رئيس أميركا: السيئ أم الأسوأ؟.. بقلم: عبد الله بوحبيب

رئيس أميركا: السيئ أم الأسوأ؟.. بقلم: عبد الله بوحبيب

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢١ سبتمبر ٢٠١٦

زائر الولايات المتحدة هذه الأيام يشاهد ويسمع عن الانقسام الحاد بين الأميركيين حول الانتخابات الرئاسية. الخلاف، كما يبدو لي وقد راقبت 11 معركة انتخابات رئاسية منذ أن حططت في هذه البلاد في العام 1970، ليس هذه المرة إيديولوجياً، أو حول الأولويات الأميركية في الداخل والخارج، أو برنامج كل من المرشحين لمستقبل أميركا محلياً ودولياً. ولا هو خبرة كل منهما في العمل الحكومي، أو أسلوب عمل أي منهما...
الخلاف ليس عن الإرهاب الدولي أو المحلي وأسبابه، وكيفية ردعه والسبل الملائمة لمحاربته...
الخلاف ليس اقتصادياً، ولا حول مستوى الأجور أو أسعار السلع والتضخم. وهو ليس حول الدين العام، ولا سعر الفائدة، ولا البطالة وسعر الهمبرغر.
الخلاف ليس روحياً أو دينياً، ولا متى تبدأ حياة الجنين أو الإجهاض. ليس عن المثليين وشرعية زواجهم، أو عن تغيير الجنس وتقبّل كل هؤلاء في المجتمع...
الخلاف ليس على نوعية السلاح الذي يمكن للأميركي أن يملك، أو أن يحمل، أو عدد الأميركيين الذين قتلوا بقصد أو من دونه...
كل هذه الخلافات التقليدية والمزمنة بين الجمهوريين والديموقراطيين ليس لها مكان في هذه الانتخابات الرئاسية، رغم أن بعضهم يتطرق إليها عند السؤال.
الناخب الأميركي غاضب على مؤسساته السياسية (الاستبلشمنت)، وقد تبين ذلك من اختيار الجمهوريين دونالد ترامب غير التقليدي، مرشحهم لرئاسة أميركا. وكذلك من التأييد القوي لبرني ساندرز غير التقليدي، أيضا في تمهيديات الديموقراطيين. لولا «استبلشمنت» الحزب لأصبح ساندرز حتماً مرشّحه.
يعتبر قسم كبير من الناخبين الأميركيين، ومنهم كثير من اللبنانيين الأميركيين، أن خيار الرئيس هذا العام هو بين السيئ والأسوأ وليس بين الجيد والسيئ. يحاول الناخب الأميركي ان يقرر من منهما السيئ لينتخبه، وذلك لأن لكل من المرشحين ماضياً مثقلا بتاريخ أعماله ومواقفه، وعنوان المعركة الانتخابية أصبح عن استقامة المرشح ونزاهته وأخلاقه وأمانته وشفافيته وشخصيته وصدقيته. لذلك ينهي كل من المرشحين خطبه متهماً الآخر بأنه لا يتمتع بالصفات الأساسية اللازمة ليكون رئيساً للولايات المتحدة.
الاستقصاءات الشعبية تشير الى حدة المعركة برغم أن معظم نتائجها تشير الى تفوق هيلاري كلينتون على دونالد ترامب ولو أن الفارق يتقلص مع الوقت. الاستقصاءات تعكس من دون شك الرأي العام الأميركي وتأخذ في الاعتبار، الى حد بعيد، وزن كل من الولايات الخمسين. لكنها قد لا تعكس الحقيقة كاملة للانتخابات، لأن الدائرة الانتخابية الاميركية في عملية انتخاب الرئيس ليست الولايات المتحدة ككل، إنما كل ولاية على حدة. في انتخابات العام 2000 زاد عدد المقترعين لآل غور ثلاثة ملايين عَن الذين انتخبوا جورج بوش الابن. لكن بوش ربح الرئاسة.
القرار في الولاية. من يربح الولاية ينال أصواتها الانتخابية، وهي مجموع عدد النواب الفيديراليين في الولاية زائدا شيخيها. لولاية فرجينيا مثلاً 11 نائباً فيديراليا وشيخان، فمن يربح فرجينيا يربح 13 صوتاً انتخابياً. يحتاج انتخاب رئيس الجمهورية الى 270 صوتاً انتخابياً.
في حال لم يحصل أي من المرشحين على العدد المطلوب ـ وهذا قد يحصل في حال كان هناك على الأقل ثلاثة مرشحين اقوياء ـ يحال انتخاب الرئيس الى مجلسي النواب والشيوخ مجتمعين، ومن يحصل على الأكثرية يصبح الرئيس المنتخب.
الاستقصاءات التي اجرتها جريدة «واشنطن بوست» منذ أسبوعين في كل من الولايات الخمسين منفردة، تشير الى ان هناك 20 ولاية محسومة لكل من كلينتون وترامب او تميل الى أحد المرشحين، وهناك 10 ولايات لا يمكن التكهن حاليا من قد يربحها. لكن مجموع الأصوات الانتخابية المؤيدة لكلينتون من تلك الولايات تبلغ 244 والتي تؤيد ترامب تبلغ 126.
اذاً، الولايات العشر غير المحسوم اتجاهها، ويبلغ مجموع أصواتها الانتخابية 168، ستقرر من يكون الرئيس. من هذه الولايات تكساس (38 صوتاً)، فلوريدا (29)، أوهايو (18).
الولايات العشرون التي تؤيد كلينتون تقترع في الغالب الى جانب الحزب الديموقراطي ومنها كاليفورنيا، نيويورك، ماساشوستس وإلينوي، وتلك التي تؤيد ترامب تقترع عادة للجمهوريين ولمعظمها أصوات انتخابية صغيرة منها تنيسي وكنتاكي. من الولايات العشر غير المحسوم اتجاهها، أربع تقترع في معظم الأحيان للجمهوريين وهي تكساس، جورجيا، ميسيسيبي، وأريزونا وعدد أصواتها الانتخابية مجتمعة يبلغ 71. الولايات التي كانت تقرر مصير الانتخابات الرئاسية ولا يزال لها التأثير الأكبر ست: فلوريدا، أوهايو، ميشيغان، كولورادو، وسكنسون، كارولينا الشمالية. من يحصل على اكثرية أصواتها الانتخابية يربح الانتخابات.
في اختصار، رغم حدة المعركة ومستواها المتدني وغياب البرامج السياسية والاقتصادية، سيختار الأميركيون رئيسهم يوم 8 تشرين الثاني لأن آلية انتخاب الرئيس حاسمة، ولا تسمح بفراغ رئاسي.
لو كانت عملية انتخاب الرئيس في اميركا مماثلة لآلية انتخاب الرئيس في لبنان (بنصاب الثلثين)، لفشل مجلسا النواب والشيوخ مجتمعين في انتخابه.
لعل لبنان في حاجة الى آلية حاسمة، لأن الفراغ الرئاسي بات مقبولا في المجتمع اللبناني، والآلية الأميركية الحاسمة قد تصلح لبلد متعدد كلبنان.