم حدود إدارة الأزمة السورية وإبلاغ سوريه أن الحدود الشمالية الشرقية ستكون تحت الإشراف الأميركي البريطاني التركي المباشر.
المشروع الأميركي الإسرائيلي بات مكشوفاً وخصوصاً أن مغزى رسالة الغارة الأميركية (الخطأ المقصود) على مواقع الجيش العربي السوري في دير الزُّور باتت واضحة المعالم والمقاصد ألا وهي اقتطاع جزء من الأرض السورية والعراقية لإعلان دولة الخلافة الإسلامية عليها بحماية أميركا وبريطانيا وإسرائيل وتركيا مع استعداد تلك الدول للاعتراف الفوري بالدولة المزعومة وبذلك يكون من السهل على الكيان الصهيوني إعلان الدولة اليهودية على أرض فلسطين أسوة بدولة إسلامية بين العراق والشام، من هنا ندرك مقاصد الدعم اللوجيستي والتعاون القائم بين إسرائيل والتنظيمات الإرهابية مثل النصرة وداعش وأحرار الشام كما نفهم أسرار التدخل العسكري التركي في سورية.
مقابلة الرئيس السوري بشار الأسد كانت بمنتهى الجرأة والشفافية والوضوح حيث كشف عن عدم وجود أي خطأ أميركي بل إن القرار بتنفيذ الغارة كان عن سابق إصرار وتصميم وبالتواطؤ مع تنظيم داعش. الرئيس الأسد قال إنه لا يمكن التكهن بتاريخ انتهاء الأزمة السورية ما دامت السعودية وقطر وتركيا وإسرائيل تستمر بتقديم المساعدات للإرهابيين مضيفاً إن تصميم سوريه على تحرير كامل التراب السوري من الإرهاب ومواجهة مخططات التفتيت والتقسيم لا رجعة عنه مهما كانت التضحيات.
الاعتذار الأميركي للرئيس السوري عن الغارة الأميركية على مواقع الجيش العربي السوري وإن كان عبر قنوات غير معلنة إلا أن دلالات الاعتذار مهمة من جهة التيقن الأميركي بجدية التصميم السوري على محاربة الإرهاب والمشاريع التقسيمية وإيجاد الحل السياسي المستند إلى نتائج الميدان العسكري حيث إن أميركا لا تفقه ولا تحترم إلا لغة القوة.