القطاع العام ليس بقرةً حلوباً.. بقلم: سامر يحيى

القطاع العام ليس بقرةً حلوباً.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٦

 يكون البناء متجذراً قوياً عندما تكون قواعده متجذرّة متناسقةً مبنيةً بشكلٍ هندسي سليم، ونظراً للتطوّر الطبيعي للحياة، والاحتياجات البشرية والابتكارات، أُضيفت قواعد أخرى لمقاومة الحرارة والرطوبة والزلازل... إلخ، وهكذا هي إدارة هيكلية المؤسسة، تحتاج إلى متخصّصين ضمن الإمكانيات المتاحة مستندين للماضي ومنطلقين من الحاضر الراهن وتحديّاته للوصول للمستقبل المنشود لتقوية عضد المؤسسة وتأهيل العاملين فيها ليكونوا في المكان المناسب.
 والإدارة بمختلف تعريفاتها تعني تقديم العون للآخر، كما أنّها التخطيط وتنظيم نشاطات وأعمال مجموعة معيّنة ضمن اختصاص معين، وتعتبر فن وعلم توجيه وتسيير الآخرين لتحقيق الهدف المنشود، أما الهيكلية فهي نظام إداري ومجموعة قواعد والإطار العام لتحديد شكل المؤسسة، وتحديد المسؤوليات والواجبات لتحقيق الأهداف المنشودة لها، فلا يمكن أن تكون إدارة بلا هيكلية، وقوة الهيكلية تأتي من قوّة الإدارة، لأنّها تمدّها بالمعطيات السليمة لاتخاذ القرار السليم المدروس بشكلٍ دقيقٍ ومنطقي. وعلينا عدم تجاهل أن الحكومة في الجمهورية العربية السورية، ومنذ فترة طويلة تقوم بعملية تحديث هيكلية مؤسساتها، سواءً بتعديل القوانين والنظام الداخلي لكل مؤسسة، وإصدار قرارات وقوانين ومراسيم وإلغاء أخرى، وإلغاء وإنشاء ودمج مؤسسات وإعادة توزيع مناطق وجودها، وما زالت الأمور تسير بشكلٍ إيجابيٍ وبناء، بالرغم مما سمي زوراً وبهتاناً "الربيع العربي" الذي يعمل على منع حصول أي تطور على مستوى الوطن العربي، ولا سيّما قلب العروبة النابض، وتشتيت جهود أبنائه ومنعهم من التعلّم والابتكار، للتفكير بالحصول على لقمة الخبز وإقصاء الآخر وتحميل المسؤولية للآخر، والنقد الهدام وتجاهل الدور المنوط به كإنسان أولاً وكمواطنٍ يحمل شرف جنسية هذا البلد، ما يتطلّب منا جهوداً مضاعفة لاستكمال عملية إفشال مخطط أعداء الوطن، بإعادة تقييم وتقويم كافّة المؤسسات بشكلٍ منطقي مستندين لقواعد سليمة، بعيداً عن الشخصانية والآنية، لتوطيد البناء واستكمال عملية التحديث والتطوير والإعمار وتشجيع الابتكار، وذلك بأن يدرك كل شخصٍ دوره في هيكلية مؤسسته، وعدم وضع الحجج لعدم قيامه بإتقان عمله، وأن يكون موقناً أن ما يقوم به يصب لمصلحة المجتمع عامّة، فإنجازاته ونجاحاته ستنعكس على كل مواطن، كما فشله، وبذلك تكون مسؤولياته أكبر وتحفّزه على العمل والإبداع والابتكار.
ولنبتعد قليلاً عن التنظير الذي هو أساس وضع الخطوات العملية، قد يكون مناسباً الأخذ بعين الاعتبار من كل المؤسسات الجسم الأساس الذي تقوم عليه المؤسسة، والتي هي المفترض أن تكون ثلاثمراتب، تساهم بتطوير أداء المؤسسة وتقويمها، وإن كانت موجودة، لكنها تحتاج للتفعيل، وتوزيع المهام بالشكل الصحيح لمنع الازدواجية والتشابكات وسهولة حلّ المشكلات، وتحقيق الإيرادات، فالتفعيل الأمثل لهيكلية المؤسسات وفق التالي يكون فعّالاً: فتقسم هيكلية المؤسسة إلى ثلاثة مستويات، الإدارة العليا، والإدارة المتوسطة، والإدارة العاملة، فالإدارة العليا المفترض أن تضم مدير المؤسسة، ونائباً له للمتابعة والإشراف، ومكتباً للعلاقات العامة والإعلام والمتابعة، والمجلس الاستشاري الذي يضم العاملين في الإدارة العليا والمتوسطة، يجتمع بشكلٍ دوري لمناقشة الصعوبات والتحديات والنجاحات التي تحققها المؤسسة، كما يجتمع استثنائياً بحضور أصحاب الاختصاص والكفاءات والخبرات والأكاديميين من خارج المؤسسة، لتوسيع الأعمال وإيجاد الأفكار القابلة للتطبيق على أرض الواقع. 
الإدارة المتوسّطة: والتي تضمّ معاوني مدير المؤسسة، والذين هم أنفسهم مديرو الإدارات حسب اختصاص وحاجة كل مؤسسة، كالموارد البشرية، والإنتاج، والمالية، والتخطيط، والمتابعة، والأرشيف، والمراسلات، وغير ذلك من تسميات حسب العمل المنوط بالمؤسسة، ويكون لدى كل منهم موظف واحد أو اثنين فقط لتنظيم عمل مكتب كلٍ منهم، وليكونوا صلة الوصل بين الإدارة العليا والإدارة العاملة، أما الإدارة العاملة فهي جمهور المؤسسة كلّ ضمن اختصاصه والعمل المنوط به، لتنفيذ توجيهات الإدارة العليا، وتتبع مباشرة للإدارة المتوسطة، ما يقضي على الروتين والبيروقراطية، ويوسّع دائرة التواصل وتنشيط دور المؤسسة والقيام بتحقيق الإنجازات المرجوة، وتشجيع الابتكار والإبداع، أولاً بالقضاء على الكثير من المفاصل الإدارية التي لا عمل لها سوى الروتين والمناصب، وتنشيط دور أصحاب الشهادات العليا للانتقال للإدارة المتوسطة باعتبارهم يحملون شهادة أكاديمية وخبرة عملية بآنٍ معاً، عدا توفير النفقات ومنع الهدر المادي والزمني بآنٍ معاً، لتكون المؤسسة عبارة عن خلية عمل تضمن عدم التداخل وتكرار المسؤوليات ضمن المؤسسة الواحدة، أو مع المؤسسات الأخرى، وتسهيل عملية التأهيل والتدريب بشكلٍ دوري لتأهيل العامل ليكون في المكان المناسب.
   بالتأكيد هذا متوافرٌ لدى كل مؤسساتنا، وإننا نملك مؤسسات قوية، لديها عناصر فاعلة كل منها جندي مدافعٌ عن استقرار سورية وازدهارها في وجه محاولات أعدائها كافة للنيل من صمودها وتفتيتها وتدميرها، والتي فشلت وستثبت سورية إنّها الأقوى رغم الجراح، ولو أنّ الثمن غالِ، لكنّها أعطت الدروس والعبر للجميع بالصمود والتصدي والعمل والابتكار والحفاظ على كرامة المواطن، والنهوض أقوى، مهما حيكت المؤامرات، ومهما تم استغلال العواطف، وإثارة الفتن والشكوك بين أبناء الوطن التي فشلت، ولن يكتب لها النجاح أبداً، فقط ما نحتاجه في مؤسساتنا هو تفعيل دور كل منا والإيمان بأن عمله سيعم بالخير لجميع أبناء الوطن، وإعادة تأهيل كل منا لذاته لكي يبدأ من نفسه ولا يحمّل المسؤولية للآخر، مهما اعتبر دوره عادياً أو ثانوياً، لكنّه بكل تأكيد بالنسبة للمؤسسة فاعل وذو تأثير مهم.
         والفكرة الأهم التي يجب أن يدركها كل موظفٍ حكومي، أن القطاع العام ليس بقرة حلوباً، ولا نقطة ماء جارية، إنما ثروة وطنية، وهو الأساس في نهوض الوطن وتحقيق نموّه واستقراره، بعكس القطاع الخاص الذي يعود لشخصٍ أو مجموعة أشخاص، وعندما ندرك هذه الفكرة، بالتأكيد سوف نكون يداً واحداً من دون استثناء مغترب أو مقيم، في بناء وطننا والحفاظ على ثرواته وإزالة آثار التدمير والتخريب والإرهاب وزرع الشكوك بين أبناء الوطن بحكمة أبنائه وحنكتهم التي هي مصدر إلهام كل الدول التي انتشر فيها أبناؤه.